الأربعاء، 9 مايو 2012

شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحادثة (ربيع الثقافة)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، وبعد ..

السؤال:
شيخنا عندي سؤال، هل ما جرى في المحرق مؤخرا بسبب ما يسمى بربيع الثقافة له رأي شرعي؟ هل تكلمت الشريعة عن شيء بهذا الخصوص؟

الجواب:

ما لدي من أخبار عن هذه الحادثة مصدره ما نشر في الجرائد ووسائل الاتصال، والله أعلم بصحتها، ولا علم لي بتفاصيل الأمور، فمن خلال ما بلغنا من المنشور فصورة الحادثة باختصار كما يلي:



قامت وزيرة الثقافة ومنذ مدة بشكل متكرر بعقد حفلات في مركز الشيخ إبراهيم والذي هو بيت جدها، ومكان هذا المركز بجوار جامع الشيخ عيسى بن علي ومسجد بن نصر، وقد ثبت أن هذه الحفلات قد اشتملت على رقص رجال ونساء وغير ذلك، وقد استنكرت الناس هذا، فتكرر الحفل مشتملا على أشياء أخف من سابقتها، وقد اندفع جماعة من الناس واعتصموا عند هذا المركز معلنين رفضهم لهذه الحفلات في هذا المكان، وقد نجمت عن هذا الصدام أقوال وتصرفات ومشاحنات .. هذا ملخص ما جرى.

فإن كان الأمر كذلك وأن ما ذكرناه صحيح، فالحادثة تمس باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من أعظم أبواب الشريعة الإسلامية، وبهذا الوصف - مقرونا بوصف الإيمان - مدحت هذه الأمة الإسلامية، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..) صدق الله العظيم.

وإذا كان كذلك فلنعرج على شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي استنبطها أهل الفقه في الدين من أدلة الكتاب والسنة والإجماع وغيرها من الأدلة، لتكون قانونا لنا في هذه الحادثة وغيرها.

وكلام الأئمة على شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما بين مختصر ومفصل، ومن ألطفهم وأحسنهم سوقا لها الإمام أحمد بن غانم بن سالم ابن مهنا شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي المتوفى سنة (1126هـ) في كتابه "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" والذي أنهاها إلى خمسة شروط، فاعتمدت على كلامه وزدته سهولة وعلقت عليه وربطته بالحادثة المذكورة :

الشرط الأول:
أن يكون القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عالما بالمعروف والمنكر، فمن لا معرفة له لم يجز له أمر ولا نهي.



ومن الواضح أن المتجمهرين عند المركز المذكور ليسوا سواء في الفهم والمعرفة، بل أكثرهم لا علم له بحدود المعروف والمنكر على الوجه الصحيح، ولا علم لهم بالكيفية الصحيحة للأمر والنهي ومراتبه، فلا يشرع لهم أمر ولا نهي، نعم لو كانوا خرجوا للأمر والنهي بصحبة عالم يسمعون له ويطيعون ويأتمرون بأمره وإشارته لجاز ذلك لأنهم تبع له، لكن ظاهر حالهم أنهم لا يأتمرون بأمر أحد ولا ينصاعون لنصح، ويحتاج ذو الفهم فيهم أن يصيح فيهم مرارا وتكرارا لتفهيمهم وزجرهم وصرفهم، وأمثال هؤلاء لا ينبغي اصطحابهم أو مشاركتهم أصلا في أمر ولا نهي، ودليل عدم أهليتهم أنهم يتطاولون بالنبز والسخرية والاستهزاء كنبزهم الظاهر لامرأة متحجبة بـ(الفقمة) يسخرون منها، وكقذف بعضهم للحجارة، وكتجاوز بعضهم أصل المسألة إلى الكلام على الأمور الخاصة وتشجيع الشرطة على العصيان .. إلخ فكل هذا دليل على أن هؤلاء المتجمهرين من العوام ممن لا يشرع اصطحابهم أو مشاركتهم في أمر ولا نهي، لأنهم إما لا يعرفون ما ينكرون أو لا يحسنون الإنكار، فلا يظهر لي والله أعلم أن هذا الشرط متحقق في كل هؤلاء المتجمهرين بل إن تحقق ففي أقلهم.  

الشرط الثاني:
أن يأمن أن يؤدي إنكاره إلى منكر أكبر منه وإلا لم يجز له أمر ولا نهي .

والظاهر أن هذا الشرط متحقق لأنه لم تكن ثم إشارة إلى أن منكرا أكبر سيقع، وغاية ما في الأمر أن يستمر المنكر على ما هو عليه دون تغيير.

الشرط الثالث:
أن يعلم أو يغلب على ظنه الإفادة وإلا لم يجب عليه أمر ولا نهي.

وهذا شرط للوجوب فقط، بمعنى أنه إن لم يغلب على ظنه حصول الفائدة فإنه لا يجب عليه الأمر والنهي، لكن نفي الوجوب لا يعني نفي الجواز، وبالتالي فالأمر والنهي في هذه المسألة إما وقع واجبا أو وقع جائزا، هذا بالنسبة لمن يجوز له الأمر فقط دون غيره.

الشرط الرابع:
أن يكون المنكر ظاهرا بحيث لا يتوقف على تجسس ولا استراق سمع ولا بحث بوجه كتفتيش دار أو ثوبه لحرمة السعي في ذلك.

والظاهر تحقق هذا الشرط أيضا لأن أعمال هذا المركز واحتفالاته يتم الإعلان عنها في مختلف وسائل الإعلام، والناس تدخل وتخرج من المركز، ومع هذا الانتشار لنشاطات المركز فلا يقال بأن الأمر والنهي هنا متوقف على تجسس أو استراق سمع أو تفتيش فكل شيء ظاهر ومعلن عنه.

الشرط الخامس:
أن يكون المنكر مجمعا على تحريمه أو يكون مدرك عدم التحريم فيه ضعيفا.

وهذا الشرط يقتضي الإحاطة بما يجري في المركز من احتفالات ونشاطات وما الذي يحدث فيها وما هي درجة المنكر الحاصل، فإن كان ما يجري عبارة عن رقص نساء أو رقصهن مع رجال فهذا مما لا يشك في تحريمه، لكن الوزيرة صرحت بأن هذا حصل قديما، وهذا الكلام يفهم منه إمكانية تقبل المناصحة وإمكانية التغيير، ومعناه أن ما جرى هذه المرة أقل درجة من سابقه، وقد قيل بأنه مقتصر هذه المرة على استعمال آلات موسيقية، فهذا مما عمت به البلوى، والمناسب تخفيف الإنكار جدا في مثل هذا خصوصا مع قول الظاهرية بحلية الآلات وخصوصا مع ظهور مؤيدين لهذا الرأي من المعاصرين، فهو وإن كان رأيا ضعيفا شاذا مخالفا لقول الجمهور إلا أنه مما عمت به البلوى فوجب النظر إليه بطريقة مختلفة وأن يسلك به مسلك التخفيف في الإنكار، وكذلك وجود نساء متبرجات فهذا لا يختص بهذا المركز بل هو مما عمت به البلوى وصار في كل مكان.
فالظاهر والله أعلم أن الإنكار في حالة مركز الثقافة سائغ لأن ما يجري فيه لا يخلو من مجمع على تحريمه أو ما يكون فيه خلاف ضعيف غير معتد به.


وفي كل الحالات فإن أهل العلم قالوا:
((ينبغي أن يكون الأمر والنهي بالرفق، فلا يرتكب في ذلك غليظ القول ولا الشتم ..))




والحق أن هذا التجمهر قد صدر فيه وقبيله القول الغليظ جدا والتهديد والوعيد بحيث ذكرت كلمة (الحرب) وكلمة (الشر العظيم) ووصف (القرمطية) ونحو ذلك، وبعض هذه الألفاظ قد يفهم منه التكفير، وحصل فيه من التنابز ما لا يحل، وكل هذا لا يجوز في الأمر والنهي، وآفة ذلك كله من مخالفة الشرط الأول والخامس من اصطحاب الجاهلين بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم التشديد في أمر عمت به البلوى، والواجب تصحيح هذا بترك اصطحاب العوام الجاهلين بالأحكام وبتخفيف الإنكار جدا مراعاة للرفق الواجب، لاسيما إن كانت المسألة قاصرة على استعمال الآلات، وخصوصا أن وزيرة الثقافة ليست ممن يقعقع لهم بالشنان، ولا ممن يغمز جانبه كتغماز البنان، ومن عرفها وعرف جدها الأقرب وجدها الأكبر الحاكم السابق للبحرين وعرف ما هم عليه من العزة والأنفة والكبرياء علم أن التشديد معهم لا ينفع ولا يؤتي ثماره، فالواجب مراعاة هذه الشروط كلها لأن المقصود إزالة المنكر لا إبقاءه.

وأما جلب حادثة الكتاب الذي ألفته عن القرامطة وما اشتمل عليه مما يمس جانب السلف الصالح فههنا يقال (أبطأت بالجواب حتى فات الصواب) فهذا الكتاب ألفته منذ سنوات، وقد رأيته أول ظهوره فتأخير الكلام عليه إلى هذا الأوان وكأنه الآن ظهر فليس بمناسب، وهذا من تقصير أهل العلم في باب المناصحة، ولا أدري لعل أحدا كان خاطبها بشأنه ولم يبلغنا فالله أعلم، والواجب المناصحة ببيان كذب الأخبار التي نقلتها في كتابها وشرح ذلك لها شرحا علميا، وإلا فلا معنى للتشديد الآن بعد سنوات من تأليف الكتاب، نعم إن كان بعض أهل العلم أخبرها وبين لها وشرح لها ما اشتمل عليه كتابها المنشور هذا ومع ذلك بقيت تطبعه وتنشره إلى الآن فحينئذ ساغ النهي عن هذا المنكر بالشروط المتقدمة.

فهذا جواب مختصر في الشروط الواجب التزامها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله تعالى أعلم.