((الشيخ محمد صالح العباسي يرثي
المدارس الوقفية قبل نصف قرن من الزمان))
الشيخ محمد صالح العباسي
من هو الشيخ محمد صالح العباسي؟
هو العالم الفقيه الأديب الشيخ محمد صالح بن عبدالله بن مصطفى
بن عبدالغفور الفارسي الجناحي ثم البحراني، العباسي نسبا، الشافعي مذهبا، من أجلاء
علماء البحرين .. شريف النسب .. مشارك في العقائد والفقه والنحو والأدب .. دَرَسَ
على والده وعلى سلطان العلماء وعلى غيرهما في بلاد فارس .. ثم اتصل بكبار الساسة
في البحرين وغيرها، يخالطهم بنية حسنة، ويثني عليهم ويمدحهم بشعره، يبتغي بذلك
صلاحهم وصلاح أحوال المسلمين .. له مؤلفات منها (التحف الشهية) وهو نظم لفرائض
الإسلام و(القواعد المليحة) منظومة في النحو و(الدرة الفريدة) نظم فيها عقيدة
الإمام السيوطي و(مريح الفكر) جزء في مشروعية الجهر بالذكر و(مزيل الظُلْمَة)
أرجوزة في النصائح والحكم و(العظة الدهرية) أرجوزة في المواعظ والتوحيد و(نظم
الأسماء الحسنى) وغيرها من المؤلفات .. اشتغل بالتدريس والوعظ والإرشاد والإفتاء
وانتفع الناس به .. وعُمِّر نحو التسعين .. وكانت وفاته فجر يوم السبت السابع من
ذي القعدة من سنة 1412هـ الموافق (9/5/1992م)
طريقته في مناصحة الحكام والأمراء :
كان رحمه الله يقول الشعر يمدح به الأمراء ويضمنه ما
يقصده من النصيحة والإرشاد، وهو أسلوب قديم معروف، جرى به للمسلمين نفع كثير،
ولكنه درب خطر مخوف على سالكه، لا تكاد تثبت فيه قدم الرسوخ إلا لأفراد ..
ومن أمثلة ذلك قصيدته التي مدح بها صاحب السمو الشيخ
محمد بن سلمان آل خليفة رحمهما الله ومطلعها :
الشيخ محمد بن سلمان رحمه الله
[بحر الكامل]:
باسم الإله مصليا أبدا على
خير الأنام محمدٍ والآلِ
**
أهدي السلامَ لذي المكارم والعلا
وتحيةَ الإكبارِ والإجلالِ
إلى أن قال :
الشعب يرجو منك لفتةَ نظرةٍ
أنت الرجاء ومَعْقِدُ الآمالِ
**
ما في البلاد مدارسٌ دينيةٌ
وبناؤُها من صالح الأعمال
ومن ذلك قصيدته الجميلة التي مدح بها صاحب السمو الشيخ
زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رحمه الله ومطلعها :
الشيخ زايد بن سلطان
[بحر الخفيف]:
باسمك الله ربنا المستعانُ
ولك الحمد تم منك البيانُ
**
ثم أنشأْتُ مادحا ذا فخار
طاب فيه المديح والألحانُ
إلى أن قال :
نِعَمُ الله قد توالت عليكم
فاشكروه فالشكر نِعْم الأمانُ
**
وانشروا في ربوعه العدلَ والعلـ
مَ بهذين يَكْمُل الإحسان
**
وارفعوا في بلادكم عَلَمَ الدِّيـ
نِ مُهابا وخافقا لا يُهان
**
وأقيموا مدارس الدين فيها
لا يَصُدَّنَّ عزمَكم فَتَّانُ
وقال فيها أيضا :
وابْنِ دُورا للعلم في الدِّين تأْ
مَنْ فتنةً شرَّها وتُصانُ
((رثاؤه المدارس الوقفية في البحرين))
صور بعض المدارس المرثية
ومن قصائده التي يتجلى فيها مقصد النصيحة بوضوح هذه
القصيدة التي وجهها لولاة الأمر في البحرين كصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل
خليفة بعد توليه الحكم بسنتين، وكأخيه الشيخ محمد بن سلمان رحمهم الله تعالى، وذلك
قبل ما يزيد على نصف قَرْن بتاريخ (30/2/1383هـ) الموافق (23/7/1963م) :
الشيخ عيسى بن سلمان
[بحر الكامل] :
كم مِنْ مدارسَ وهْيَ تصرخ تشتكي
من طرحها في سلة الإهمال
**
كانت لأبناء البلاد مناهلا
في العلم للطلاب والجهال
**
ويد الإساءة جمدت أوقافها
فأحيط بالنسيان والإغفال
**
قد أغلقت أبوابها من دون ما
عذر ولا من قلة في المال
**
منها مدارس في المحرق عطلت
والبعض منها ملعب الأطفال
**
أيدي الكرام بنت فكيف ينالها
سوء بعهد سموك المفضال
**
أوقافها وَفْرٌ فأين محاسبٌ
ليحوز بالأجر العظيم العالي
**
تشكو إليكم حالها ومآلها
فاصغوا إليها وارحموا بالحال
**
إن جاز نقض الوقف أو تعطيله
فيكون مرجوعا لذي الأموال
**
من واقفيه أو ذوي ميراثهم
لا للبنوك ترد أو للوالي
**
فالشرع هذا حكمه في وقفنا
بينتُه يا صاحب الإجلال
**
ورجاء أمتك الكريمة منكمو
إصلاح ما ضَرَّتْ يَدُ الإِهمال
**
هذي الأمانة سيدي أديتها
لصراحة في القول للأمثال
**
وأدام حفظكم الإلهُ وصانكم
من فتنة الآفات والأهوال
**
إني محمد صالح العباس ذو
ولع بكم [وبعدلكم] وموالي
**
أثني عليكم بكرة وعشية
أدعو لكم في الحِلِّ والتَّرْحال
**
وختام قولي بالصلاة على الذي
قد جاء بالتبليغ والإرسال
**
خير الأنام محمد المبعوث بالدِّ
دينِ الحنيف وصحبه والآلِ
**
ما جاد بالمطر السماء وصيغ من
نَظْمِ القوافي مثل سِلْكِ لآل
انتهت
شرح بعض الكلمات :
قوله (ويد الإساءة) يقصد من أكلوا أوقافها بالحرام أو
تصرفوا فيها بغير شرط واقفها، وهذا حدث إبان السيطرة الإنجليزية على البحرين إذ
سحبت صلاحيات القضاة والعلماء والتي منها الإشراف على الأوقاف الإسلامية وسلمت إلى
من لا فقه له ولا علم فحدث لها ما حدث، وكانت قبل ذلك مصانة تحت يد حماة الشرع من
القضاة.
وقوله (جمدت أوقافها) لأن هذه المدارس الوقفية كانت لها
أوقاف أيضا تدر عليها وعلى مدرسيها المال لضمان بقائها ومرمتها فضيعت أيضا وأكلت
فكان التضييع لها ولما أوقف عليها ..
وقوله (منها مدارس في المحرق عطلت) أي توقف فيها التدريس
لعدم الاهتمام بها وهي كثيرة منها مدرسة ابن هندي ومدرسة ابن خاطر ومدرسة ابن مطر وغيرها
..
وقوله (والبعض منها ملعب الأطفال) أو مواقف سيارات أو
محلات تصوير وبيع دفاف أو سكن للعمال وبعضهم كفار غير مسلمين ..
وقوله (أيد الكرام بنت) يعني من أوقفوا وحبسوا هذه
الأوقاف أناس أهل كرم وجود أرادوا الثواب والأجر ولم يدر بخلدهم أن أوقافهم تصير إلى
ما صارت إليه، وهم كثيرون كآل خليفة وآل الفاضل وآل ابن علي وآل الظاعن وآل الخاطر
وآل ابن هندي وآل ابن مطر وآل الزياني وغيرهم ..
وقوله (أوقافها وفر فأين محاسب) أي أن لهذه المدارس
أوقافا وفيرة كثيرة فضاعت أيضا فأين من يحاسب المضيعين المهملين؟ ولا يزال الإهمال
إلى اليوم وقد ازداد شدة وقبحا بإقصاء المستحقين وتقريب من لا حق له من باب لعب
السياسة بالدين وأهله.
وقوله (إن جاز نقض الوقف) أي وهو لا يجوز أصلا باتفاق
ولكن لو جاز فرضا وتنزلا فأولى الناس به هم ورثة الواقف، ولكن هذه الأوقاف لا هي
أصلحت لتؤدي غرضها الذي حبست من أجله ولا هي أعيدت إلى أهلها ليرمموها ولا هي
أعطيت لهم إرثا !!!
وقوله (هذي الأمانة سيدي أديتها) ونحن شهود على ذلك أنه
رحمه الله تعالى ومن عاصره من أهل العلم قد نصحوا وأدوا الأمانة ولم يبق عذر
لمعتذر في الدنيا ولا في الآخرة.
هذا ولا تزال هذه المدارس مهملة مما أدى إلى جهل الناس
بمذاهبهم وانتقالهم لمذاهب أخرى، ومنها مذاهب رديئة غير معتبرة ولا متبعة، قد ظهرت
مساويها ولا تزال تزداد، ولسوف يجني زارعها أشواكها وحنظلها ولله الأمر من قبل ومن
بعد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق