الحمد لله الذي كسر
شوكة التتار الطغاة بالعساكر المصرية والشامية ذوي التمكين، وقطع رأس الكفر بسيفٍ
حلبيٍّ أمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، ورسول رب العالمين، سيدنا
ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد ..
أيها الشاميون، قدمنا
مقالة: هل كان العاشر من رمضان نصرا والآن أقول: إن كنتم في شك من العاشر من رمضان
فأين أنتم من الخامس والعشرين منه من سنة 658هـ؟ أنسيتموه؟
أنسيتم كلمات المؤرخ
ابن الأثير الموصلي الجزري المشهورة إذ يقول :
(ثم دخلت سنة سبع عشرة وستمائة
ذكر خروج التتر إلى بلاد الإسلام
لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً
لها كارهاً لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلاً وأؤخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب
نعي الإسلام والمسلمين .. فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً
منسيا، .. فلو قال قائل : إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم إلى الآن لم
يبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها...
ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة، إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا إلا يأجوج
ومأجوج، وأمـا الدجال، فإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه وهؤلاء لم يبقوا على
أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإنا
لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي
استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح..)اهـ إلخ
وهذا النعي الأليم قاله ابن الأثير الجزري قبل وصول
التتار إلى بغداد عاصمة الخلافة، وفعلهم بها الأفاعيل، وقتل الخليفة العباسي،
وتدمير البلاد كلها، ثم أخذوا العراق كله، وبلاد الشام كلها، إما بالحرب المدمرة،
وإما بالاستسلام المخزي، وعبارات المؤرخين بعد ابن الأثير الجزري في وصف هذا الخطب العظيم
الأليم مشهورة لا نطيل بنقلها.
ولم يبق أمامهم إلا مصر، فكتب الملعون هولاكو إلى مصر
يأمرها بالاستسلام، فسخروا منه وتوعدوه، وقطعوا رؤوس رسله الملاعين وعلقوها، فأمر
الملعون هولاكو جيشه بالتقدم بإمرة كتبغا (كيتو بوقا) وكان هذا تعتقده التتار مؤيدا
بالأرواح والسحرة والآلهة، يُنصرون ويَفتحون البلاد به.
وتحرك الجيش المصري على رأسه السلطان المظفر قطز ومعه أمراء
المماليك الشجعان، ومعهم من كان التحق بهم من أمراء وجنود عساكر الشام الذين أبوا
الاستسلام، والتقوا بالتتار المشركين في عين جالوت في التاريخ المذكور - والتتار
في عتوهم وغرورهم ويقينهم بالنصر، والمسلمون في قلوبهم ما فيها من هول ما سمعوا
من بأسهم - فأول الأمر هجم التتار فكسروا ميسرة المسلمين، فضرب الملك المظفر
بخوذته الأرض وصاح "وا إسلاماه" فالتهبت القلوب، وباعوا أنفسهم
لعلام الغيوب، فهجموا هجمة من كره الدنيا وأحب الآخرة، فإذا بجيوش التتار خاسرة
منكسرة.
ووفق الله الأمير الشامي الحلبي جمال الدين آقوش الشمسي
وأعانه في الرمي والضرب، فشق صدر جيش التتار إلى القلب، وأطار جملة من رؤوس من كفر
وبغا، منها رأس الملعون كيتوبغا.
فلما رأى التتار ذلك بهتوا ودهشوا وتقهقروا، ولم يصدقوا ما عاينوا، فأعادوا جمعهم أعظم
من الأول قرب بيسان، والتحم الجيشان، وزلزل المسلمون زلزالا عظيما، قال المؤرخ المقريزي
:
(فصرخ السلطان صرخة عظيمة، سمعه معظم العسكر وهو يقول
"وا إسلاماه" ثلاث مرات)
فكانت آية من آيات الله، فأخلص المسلمون وأيدهم الله بنصره،
وأمدهم بجند من عنده، وربط على قلوبهم، وقذف الرعب في قلب عدوهم، فهُزم
التتار وولوا هاربين، وتبعهم المسلمون يجتثونهم، حتى تحررت الشام كلها منهم وما يليها
من العراق، ثم توالت الهزائم على التتار، والحمد لله رب العالمين.
أقول لو أن المسلمين هُزموا في هذه المعركة لذهب الإسلام،
لأن من وراء مصر بلاد ممزقة، يقاتل بعضهم بعضا لا يقومون للتتار.
وأشبهت هذه المعركة معركة بدر التي قال فيها النبي صلى
الله عليه وسلم: (اللهم إن تهلك هذه العصابةَ لا تُعبد في الأرض)
فكذلك يوم عين جالوت لو هزم فيه المسلمون لذهب الإسلام.
أيها
الشاميون، إن كنتم في ريب من العاشر من أكتوبر فأي حجة لكم في يوم عين جالوت؟ إنه
والله ليوم عظيم، أعظم من يوم سيناء، فالعدو يوم سيناء بعوضة أو ذبابة والإسلام
عزيز، إذا ما قورن بالعدو يوم عين جالوت والمسلمون أذلاء.
وهو يومٌ نصر الله فيه الإسلام بسواعدكم أنتم والمصريين خاصة، وقد كان لكم فضل عظيم في هذا النصر لا يتسع الوقت لذكره هنا، لعلي أذكره فيما بعد.
والحمد
لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


