الرد على الكاتبة وفاء جناحي
والتذكير بملف التنصير في البحرين
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .. وبعد ..
فقد بعث إلي أحد الإخوة برابط المقال المنشور بجريدة أخبار الخليج بتاريخ 8 أبريل 2012م بعنوان :
(هذا هو ربي الذي أحبه وأعبده)
وطلب مني إبداء الرأي بشأنه، فطالعت المقال المذكور، وقد ذكرني هذا المقال بملف قديم ـ أنسانيه الشيطان ـ كتبت عليه (ملف التنصير) فيه أوراق قليلة، فها أنا ذا أعلق على بعض فقرات المقال بما فتح الله تعالى وأضمنه بعض ما اشتمل عليه ملف التنصير الذي نفضت عنه الغبار بعد مدة طويلة :
جاء في المقال:
((الله العظيم الغفور الحميد الذي يعلم ما في القلوب والنيات وأفعال البشر هل من الممكن أن يكون ظالما؟))
لا شك أن الله تعالى هو الحكم العدل، والظلم محال عليه سبحانه، ولكن هل من الممكن أن يتصدر الإنسان الضعيف للحكم على أفعال الله تعالى ومشيئته؟
من أين للإنسان الضعيف المحدود الذي لا يدرك أسرار نفسه ولا يدري ما في جوفه أن يحاكم أفعال الله تعالى ومشيئته؟
إن الكبر كل الكبر هو أن يتجاهل الإنسان ضعفه الفطري وقصوره الطبيعي لينصب نفسه حكما على الله تعالى مباشرة فيصفه بالظلم إذا وجد في أحكامه ما لا يروق له !! هذه أول كبوة في هذا المقال الذي يقرر منذ البداية أن الله تعالى إذا كان عادلا فيجب أن يكون كذا وكذا .. ! وكأن الله تعالى محتاج إلى تقييم أحد ! وكأنه حتى يفوز برضا هذا أو ذاك فيجب أن يخضع لتصوراتهم وتفكيرهم وما يحكمون به هم وما يقررونه للخالق سبحانه ! بينما المنطق الصحيح يقتضي أن الله تعالى هو الحكم والمقدر والمدبر لكل شيء وليس الإنسان، وإذا لم يجد الإنسان نفسه مرتاحا إلى حكم ما في شريعة الله تعالى أو مستوعبا لأسراره فليتهم نفسه، ثم ليروضها على تقبل أحكام الله كما يروضها على تقبل علاج الأطباء وإن كان مرا ..
إذا أعطينا لأنفسنا الحق في الحكم على مشيئة الله تعالى وتدبيره الذي قد لا نستوعب أسراره فإننا نرتكب حماقة شديدة جدا، فيكون مثلنا كمثل من يسمح لطفل صغير بنقد بحث علمي متطور لنيل درجة الأستاذية!
وجاء في المقال:
((هل يدخل الله العظيم الرحمن الرحيم إنسانا رائعا مثل (البابا شنودة) النار؟ وهو الذي أفنى حياته في عمل الخير..))
إن كاتبة المقال تعترف بأنها مسلمة وتفخر بذلك، ونحن نفهم من هذا الاعتراف أنها درست ـ ولا بد ـ أول مبدأ من مبادئ الإسلام وهو (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أي لا يوجد إله حقيقي غيره تعالى، هذا هو المبدأ والأساس والركن الأول في الإسلام، فهل يمكن لمن آمن بهذا المبدأ حقا أن يتجاهله حينما يريد أن يحكم على شخص ما بالروعة؟
الشيء الرائع يعني البالغ أعلى مراتب الجودة، فهل من الجودة والروعة أن يعيش الإنسان حياته للدعوة إلى عبادة غير الله تعالى من البشر كالمسيح عليه السلام على أساس أن المسيح هو الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؟!! كيف يصير شخص ما رائعا عندي ـ إذا كنت أنا مسلما ـ وهذا الشخص يهدم أعز مبادئ ديني وهو التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد الذي ليس له زوجة ولا ولد؟؟
ربما تكون كاتبة المقال بالغت في حسن الظن جدا بعقيدة بعض الأصدقاء إلى درجة أنها تعتقد أنهم غير مشركين، فنراها تقول في مقالها بعنوان: (كل عام وإخواني المسيحيين بخير) ما نصه:
((إذا كنت أنا عبدته أرى حبهم وتمسكهم بعبادة الله وعدم الشرك به فهل خالقنا والعالم بكل الأمور لا يراها؟)) اهـ.
حينما نرى نحن سرابا يلمع من بعيد فلا ينبغي أن نعتقد أن الله تعالى يرى ذلك السراب كما نراه !! فليس من الضرورة إذا كانت الكاتبة لا ترى ما هم عليه من الشرك بالله أن يكون الله تعالى غافلا عما يعمل الظالمون، لقد أخبرنا الله تعالى بشركهم، فالواجب أن نكون نحن مصدقين لما أخبرنا الله تعالى وليس أن نجعل الله تعالى مصدقا لما نراه ونعتقده ..
فنحن نقول ربما لا يكون هؤلاء الأصدقاء الذين عرفتهم الكاتبة متدينين بالعقيدة المسيحية الكاثوليكية أو الأرثوذوكسية أو البروتستانتية، ربما هم شيء آخر، الله أعلم، ولكن من المعروف عن الدعاة من هذه المذاهب المسيحية أنهم يحاولون التدرج بالمسلمين إلى النصرانية بطريقة فيها الكثير من الدهاء والحذر فيبدؤون بالحديث معهم عن بعض المبادئ الأخلاقية والعدالة، ثم بتشكيكهم في بعض المبادئ الإسلامية .. وإلا فمما لا شك فيه أن هذه العقائد قد اشتملت على ما هو شرك بمعناه الواضح، أعني اعتقاد ألوهية المسيح عليه السلام !
وفي هذا المعنى بعينه والذي هو ألوهية المسيح ألف البابا شنوده نفسه ـ الممدوح في كلام الكاتبة ـ مجموعة من الكتب في اللاهوت متوفرة، وقد أكد فيها بكل وضوح وصراحة أن المسيح عليه السلام هو الله وأن الله هو المسيح !!! وهو ينتمي إلى عقيدة تصرح بأن مريم عليها السلام هي والدة الإله !! هكذا بكل وضوح.
وسأكتفي بثلاثة نصوص فقط من مئات النصوص من كتب البابا تؤكد ما تقدم، يقول:
((عقيدة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية: السيد المسيح هو الإله الكلمة المتجسد ..)) انتهى من كتابه طبيعة المسيح وهو متوفر على الشبكة.
ويقول :
((لم يكن هناك حل لمغفرة الخطيئة سوى أن يتجسد الله ذاته ويموت)) الخلاص ص18
ويقول :
((أيها المسيح إلهنا)) الخلاص ص30
وفي كل كتبه يؤكد ذلك تبعا لعقيدة الكنيسة الأرثوذوكسية ..
فهل يمكن لمسلم ـ عرف مبادئ الإسلام ـ أن يحكم على اعتقاد كهذا بالروعة ؟ بالقطع لا يمكن، وما على كاتبة المقال سوى الاطلاع على مؤلفات البابا شنودة وغيره من آباء الكنائس الأخرى لترى بنفسها من هو الله عندهم، وحينها ستعرف أن الشرك بالله عقيدة راسخة لديهم.
وأما إن كانت الكاتبة تقصد الروعة من ناحية الأعمال الخيرية فهذه مسألة ثانوية لا يكون لها قيمة إلا إذا كانت مبنية على أساس إيماني صحيح، فلمن يتم تقديم هذه الأعمال؟ وباسم من تقدم؟ وما هو الهدف من تقديمها؟ هل الهدف التقرب إلى الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد؟ أم الهدف التقرب إلى المسيح أو غيره من المعبودات؟ إن ما يكون مقدما لغير الله تعالى فهو مردود على صاحبه، وهذا المبدأ من المبادئ الأولية في الإسلام، ولهذا قال تعالى عن أعمال المشركين : (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) صدق الله العظيم.
والمفاجئ لكاتبة المقال أن البابا شنودة نفسه الذي تنافح عن أعماله أكد في مئات النصوص أن العبرة بالإيمان لا بالأعمال، وأن الأعمال دون إيمان لا فائدة منها، وهو يقصد بالإيمان المعنى الكنسي أي ألوهية المسيح وباقي الشروط الكنسية وليس الإيمان ـ بالمعنى الإسلامي ـ بالإله الواحد الذي ليس كمثله شيء والمنزه عن الزوجة والولد والصفات البشرية ..
فترى البابا يقول عن الإنسان أنه:
((مهما فعل من أعمال صالحة فلن تجديه شيئا بدون الإيمان بالمسيح)) الخلاص ص9
ويقول :
((لا يوجد خلاص إلا بدم المسيح، جميع الأعمال الصالحة مهما سمت، مهما علت، مهما كملت، لا يمكن أن تخلص الإنسان بدون دم المسيح.
لذلك فإن الأبرار الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة في العهد القديم، انتظروا هم أيضا في الجحيم إلى أن أخرجهم منه السيد المسيح بعد صلبه.
إن الأعمال الصالحة وحدها لا يمكن أن تخلص الإنسان بدون الإيمان بدم المسيح وإلا كان الوثنيون ذوو الأعمال الصالحة يخلصون بأعمالهم !! حاشا. )) الخلاص ص17
ويقول:
((إن لم تدخل في هذا الموت، يلحقك الموت الثاني الذي هو العذاب الأبدي في بحيرة النار (رؤ 20: 14) وكيف تدخل في هذا الموت؟ كيف تشترك مع المسيح في موته؟ إن ذلك يتم بالمعمودية ..)) الخلاص ص28
ويقول:
((هنا نرى الحياة الأبدية متعلقة بالتناول من جسد الرب، بحيث أن الذي لا يتناول لا تكون له حياة، أي يهلك .. هل ممكن الخلاص بدون تناول؟ أقول كلا، لا يمكن ..)) الخلاص ص34
البابا يقرر بكل وضوح أن من لا يؤمن بالمسيح إلها وربا ومخلصا وأن دمه سال من أجل مغفرة الذنوب ومن لا يدخل في المعمودية فإن أعماله كلها لا تفيده !! فكاتبة المقال المسلمة لا تستحق الخلاص في عقيدة قداسة البابا مطلقا، لأنها لا تؤمن بالمسيح إلها وربا، كما أنها لا صلة لها بطقس المعمودية، ولا بطقس التناول، وبالتأكيد لا صلة لها بما يسمى (الأفخارستيا) ! ولا بأسرار الكنيسة، وهذه هي أركان الخلاص في عقيدة قداسة البابا ..
إذن فكاتبة المقال المسلمة هالكة لا محالة في اعتقاد قداسة البابا الذي تنافح عنه وتستبعد أن يزور بحيرة النار، مع أن قداسته نفسه يعتقد أن قدماء الأبرار من الأنبياء وغيرهم كانوا في الجحيم قبل المسيح !!!
إن الله تعالى الحكم العدل جعل الشرك به تعالى وتأليه غيره وعبادته أعظم من أي ذنب آخر، لأن الشرك جريمة فيها انتقاص للخالق تعالى وتنال من قدسه وعظمته، لذلك كان ذنبا غير مغفور، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وندرج فيما دون الشرك حادثة جار الكاتبة الملتحي وحادثة المخطئة المنتقبة إن صحت الروايتان، فهما في نهاية المطاف لم يرتكبا جريمة الشرك بالله تعالى ولم يعتقدا قط أن غيره يستحق الألوهية والعبادة.
تقول الكاتبة:
((كيف يسمح التواب الرؤوف بأن تدخل (ماما تيريزا) النار وهي التي أسست بموافقة الفاتيكان «إرسالية راهبات المحبة» التي كان هدفها العناية بالجياع والعراة والمشردين والعاجزين والعميان والمنبوذين))
لن نعيد ما قلناه سلفا، فإنه كله يجيء هنا في الحديث عن تريزا، فإن تريزا كمسيحية كاثوليكية تؤمن بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام إلها وربا لها، وأن مريم أم الإله، وكل ما قدمته للجياع والمحرومين من المسلمين وغيرهم إنما هو لتنصيرهم وإدخالهم في عبادة غير الله تعالى، وهي ومؤسساتها تستغل فقر المسلمين وفاقتهم ويتمهم للسيطرة عليهم، وهي مدعومة من قوى الاستعمار والاستكبار العالمي، وكل ما أسسته كان بدعم مطلق من بابا روما لهدف واحد فقط وهو (التنصير) وليس ما قالته الكاتبة من أن هدفها (العناية بالجياع) فإن العناية بالجياع وسيلة فقط، وليس هو الهدف الحقيقي وإنما الغاية صرفهم إلى عبادة المسيح.
حينما تأتي الماما تريزا إلى جائع مسلم فتطعمه وتكسوه وتؤويه لتتدرج به إلى الكفر بالله تعالى والشرك به فإن هذا العمل في غاية القبح والجحود والاستغلال، وإن ما قدمته من معونة لهؤلاء لا يختلف عن من يلتقط الفتيات من الشوارع ويطعمهن ويكسوهن ليعملن في البغاء، والفرق أن البغاء أقل جرما وقبحا من الشرك بالله تعالى، هكذا يجب أن يفهم المسلم مأدبة تريزا لا أن يكون ساذجا مأخوذا بالمظاهر الكاذبة، يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، فلا نسمي بيوت الدعارة ببيوت الإيواء، ولا نسمي تجمعات المخدرات بأندية شبابية، كذلك لا نغتر بـ(راهبات المحبة) إنما هن مروجات للكفر وتعاطي الشرك بالله تعالى.
هذا كله على أساس أن تريزا مؤمنة بالمسيح ربا وإلها، ولكن جدلا واسعا قد دار حول حقيقة عقيدة تريزا بعد نشر مراسلاتها السرية مع البابا واعترافاتها فيها، ومما فيها أنها كانت تتظاهر بالابتسامة وتخفي وراءها تذمرا وامتعاضا من وضعها فلم تكن راضية عن دورها وحياتها، وأنها كانت تعاني من الشك في وجود الرب، وقد أرادت حرق هذه المراسلات ولكن البابا حافظ عليها للتاريخ:
وقد سبب ظهورها صدمة كبيرة لمعجبيها وكانت فرصة عظيمة للملاحدة إذ يضمون تريزا إليهم ..
تقول الكاتبة:
(( .. الغفور الحكيم سيحاسب كل إنسان مهما كانت ديانته ومعتقداته على أعماله ونياته سيعاقبه على أخطائه ويجزيه على أفعاله الخيرة ))
أليس اعتقاده ودينه من جملة الأعمال التي سيحاسب عليها؟ هل تريد الكاتبة أن تقول بأن المعتقدات الدينية ليست موضوعا للمحاسبة عند الله؟ كيف هذا؟ ألم تسمع الكاتبة قول الله تعالى : (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله، قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار)؟ وكيف تفهم الكاتبة قوله تعالى: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا)؟ القرآن الكريم مليء بمثل هذه الآيات فكيف تفهم الكاتبة هذه الآيات؟ ليس هذا الموضوع بمحل للنقاش أصلا في الدين الإسلامي الذي تفخر به الكاتبة.
تقول الكاتبة:
((الدين الإسلامي دين عظيم عادل محب للسلام والأمان والأعمال الصالحة، ينبذ الحقد، الكذب، النفاق، السرقة، ديننا يعلمنا أن نحب جميع البشر ونتعامل معهم بنيات حسنة))
هذا كله صحيح، ولكن يجب على الكاتبة أن تضع في مقدمة الأعمال المنبوذة والبغيضة التي يحاربها الإسلام (الشرك بالله) تعالى وتقدس، فإنه كفر عظيم، وهو أعظم من الحقد والكذب والنفاق والسرقة بدليل الكتاب والسنة وإجماع الأمة الإسلامية .. ووجود الشرك بالله واعتقاد ألوهية غيره أمر مؤكد وجوده في الديانات الأخرى باعتراف أربابها وآبائها وأمهاتها، وليس من حق الكاتبة ولا غيرها تكذيب هذه الحقيقة، وبالتالي فالمنافحة والدفاع عن عباد المسيح ومؤلهيه لا تمت إلى الإسلام بصلة، هذا أمر نؤكد عليه، ولا يمكن لصاحب هذه المنافحة أن يتعلل بالأعمال الصالحة، ولا مجال للجدال في هذه المسلمات، ولا ريب أن المسلم حينما يتبين له أن فئة من الناس تمارس الشرك والكفر وتأليه البشر لا ريب أنه لا يتصور منه منافحة عنهم أو مدافعة، بل إن الإصرار على المنافحة والمدافعة عمن تبين شركه وكفره والإصرار على إدخاله الجنة يعد استهتارا بتعاليم الإسلام ومبادئه ويمثل خروجا صارخا على أركانه وأسسه ومشاركة للكفار والمشركين في أفكارهم ومعاونة لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق