الخميس، 31 يوليو 2014

جبل الدخان في البحرين، أين ذهب دخانه؟؟

(جَبَلُ الدُّخَان ـ في البحرين)

المؤرخون الثلاثة :  محمد بن خليفة النبهاني، وناصر بن مبارك الخيري، ومحمد علي التاجر ذكروا جبل الدخان الظاهر في الصخير من البحرين، ولكنهم لم يذكروا سبب تسميته بهذا الاسم (جبل الدخان).

انقر للتكبير

بينما جاء في الموسوعة العربية العالمية أن جبل الدخان هذا: (استمد هذه التسمية من التكوينات الضبابية التي تجعل الصخور تبدو كأن عليها هالة من الدخان الرمادي المتصاعد من الصحراء) .
وهذا كلام لا حقيقة له، فها هو الجبل يشاهده الناس لا يرون ضبابا ولا دخانا، ولا شيء فيه يمت للدخان بصلة .

ولأن وزارة الثقافة ـ مملكة البحرين ـ غير مقتنعة بهذا السبب فقد قيدته بأيام الرطوبة العالية قائلة: (الهالة الضبابية التي تحيط عادة برأس الجبل في الأيام ذات الرطوبة العالية هي سبب تسمية الجبل بجبل الدخان) .

ولا يخفى أن الأيام ذات الرطوبة العالية قليلة وتكون التشكيلات الضبابية عامة فلا تختص بجبل الدخان.

وجاء في الموسوعة الحرة ـ ويكيبيديا ـ أنه سمي بذلك لأن (فوقه آبار نفط وغاز طبيعي) .

ومن الواضح أن آبار النفظ ليست دخانا، كما أن الغاز الطبيعي لا ينبعث من الجبل مكونا سحابة دخانية ولم يُشَاهد شيء كهذا أبدا حسب علمي.
والمصادر المهتمة بجيولوجيا البحرين والمنطقة تقول بأن التكوين الصخري لجبال المنطقة كلها جيري ترسبي لا بركاني أصلا، فمن أين جاء الدخان إذن؟؟
إن هذا الاضطراب الواضح في تعليل التسمية يشجعني على إظهار رأي عندي لعله لا يقل معقولية وواقعية عن الهالة الضبابية.

جبال أخرى تحمل نفس التسمية والإشكال :

هل نحن أمام مجرد مصادفة عجيبة أن يكون في كل جهة من أطراف الجزيرة العربية الأربعة جبل يحمل اسم "جبل الدخان"، وأن تكون كلها أيضا بلا دخان بحسب بحثي؟ :


جبل الدخان في السعودية ـ اليمن :


وهو الذي تحصن فيه الحوثيون وجرت فيه حرب بين القوات السعودية والحوثيين، وبينهم نزاع حدودي، وقد حاولت الوصول إلى ما يفيد أثرا لدخان منه أو حوله فلم أجد.





جبل الدخان في مصر :

ويسمى أيضا بالجبل الأسود وبجبل يحموم، قال الزبيدي في تاج العروس : (واليحموم : جبل بمصر أسود اللون، ويعرف أيضا بجبل الدخان، ذكره كُثَيّر في قوله: إذا استغشت الأجواف أجلاد شتوة ** وأصبح يحموم به الثلج جامد) اهـ.



ولا أظن شيئا من جبال مصر يكسوه الثلج.

جبل الدخان في الشام :

أما هذا الجبل فهو الذي ورد في الآثار أن المسلمين يفرون إليه آخر الزمان من الدجال، فيأتيهم الدجال فيحاصرهم فيه، وأن المسيح عليه السلام يقتل الدجال فيه، وهو المقصود بكلمة (الدخ) في خبر ابن صياد كما في الصحيح، يريد أن يقول جبل الدخان.
وأظنه الجبل المعروف الآن بجبل الشيخ أو جبل حرمون، وله تاريخ طويل.



لكن هذه الجبال كلها لا دخان فيها يصح أن تنسب إليه، ولو كانت النسبة للسراب أو الضباب أو الغيوم لقيل جبل السراب أو الضباب أو الغيوم لا الدخان، وجبل الدخان في البحرين أبعدها شبها بالجبال العالية لصغره حتى عدوه تلا لا جبلا، فمن أين جاءت هذه التسمية لهذه الجبال وما حقيقة هذا الجبل؟


جبل الدخان الأصلي موجود في
(دَبَاوَنْد)



قال ياقوت في معجم البلدان :
((دباوند بفتح أوله ويضم وبعد الواو المفتوحة نون ساكنة وآخره دال، ويقال دنباوند أيضا بنون قبل الباء، ويقال دماوند بالميم أيضا، كورة من كور الرَّي بينها وبين طبرستان، فيها فواكه وبساتين وعدة قرى عامرة وعيون كثيرة، وهي بين الجبال، وفي وسط هذه الكورة جبل عال جدا مستدير كأنه قبة، رأيته ولم أر في الدنيا كلها جبلا أعلى منه يشرف على الجبال التي حوله كإشراف الجبال العالية على الوطاء، يظهر للناظر إليه من مسيرة عدة أيام، والثلج عليه ملتبس في الصيف والشتاء كأنه البيضة، وللفُرْس فيه خرافات عجيبة وحكايات غريبة هممت بسطر شيء منها ههنا فتحاشيت من القدح في  رأيي فتركتها..))اهـ


هذا الجبل الذي ذكره ياقوت الحموي وغيره والواقع في دباوند من إيران هو جبل الدخان الحقيقي، وهو أقدم جبل عرف بهذا الاسم وهذه بعض صوره :





















سبب الأساطير حول جبل دباوند

نسجت حول هذا الجبل الكثير من الأساطير، حتى ذُكِر بعضها في كتب التاريخ والتفسير عند قوله تعالى: (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب) سورة ص ـ الآية 34.

وسبب هذه الأساطير والخرافات أن هذا الجبل عال جدا لا يستطيع الناس قديما الوصول إلى أكثر من نصفه، وهو مكسو بالثلوج صيفا وشتاء، وفيه عيون وينابيع كبريتيه وكهوف وجيوب وتجاويف عجيبة، بحيث تتصاعد منه الأبخرة فتصير عليه مثل الترس أو القبة وتشتد الرياح فتظهر أصوات مختلفة تسمع من بعد، بعضها يشبه أصوات الحيوانات وبعضها يشبه أصوات البشر، وتشرق عليه الشمس أحيانا فتتلون تلك الثلوج المخلوطة بالمواد والأبخرة فتشع وتشرق حتى كأنه جمرة من النار، فكان ذلك موضوعا جيدا للأساطير والخرافات فمن شاء فليراجع بعضها في معجم البلدان لياقوت الحموي.

صلة جبال الدخان بجبل دباوند

لكن ما صلة جبل الدخان في البحرين وباقي جبال الدخان بجبل دباوند العجيب؟

الناظر في أحوال وصور جبال الدخان ـ غير جبل دباوند ـ لا يرى أي صلة بينها وبينه، فالدخان والأبخرة التي تتصاعد وتلك الظواهر الطبيعية التي تحدث فيه غير موجودة في غيره، وجبل الدخان في البحرين أبعدها شبها به من كل وجه، فما هو القاسم المشترك بينه وبين غيره حتى أطلق الناس عليها مثل اسمه؟

ما أرجحه في هذا المقال أن سبب تسمية تلك الجبال باسمه ـ ومنها جبل الدخان عندنا في البحرين ـ سببه أنه كان منفى، ينفى إليه بعض من حكم عليهم بالتعزير لأسباب مختلفة، وسبب اختياره بُعْدُه، وأنه آخر بلاد الإسلام من ناحية الشرق في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهو منفى وثغر من ثغور المسلمين ليس وراءه إلا ديار الكفار ذلك الوقت، يشهد لذلك ما روي أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه نفى إليه جندب بن عبد الله تعزيرا لافتياته على الحاكم، ونفى إليه كعب ابن ذي الحبكة النهدي تعزيرا كذلك لاشتراكه في إثارة الفتنة ..

فيبدو أن اسم جبل الدخان ـ دباوند ـ قد شاع ذلك الوقت مساويا لكلمة مَنْفَى، يدل على ذلك ما رُوِيَ أن الجهجاه الغفاري ـ وكان مناوئا لعثمان ـ حينما قال لعثمان: (والله لنغربنك إلى جبل الدخان) وفي رواية أخرى: (كما سيرت خيار الناس) وهذا يدل على ما ذكرناه من أن كلمة: (جبل الدخان) اقترنت عندهم دوما بعقوبة النفي تعزيرا .

وقد رُوي أن عثمان رضي الله عنه شكا قائلا :
((إني في قوم قد طال فيهم عمري، واستعجلوا القَدَرَ، وقد خيروني بين أن يحملوني على شارف إلى جبل الدخان، وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني)) اهـ.

فالظاهر أن هذه التسمية انسحبت على جبال الدخان الأخرى ليس لأنها اشتركت مع جبل دباوند في ظواهره الطبيعية، بل لأنها اختيرت مَنَافِيَ أقرب، عوضا عن دباوند البعيدة ليكون المَنْفِيُّ إليها غير خارج بالكلية عن بلاد العرب.


ولعل هذا يقوي ما روي من اختيار جبل الدخان في أوال منفى لسيدنا صعصعة بن صوحان العبدي في أيام أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إذ كان صعصعة من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان خطيبا مصقعا مؤثرا فلعل معاويةَ استصوب الحَدَّ من تأثيره بنفيه إلى جبل الدخان القريب الذي في أوال البحرين ـ وبين قبره في عسكر وجبل الدخان خمسة أميال ـ والذي تكثر حوله عبد القيس ـ قبيلة صعصعة ـ يؤيد ذلك ما رُوِيَ من قول معاوية لصعصعة: ((والله يا ابن صوحان لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى)) اهـ.
كأنه يُعَرِّضُ إلى النَّفْي إلى دباوند حيث ذلك الجبل الرفيع الذي يبعد ما بين قمته وموضع الهوي أي سفح الجبل، فكان جبل الدخان في أوال الأقرب عوضا عنه.
وسنفرد لمسألة صعصعة بن صوحان هذه مقالا خاصا إن شاء الله تعالى.
هذا مجرد اجتهاد مني في تفسير إطلاق هذا الاسم على جبال الدخان الموجودة في أطراف جزيرة العرب، والله تعالى أعلم.

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    اشكر لكم مقالكم المشحون بالفوائد، جبال الدخان هي الجبال التي تحوي شيئا من العيون الكبريتية ويسمى دود كوه دود يعني دخان، وجبل دماوند ( تنطق الواو V کما في الانجليزية) في عيون كبريتية ويعلوه السحاب دائما، أو ترتفع حتى يضربها الدخان أي السحاب في بعض المواسم وهو مشاهد أحيانا، والظاهر أنه اسم جنس لكل قلة مرتفعة شاهقة من هذا النوع، ولهذا ينفى لها لأنها تكون بعيدة عن الطول منقطعة، في قطر أيضا جبل يسمى جبل الدخان.

    ردحذف