السبت، 18 فبراير 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (4)


الحلقة الثالثة


يوم الأحد 13 مارس

هذا اليوم كان في غاية الأهمية عندي، فأنا على أمل استقبال مولود بعد ساعات، ولكن إذا قضى الله أمرا فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.

ففي صباح هذا اليوم تلقيت اتصالا من إدارة قسم الولادة بالسلمانية يطلبون حضوري للتوقيع على إجراء العملية القيصرية، فخرجت من العمل متجها إلى السلمانية، وقد بدا المجمع هادئا وآمنا، وكما سبق فالبوابة (6) مفتوحة، والمواقف متاحة، وكل شيء على ما يرام، ولكن الإشاعات في الخارج لا تتوقف، وأنا في غاية الحيرة مما أسمع مقارنة بما أرى !

أحداث المرفأ المالي :

وصلت إلى قسم الولادة ووقعت على الأوراق، وبعد مدة نحو نصف ساعة رأيت أن أعود إلى العمل فإذا بشرونا بالمولود عدنا إلى المجمع لقربه من مكان عملي، وبينما كنت أسير في أروقة المجمع الهادئة متجها إلى الخروج إذا بالإذاعة الداخلية تفتح، وطلب من كل الجراحين وأطباء العيون التوجه فورا إلى قسم الطوارئ !!

قدَّرت حينها أن أمرا ما قد وقع ناحية الدوار، كانت الأحداث المؤسفة قد بدأت إذ تمددت المعارضة إلى المرفأ المالي وشرعت قوات الأمن في إجلائهم عن المرفأ وردهم إلى الدوار:

(اضغط على التسجيل للتكبير)



كما وقعت أحداث الجامعة، وحوادث متفرقة، وفي هذا اليوم حصل أيضا مقتل بعض الآسيويين، واضطربت البحرين اضطرابا شديدا، وكل جريح أو مغشي كان ينقل إلى السلمانية يصحبه أعداد من الناس يتبعهم الأقارب والأصحاب، ولم يقتل ذلك اليوم من المعارضة إلا واحد، وهكذا احتشد الناس في السلمانية، وعمت الفوضى عند قسم الطوارئ كما هو متوقع في ظرف كهذا، لكن قبل أن يبدأ ذلك كله كنت قد عدت إلى العمل، وبعد مدة تلقيت اتصالا من السلمانية يفيد بأنهم مضطرون لتأجيل العملية نظرا للظروف الطارئة التي واجهتهم، وقد عذرتهم وتوقعت ذلك.  

حراس البوابة (6) لأول مرة ! :

وباقتراب العصر كان علي أن أتوجه إلى السلمانية، ولأول مرة أفاجأ بحراس عند البوابة !! في البداية أسأت فهم الأمر، لأن كثرة الإشاعات قد شوشتنا، وأنا على ثقة من أن أي زائر سني للسلمانية في ظل تلك الظروف وتلكم الإشاعات قد يعود أدراجه إذا شاهد الحراس دون أن يحاول استيضاح الأمر متوهما أنهم للفرز والتفتيش ومنع أهل السنة، وقديما قالت العرب: (من يسمع يخل).

كان الحارس يقف عند البوابة يرشد السيارات التي تزمع الدخول يرشدها إلى التوجه إلى المواقف الخارجية المنتشرة حول المجمع، وذلك ليخلي الطريق المؤدي إلى مبنى الطوارئ لسيارات الإسعاف الرسمية وغير الرسمية في الدخول والخروج وذلك لتيسير انسياب الحركة وسرعة الوصول، فلما وصلت ظننته يمنع الناس اعتباطا، فتقدمت بسيارتي للدخول من البوابة ولم أعبأ بإشارته، فلما رأى إصراري اتجه نحوي وطلب مني أن أقف في الخارج، فقلت له: إن معي من الأقارب من لا يمكنه المشي كل هذه المسافة ولا بد من تقريبه، فهنا سمح لي بالدخول، فدخلت وأنزلت من معي من الأهل ثم انعطفت يسارا ناحية المواقف وأوقفت سيارتي، وقبل أن أخرج من السيارة بقيت أتفكر في تصرف الحارس هذا ما الحكمة منه؟ فتبين لي ما ذكرته، وكان أكثر من يقصد السلمانية ذلك الوقت هم من الشيعة كما لا يخفى، وقلّ أن يأتي سني أو يقترب من السلمانية في تلك الظروف خاصة، وكانت الناس تدخل راجلة نساء ورجالا، فلما تفهمت الأمر خرجت بالسيارة وإذا به كأنه يراقبني فاتجه نحوي واعتذر بلطف مبينا أن المسألة تنظيمية لا أكثر، فشكرته وأيدته وخرجت حيث أوقفت السيارة ثم دخلت المستشفى، وقد عثرت على تسجيل مهم جدا لما كان يجري عند البوابة قبيل وصولي أو بعيده، يوضح حقيقة هذه الحراسة، وسأقدم له بثلاث صور منتزعة من التسجيل نفسه لمزيد التوضيح ثم أضع التسجل:

الصورة الأولى:
(اضغط على الصورة للتكبير)


الصورة الثانية:



الصورة الثالثة:



التسجيل كاملا:




هذا الرجل الحارس الذي ظهر في التسجيل هو نفسه الذي كان يقف عند البوابة حال وصولي إليها، ولم يتكرر هذا الموقف معي بعد ذلك، نعم حصل موقف آخر سيأتي ذكره لكن لا علاقة له بموضوع الحراسة، والحاصل أن هذا الموقف لعله تكرر من قبل فقط في أوقات الذروة حينما تحصل مواجهات وإصابات، ولا يحدث في غير ذلك، وطيلة ترددي على السلمانية لم أشاهد ذلك إلا هذه المرة فقط، وكان لا بد من توضيح هذا الحدث الذي أساء فهمه كثيرون.

مباحث متنكر في السلمانية !! :

عندما كنت أسير متوجها إلى المبنى كنت أشعر بأني ملفت للنظر، فإن مظهري لا تخطئه العين، ويبدو جليا أنني شخص سني متدين، ولحيتي ظاهرة، ومن المتوقع أن يصنفني من يراني تصنيفا خاصا لا يخفى على اللبيب ـ واللبيب بالإشارة يفهم ـ ووجود مثلي ذلك الوقت بالذات شيء نادر، لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار ما يذاع ويشاع بالإضافة إلى كل الملابسات والظروف، كان ذلك الشعور مجرد تخمين ساورني لأوقات قليلة، وحينما ألمح بعض النظرات أقول في نفسي : ما عساها تقول تلك النظرات؟؟
وقد جاءتني الإجابة بتقدير الله تعالى بعد دخول المصعد إذ دخل معي شابان يحملان آلتي تصوير، وكانا يتهامسان ـ ومثل هذا الصنيع ليس من آداب الإسلام ـ فأصغيت إليهما وتبينت بعض همسهما حينما قال أحدهما للآخر : ترى ماذا يصنع هذا هنا الآن؟ فأجابه صاحبه : مباحث متنكر !!

استنبطت من هذه المهامسة أنني شخص يصلح للاشتباه به على أقل تقدير! وأن وجود من هو مثلي في السلمانية بات مستغربا ! وأن بعض أفراد المعارضة يشعرون بوجود المباحث في المجمع ! ولكني استنبطت أيضا أنهم لا ينوون أخذ الناس بالشبهات وإلا لأخذونا بمجرد ذلك، وعلى كل حال فإن هذه الكلمة كانت توجب علي أخذ الحيطة والحذر في التصرفات مستقبلا لولا نبأ بلغني أزعجني جدا بحيث لم أتمكن من ضبط النفس والتحلي بالحذر !!

المداهمة وشيكة :

بينما كنت خارج المجمع لشراء بعض اللوازم في نفس الليلة تسرب خبر بشكل محدود جدا مفاده أن الجهات الأمنية تضع خطة لمداهمة السلمانية ! ولولا أن هذا الخبر بلغني من شخص أثق به لما صدقته، لأنني لم أر ما يوجب المداهمة ويستدعيها ذلك الوقت، خصوصا بعد الخبر الرسمي المذاع عبر التلفاز يوم 9 مارس، فما الذي اختلف من 9 إلى 13 ؟؟ هناك احتمال كبير أن لا يكون لهذا الخبر مصداقية، وأنه من جملة الإشاعات فالوقائع لا تشير إليه، ولم ينتشر هذا الخبر بين الناس، ولكن الاحتمال الآخر وارد أيضا !

وجدت نفسي أمام مفترق، إما أن ألتزم الصمت وأتجاهل ما أسمعه وما يجري من حولي، وإما أن أحاول فهم الوضع جيدا لأتصرف بناء على ذلك، وهذا ما ترجح لدي وقررت تفهم ما يجري، وبمجرد عودتي إلى المجمع كان علي أن أفهم ما يجري في قسم الطوارئ !

ماذا يجري في قسم الطوارئ؟ :

اقتربت من قسم الطوارئ من داخل المبنى لأول مرة في هذا اليوم المضطرب، وصرت أتأمله من بعيد، وأعيد الكرة، أبحث عما يجلي الأمر لي، وأخيرا وجدت ضالتي، رأيت طبيبين يقفان في ناحية آخر ممر الطوارئ، وكأنهما قد أقصيا، وآثار الامتعاض والتذمر بادية عليهما، تقول ملامحهما أنهما مصريان، اقتربت منهما بحذر في الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الصياح والضوضاء، فنظرت إليهما وسألتهما ما الذي يجري هنا؟
نظرا إلي نظرة لا أراها تختلف كثيرا عن نظرة الشابين في المصعد الكهربائي، ثم اقترب مني أحدهما في حركة نصف دائرة وقال :

((ما فيش حاجة أصلا)) !!

أوضحت لي هذه الكلمة ما كان يجري، ولا ينبغي أن تحمل هذه الكلمة على ظاهرها، ولكن معناها أنه لا يوجد ما يستدعي كل هذا العويل وكل هذه الفوضى، نعم لا يمكن أن ينكر أحد وجود الجرحى والمغشي عليهم من الغازات وبعض القتلى في أحيان أخرى متفرقة، ولكن المبالغات والتصنع مما لا يمكن إنكاره أيضا، وقد كانت هذه المبالغات تنقل عبر وسائل الإعلام لتصل إلى العالم موهمة أن المجمع الطبي يتعرض لمذبحة ومجزرة ويكتظ بالقتلى وأن الجثث تتناثر في ساحة المجمع في وسط مستنقعات من الدماء!!

وحينما سمعت هذه الكلمة من الطبيب المصري كانت هناك عيون تراقبني، فلما تراجعت إلى الوراء عائدا، انطلق نحوي رجلان يلبسان لباس الأطباء، والانفعال باد عليهما جدا، فقال لي أحدهما ـ ولا أعرفهما ـ:
يا أستاذ كيف حالك؟ أنا أعرفك وأعرف الوالد وأعرف أخاك محمدا الكاتب في الجريدة (يقصد شقيقي الأصغر محمد مبارك صاحب عمود بـ"الشمع الأحمر" والذي أدرجت صورته ضمن قائمة العار وكان في بريطانيا ذلك الوقت)
قال: فهل تريد أن ترى الجرحى والمصابين لتتأكد بنفسك؟
فقلت له : لا أشك أن هناك جرحى ومصابين، ولكني لا أريد أن تتعب نفسي ويتكدر خاطري بهذه الصور الآن، فإن أهلي في قسم الولادة وأريد أن أكون معهم منشرح الصدر.
ارتاح الرجلان لجوابي ومضيا، ولم تبد على معاطفهم البيضاء بقع الدماء ولا على الممرات، وقد اتضح من كلامهما أنهما على معرفة بي !! ولا أدري أشر هذا أم خير؟
على كل حال كانت المبالغات واضحة، وكلما دخل مصاب مهما كانت الإصابة خفيفة تسمع العويل والصياح من بعض النساء.
ومن أسباب الفوضى ظاهرة التسكيت الجماعية، كل واحد يرفع صوته ليسكت الآخر طالبا منه الهدوء، وهكذا يستمرون في إسكات بعضهم دون أن يسكت أحد !! وكل واحد يأمر الآخر باحترام النظام دون أن ينتظم أحد .. ويمكن مشاهدة بعض هذه المقاطع على يوتيوب مثلا (ممر الطوارئ) :


 
إطلالة حذرة على قسم الطوارئ :

في هذه الصورة ـ التي لم يلاحظها أحد ـ تجدون في الدائرة الحمراء إطلالة مني على معمعة قسم الطوارئ :


وهذه الصورة توجد ضمن هذا التسجيل في الوقت : (1:17:23)



الإعلام الرسمي وبرنامج (الراصد) :

عندما عدت إلى البيت ليلا راقبت الأخبار والبرامج وتبين أن الإعلام بدأ يأخذ منحى مختلفا منذ اليوم، فقد فتح المجال للناس لتتكلم على الهواء مباشرة وتبدي رأيها ـ العجيب أني من يومين غير قادر على التقاط الخط ! ـ وبعض من كان يتكلم ليس من أهل البحرين، وبدأت الإشاعات التي كانت ترددها الناس في الشارع تتسرب إلى الإعلام، ومن أعجبه كلام قيل في هذه الجريدة أو تلك القناة اتصل ليلقيه في الإعلام الرسمي، وفي المقابل كانت القنوات المدعومة من إيران قد فتحت المجال مبكرا لكل متصل من البحرين ليتحدث عن المذابح والمجازر والجثث المتناثرة في الطرقات، وهكذا دخلنا مرحلة الحرب الإعلامية، وظهر مصطلح (احتلال السلمانية).

تكرير الاتصال بتلفزيون البحرين : 

كررت محاولة الاتصال بتلفزيون البحرين مرارا من المحمول والثابت ولكن دون جدوى، ثم كان علي أن أضع حصيلة كل تلك الساعات الماضية ابتداء من 11 مارس وحتى هذه الليلة 13 مارس لأتفكر في أمري وكيف سأتصرف غدا.







الأربعاء، 15 فبراير 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (3)



الحلقة الثانية


يوم السبت 12 مارس

حضرت صباحا إلى مجمع السلمانية، ولما وصلت إلى بوابة (6) كانت مفتوحة كما كانت بالأمس، فدخلت بشكل عادي، ووقفت في الموقف وترجلت متجها إلى المبنى، ثم سرت فيه متلفتا يمينا ويسارا لأرى الموظفين على مكاتبهم والأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات، والعاملين، سائرين وعلى مكاتبهم، كل يعمل، وفي آخر الممر أصل إلى الساحة حيث تقابلني المصاعد الكهربائية، فألتفت يمينا ويسارا فلا أرى شيئا يلفت النظر ويشد الانتباه، وحينما ألتفت يمينا أرى قسم الطوارئ بوضوح، وألمح بوابته فلا أرى ما يسترعي انتباهي أو يثير قلقي.

وفي قسم الولادة بالدور الرابع كانت الأمور على أفضل حال وأحسن ما يكون، وقد كانت الخدمات والرعاية على نحو جيد، وتقوم بالخدمات الطبيبات والممرضات البحرانيات من سنيات وشيعيات، والعاملات الهنديات وغيرهن .. غدا موعد العملية الجراحية، أما اليوم فللفحوصات والتحاليل، والحق أنني لم أشعر في تلك الحال بوجود مشكلة تعرقل الخدمات في المجمع، وكنت ألمس صدق ما أخبر به وزير الصحة باستثناء وجود مظاهر غير معتادة في مواقف السيارات المقابل لقسم الطوارئ.
  
ردود أفعال لم نطلع عليها :

كان تصريح وزير الصحة حول استقرار الأوضاع في السلمانية في يوم 9 مارس  ـ والذي كان سببا في شعورنا بالاطمئنان ـ كان ذلك التصريح قد أثار احتجاجات بعض النواب الذين أصروا على وجود تجاوزات في مجمع السلمانية، وكان أكثر ما أثاروه لا يخرج عما تردد بين الناس من قبل من وجود خيام واعتصامات وإضرابات وتمييز، ثار ذلك في الجرائد يوم 10 و 11 مارس، ولكنني لم أتابع تلك المصارعات ذلك الوقت فلهذا بقيت مطمئنا للرأي الرسمي الذي عبر عنه وزير الصحة في إعلام الدولة، والذي عززه في نفسي ما شاهدته من استقرار المجمع من حيث الخدمات والأمن بالرغم من وجود بعض المظاهر التي سبق ذكرها، ولكن لا شك أن كثيرا من الناس أقلقهم كلام النواب وأخافهم من الاقتراب من السلمانية، لا سيما منهم من شاهد الخيام أو كثرة الناس أو أساء فهم بعض الظواهر التي سأشرحها في وقتها، كان ذلك كله قبل يوم 12 مارس مما لم نوله اهتماما، وأما في هذا اليوم فقد بدأت الإشاعات تزداد.

زيارة النائب الكوهجي :

تناولت الجرائد زيارة النائب عيسى الكوهجي للسلمانية، نشر ذلك في الوسط والوطن :

في الوسط:

وفي الوطن:

 والمنشور مأخوذ من كلام له قاله في مجلسه، ولا بد أن نعرج على بعضه، قال:



((بدأت الإشاعات والأقاويل تدب في المجتمع، وبدأ محبو العتمة يدسون سمومهم الطائفية بيننا، ولم يكن من متضرر في ذلك كله سوى المواطن، إذ بدأت الحقيقة تضيع أمامه، ولا يعرف ما يجري فعلاً (...) ولاحظنا تضخم الأوضاع، وصور البعض في رسائلهم الهاتفية بأن ما يحدث في البحرين مجازر (...) كوني نائباً للشعب كل الشعب، ارتأيت أن من واجبي الذهاب لموقع الحدث والاطلاع عن كثب على كل ما يجري واستيضاح الحقيقة، فبدأت بمجمع السلمانية الطبي، الذي شهد إشاعات لا حصر لها، سواء فيما يتعلق بعلاج المصابين، أو عدم استقبال مواطنين لا يوافقون على الاحتجاجات (...) ما رأيته مناف لكل الإشاعات التي كانت منتشرة، تحدثت للأطباء والممرضين والمسعفين، وروى كل منهم ما رآه وما جرى، وتوجهت لرؤية المصابين، بمن فيهم الذي فارق الحياة مؤخرا وقد كان في غيبوبة وقد آلم قلبي ما رأيت (...) لم أقم إلا بواجبي كممثل للشعب غير أن الإشاعات بدأت تلاحقني من كل ناحية وصوب، ولا أرى أن ثمة مصلحة لأناس من تلك الإشاعات سوى أصحاب الفتن وأولئك الذين يتحفونا بالمسجات الطائفية ليل نهار، وأؤكد أن اليوم ليس للمصلحة الشخصية والكراسي والمناصب، بل اليوم يوم التكاتف وأن نضع أيدينا بيد بعضنا بعضاً، وأن نقف مع بعضنا بعضاً، هناك أناس مستفيدون من زرع هذه الفتنة (...)
الضرر الأكبر الذي زرع الفتنة بعد المسجات هي تلك الفضائية التي امتهنت الفتن، وبدأت تصور أن ثمة حرباً أهلية بين طائفتين في البحرين، حتى أصبحنا نجلس على سجاد ممتلئ بالبنزين، والطائفيون هم من يمتلك الكبريت الذي يشعلنا جميعا (...)
ذهبت لدوار اللؤلؤ، وشاهدت ما يحدث من فعاليات، وتحدثت إلى الأخوة الأطباء والمسعفين، وسألتهم إن كانوا قد تركوا عملهم بالمستشفى وتواجدوا بالدوار للاحتجاج، فنفوا ذلك وأكدوا أنهم متطوعون في أوقات فراغهم، وكذلك المحامين، وقد جرى حوار مطول معهم، وأكدت لهم أنني مع معظم المطالب، لكن لا بد من الجلوس على طاولة الحوار، وهذه هي الديمقراطية ولا نريد أن تنساق البلد إلى الفتنة والمواجهات بين الناس، أما الصحافيون والإعلاميون الذين جلست معهم فطلبت منهم القيام بدورهم الوطني وتخفيف الاحتقان فإنهم أصحاب أقلام لها تأثيرها على المجتمع)) اهـ.

هذا ما نشرته الوسط والوطن على لسان النائب عيسى الكوهجي بتاريخ السبت 12 مارس، ويبدو أن زيارته للسلمانية كانت قريبة زمنا من تصريح وزير الصحة، كما أن كلامه موافق لكلام الوزير وموافق في الجملة لما شاهدته ورأيته من حيث ما ظهر لي إلى هذا التاريخ على الأقل، نعم أغفل النائب الكلام على الخيمتين في ذلك الجانب الأيمن أمام بوابة الطوارئ وسبب وجودهما، وأغفل الحديث عن عبثية وجود بعض الناس هناك لغير أعمال طبية، ولعله أغفل أيضا بعض الأعمال الإعلامية، ولعل السبب في إغفاله هذه المظاهر هو عدم أهميتها وقلة تأثيرها ـ في نظره ـ قياسا بما كان يروج ويشاع عن السلمانية ذلك الوقت، بحيث بدت تلك المظاهر سلمية تماما إزاء الإشاعات، وبالرغم من صحة كلامه في جملته إلا أن  مجموعات من الناس تناولت كلام الكوهجي هذا بالنقد اللاذع في عدد من مواقع التواصل، ويبدو أن بعضهم بالغ من باب تصفية الحسابات.

إشاعات خطرة وجديدة :

ولكن المقلق في الأمر أن تناولهم لهذا النقد اشتمل على تطور جديد يتمثل في نوع حديث من الإشاعات أسمعها لأول مرة !! فقد حاول بعضهم تكذيبه بتأكيد وجود:

ـ تفتيش للناس من السنة خاصة.
ـ الكشف عن بطاقات الهوية.
ـ فرز الناس سنة وشيعة.
ـ طرد السنة وحرمانهم من تلقي العلاج.
ـ وجود مليشيات مسلحة.

ومن شق عليه تكذيب هذا النائب السني زعم أن تلك المظاهر كانت تختفي عند زيارة أي مسؤول ثم لا تلبث أن تظهر مع خروجه وانتهاء زيارته !!

طفق مثل هذا الكلام يتردد على الألسنة وكأنه حقيقة علمية مسلمة، وهو ما كان يثير استغرابي ودهشتي، فقد بدأ هذا التطور الجديد يمسني شخصيا، لأنني سني وملتحي وذو مظهر واضح لا تخطئه العين، دخلت السلمانية حتى الآن أكثر من مرة، وسأضطر للدخول مرارا وتكرارا في الأوقات المقبلة، وحتى الآن لم أشهد تفتيشا أو طلب الهوية أو فرزا مذهبيا أو تعطيلا متعمدا في الخدمات كما لم ألمح أي مجموعات مسلحة بعد حتى هذا التاريخ 12 مارس !! هل تختبئ في تلك الخيام ولا تظهر أمام الناس؟ فما الذي يجري بالضبط؟ شيء ما غير مفهوم في القصة ! هناك لبنة مفقودة في بناء الأحداث.

لماذا لا يصدقون وزير الصحة؟ ولماذا لا يصدقون النائب الكوهجي؟ ولماذا لا يأتي نواب آخرون يشاهدون بأنفسهم ويقيمون الوضع؟ وأين الهلال الأحمر؟ وأين وجهاء البلد أين هم لا يأتون لحل هذه المشاكل؟ هل تختفي أشياء خلف الجدران وفي الغرف لا نراها وتظهر في منتصف الليل؟ لماذا لم يفتشنا أحد أو يسألنا عن شيء؟ ولماذا لم تتدخل الحكومة مبكرا لحل هذه المشاكل كلها لتجنيب المواطنين الخوف والأذى ولتيسير أمورهم؟ كان شيئا محيرا فعلا (سينكشف لي سره فيما بعد) ..

 
امرأة تتصل بقناة وصال :

علمت بأن امرأة اتصلت بقناة وصال بهذا الشأن، وقالت عن السلمانية وعن قسم الولادة بالذات ما ينبغي أن يقال، فطالعت كلامها من خلال (يوتيوب) في هذا اليوم أيضا، وأحب أن أنقله هنا لاشتماله على أنموذج من تلك الشائعات بغض النظر عن إقحامها بعد هذا كلاما لا داعي له وفيه نظر، ولكن كلامها عن السلمانية لا غبار عليه، لكن في اليوم التالي اتصل متصل للطعن فيها خصوصا !! :


المقلق الآن أن هذه الإشاعات لو فرضناها صحيحة فنحن إذن في ورطة، ولو كانت كاذبة ـ كما يبدو في الظاهر حتى الآن ـ فالورطة قادمة لا محالة، لأن الإشاعات قد تدفع بعض الناس من أفراد المعارضة إلى التهور والخروج عن السلمية ـ لا سيما الشباب ـ فتصبح الإشاعة حقيقة، وعلى أقل تقدير فإن هذه الإشاعات ستكون سببا لنشأة رأي عام يطالب بإنهاء المسألة عسكريا، وهذا من الخطورة بمكان لا يجهل.

الاتصال بتلفزيون البحرين :

في آخر النهار شعرت بأنه قد يكون من المفيد التواصل مع تلفزيون البحرين ـ ولو من غير ظهور على الهواء مبدئيا ـ وذلك لأنقل لهم ما رأيته خلال يوم وليلة، فلعل هذا التواصل معهم يزيد من مصداقية تصريح الوزير وكلام النائب الكوهجي ويقلل من كم الإشاعات، ويزيل الخوف من الناس، لا سيما المضطرين لمراجعة السلمانية، أو لعلي أفهم منهم شيئا معقولا، ولكنني لم أتمكن أبدا من التقاط الخط بالرغم من المحاولات المتكررة.

الزيارة المسائية :

عدت إلى السلمانية كرة في المساء، والوضع كما هو لا جديد فيه، والإشاعات تزداد، وكنت في هذه الليلة بالذات قلقا بعض الشيء وشديد التدقيق في ما أراه، كثير الالتفات والملاحظة لما يجري حولي لعلي أستطيع فهم ما غاب عن الوزير أو النائب، فغدا أنا على موعد ـ بإذن الله ـ مع مولود جديد، ومن حقنا أن ننعم معه بأوقات هادئة مطمئنة، ولكن إرادة الله غالبة ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى.

الخميس، 9 فبراير 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (2)


الحلقة الأولى

قبيل 11 مارس :

مع اقتراب آخر فبراير بدأت الأحداث تسرع الخطى، والتجمعات تزداد، والنشاطات السياسية تشتد، وأكثر الناس كانت مشغولة بذلك، أما نحن فكنا على موعد مع عملية قيصرية في مجمع السلمانية الطبي بتاريخ 13 مارس !! (ولا يعلم الغيب إلا الله).

كنا نسمع أن شيئا ما يحدث في مجمع السلمانية، ولا ندري ما هو، والظاهر أنه أقحم في النشاطات السياسية، لكن لا نعرف صورة ذلك الإقحام، ومع اقتراب آخر فبراير ازداد الكلام على مجمع السلمانية، وكان أكثره يدور حول تجمع وشيء من التمييز وسوء الخدمة للسنة خاصة.

مستشفى الولادة في المحرق غير مجهز للعمليات الجراحية، ومستشفى الملك حمد لم يتم افتتاحه بعد، والمستشفى العسكري والعيادات الخاصة تتقاضى مبالغ طائلة على المواطن، فهل يستدعي الأمر صرف النظر كليا عن السلمانية والاتجاه للعسكري أو العيادات الخاصة؟

من خلال اتصالنا بمستشفى المحرق والعسكري لم نتلق أي تحذير من التوجه للسلمانية ـ وأهل مكة أدرى بشعابها ـ فكان الخيار الذي انتهينا إليه أن نتأكد بأنفسنا من وضع السلمانية، فعما قريب سنذهب إليه لفحوصات ما قبل العملية، ويمكنني حينئذ تقييم الوضع.

زيارة خاطفة للسلمانية :

 مع بداية مارس كان موعدنا مع السلمانية لإجراء بعض الفحوصات، دخلنا وخرجنا من بوابة الإسعاف رقم (6)، والتي تستقبل حالات الولادة، أعني البوابة القريبة من سلسلة المحلات والمطاعم، وفي خط سيرنا هذا كان كل شيء على ما يرام، ولا يوجد ما يدعو للقلق في هذا الخط، ولم نتكلف الذهاب يمينا ناحية بوابة الطوارئ القريبة من بوابة الولادة ومشاهدة ما يجري هناك، فلا شأن لنا بالطوارئ الآن.

كلمة ولي العهد :

وفي السادس من مارس تحدث ولي العهد في تلفزيون البحرين عن حق الاعتصام والتجمهر السلمي، مع أنه سئل عن امتدادات دوار مجلس التعاون ! وكان السلمانية هو امتداد الدوار، وجاءت إجابة ولي العهد لينة هينة، بحيث يفهم منها أن الاعتصام والتجمهر حق يكفله الدستور بشرط السلمية وعدم التعدي على حقوق الآخرين، ويمكن الاستماع إليه في الدقيقة (5.50) من هذا التسجيل بتاريخ 6 مارس :





هل يُفهم من هذا الكلام أن التجمهر في الساحة المقابلة لبوابة الطوارئ يؤيده القانون ويسنده الدستور مادام المتجمهرون مسالمين؟

الكلام محتمل لشموله حالة السلمانية، وكذلك فهم كثير من الناس، ولكني شخصيا لا أفهم صراحته في ذلك، وبالرغم من عدم اطلاعي على مدى قانونية هذا الفعل فإني شخصيا غير مرتاح له، لأن المريض يريد أن يشعر بالطمأنينة والاستقرار في محل علاجه ولا يحب أي نشاط آخر قد يعكر على تلقيه العلاج.

وزير الصحة في الإعلام الرسمي :

لكن في يوم 9 مارس وفي النشرة الإخبارية الرسمية في تلفاز البحرين أذيع خبر زيارة وزير الصحة نزار البحارنة لمستشفى السلمانية، ويجب على قارئ مقالنا أن يستمع إلى هذا التسجيل جيدا هنا:




إذن فولي العهد لا يرى بأسا بالتجمهر السلمي في امتدادات الدوار، وتلفاز البحرين ـ وهو الإعلام الرسمي ـ يخاطب المواطنين ـ بلسان وزير الصحة ـ رسميا فيخلص إلى طمأنة المواطنين إلى أن المستشفى (هادئ) و(مستقر) و(طبيعي) و(لا عائق) و(آمن) و(لا إشكال) والوزير (سعيد جدا) هذا بالنسبة للمستشفى بكل أقسامه خصوصا (الطوارئ) و(الولادة) وحث الوزير على (عدم الانجرار وراء الشائعات) .. إلخ ثم لا نجد أي خطاب رسمي آخر يعارض أو يستنكر هذا، ولم نسمع أي تصريح من وزارة الداخلية بشأن هذه النشرة الرسمية، علما بأن التجمع في السلمانية استمر من منتصف فبراير إلى منتصف مارس أي شهرا كاملا ! دون أن نرى إعلانا بخصوص ذلك أو نسمع كلمة (على الجمهور التفرق).

بعد هذا كله كان لزاما علينا أن نشعر بالاطمئنان التام، وأنه لا شيء في المستشفى يشكل خطرا أو يخالف القانون ـ وإن كنت غير مرتاح لوجود أي نشاط  غير طبي ـ وأن ما راج على الألسنة عن المستشفى ما هي إلا إشاعات كاذبة.

وبناء على ذلك فقد قررنا أن نواصل مع مستشفى السلمانية.


الجمعة 11 مارس 2011م

في مساء هذا اليوم ذهبنا إلى مستشفى السلمانية لحجز غرفتنا وإتمام إجراءاتنا، فدخلنا من بوابة (6) ووقفنا في الموقف بشكل طبيعي جدا، وأكملنا الإجراءات دون تمييز أو تأخير، كان الموظفون على مكاتبهم يعملون، وكل شيء يجري بسلاسة، ثم حملنا أمتعتنا إلى غرفتنا، وكان المستشفى من حيث ما يظهر لنا كما وصفه وزير الصحة، كل شيء على ما يرام، لكن عرفنا فيما بعد أنه تزامن مع دخولنا السلمانية مجيئ أعداد من المصابين بالاختناقات إلى قسم الطوارئ بسبب ما سمي بمسيرة الديوان، وهذا يفسر بعض الكثافة المتبقية من الناس ثم خفت شيئا فشيئا، وعرفنا أن كلمة ألقيت في موقف السيارات بقسم الطوارئ للمقداد، وقد رأيتها فيما بعد على (يوتيوب) وهي كلمة هادئة، ذكر فيها أشياء منها ضرورة عدم إزعاج المرضى وإعاقة عمل الأطباء، ثم انصرفوا، وبالرغم من ذلك الهدوء، وبالرغم من أننا لم نشعر بأي تعطيل أو إعاقة، ولم نحس بتلك النشاطات ونحن داخل المبنى، وبالرغم من عدم ظهور أي رد فعل رسمي لإزالة مظاهر هذا التجمهر والتجمع وتلك الخيام وكأن الحكومة راضية، أقول بالرغم من ذلك كله فإن المعارضة قد ارتكبت خطأ قاتلا بإقحام السلمانية في نشاطاتها هذه كما سيتضح شيئا فشيئا.

هذا وبعد ترتيب جميع الأمور، ومع تأخر الوقت، وانتهاء مواعيد الزيارة، كان علي أن أنصرف، فخرجت كما دخلت لا بأس ولا ضير.  


الخميس، 2 فبراير 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (1)


الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية الطبي
 11 ـ 16 مارس 2011م
(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد الله على آلائه، ومزيد نعمائه، كما أشكره على لطفه في بلائه، وأصلي وأسلم على خير خلقه وخاتم أنبيائه، سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله المطهرين وصحابته الغر المحجلين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ..

وبعد ..

سنقسم الكلام على أحداث مجمع السلمانية الطبي إلى تمهيد مشتمل على خمس مقدمات، يليه ست حلقات، لكل يوم من 11 مارس إلى 16 مارس حلقة تخصه، ثم خاتمة.

(تمهيد)

لا بد لهذا الحديث من مقدمات تمهد لسرد الوقائع، وتضع القارئ على الجادة ليمضي في قراءته على بينة مطمئنا هادئا، فإليك هذه المقدمات:

المقدمة الأولى:

ننتمي فكريا إلى عقيدة جمهور الأمة الإسلامية ـ العقيدة الأشعرية ـ (قلت : الأشعرية وليس الشيعية) وننتمي فقهيا إلى المذهب المالكي، (نسبة إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله) وهو مذهب الآباء والأجداد، وقد نهلنا من الأزهر الشريف حب السماحة والتوسط والاعتدال في كل شيء، وعملت معلما في المعهد الديني للعلوم الإسلامية وقررنا ما تعلمناه مدة 15 سنة، ومما قررناه أن من عقيدة أهل السنة والجماعة منع الخروج على سلاطين الإسلام، وأن المتعين في حال ميلهم عن الحق النصح والإرشاد باللين.
كما ننتمي نسبا إلى أسرة عربية عريقة سكنت قديما الحي المعروف بـ(فريج البنعلي) في المحرق وتوارثت الإمامة والأذان والطب الشعبي وصناعة السفن سنين طوال، فهذه أصولنا الفكرية والمذهبية والعلمية والنسبية فمن نسبنا إلى غير ذلك فهو كاذب.

المقدمة الثانية:

وضعت نصب عيني في حديثي قوله تعالى : (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى) وقوله تعالى : (اعدلوا هو أقرب للتقوى) وما في معناها من الأحاديث وكلام أهل العلم، فليس ثم اعتبار لأي ميزان آخر غير هذا في حديثي، فمن شاء رضي، ومن شاء غضب.

المقدمة الثالثة:

لي أربعة أهداف شرعية من سرد هذه الأحداث:

ـ الهدف الأول : هو قطع الطريق على الحاسدين الوشاة والنمامين والمغتابين وأمثالهم ممن نسبوا إلينا الكذب والبهتان وروجوا عنا الباطل ضاربين بقوله تعالى (فتبينوا) عرض الحائط، وفرحوا بذلك وحرضوا من حرضوه في مجال عملنا للإضرار بنا، ولا ينكشف كيدهم إلا ببيان الحقيقة.

ـ الهدف الثاني : الاستجابة لمن سألني عن الأحداث من الأصدقاء والأقرباء والمحبين، وهم عدد كبير، ولا يسعني أن أنفق ساعتين من الحديث لكل واحد، فجمعت الأحداث هنا لأحيل إليها من طلبها.

ـ الهدف الثالث : لتكون كلمتي شهادة كاملة الملامح لأي مظلوم لا علم له بها أو مخدوع يريد معرفتها، فإن هذا من الممدوح شرعا.

ـ الهدف الرابع : لعل هذا السرد أن يسهم في رأب الصدع وتصحيح الأمور وإصلاح ذات البين.

المقدمة الرابعة:

أن ما سأذكره من الأحداث المرتبطة بمجمع السلمانية الطبي هو ما شاهدته خلال الساعات التي كنت فيها في المجمع وخلال التاريخ الذي كنت فيه، والمكان الذي كنت فيه (11مارس ـ 16 مارس 2011م) فلا ينسحب كلامي على كل وقت ولا على كل مكان ولا على كل تاريخ، وليس لنا علم بما وراء الجدران ولا بما تحت الأرض ولا بما في السقوف، فليس من حق أحد أن يفهم أن كلامي تكذيب لكلام غيري، لأن احتمال اختلاف المكان والزمان وارد بلا شك، وأما في حال الاتفاق في الزمان والمكان فهذه شهادتنا وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين، ونعوذ بالله أن نكون من الكاذبين.

المقدمة الخامسة والأخيرة:

حُكِي أنه لما مات الشريف أبو جعفر الحنبلي سنة 470هـ خرجت الناس في جنازته ثائرة العواطف هائجة المشاعر، فنبشوا قبر الإمام أحمد بن حنبل ليدفنوا الشريف أبا جعفر فيه ! فلم يتجاسر أحد على نهيهم عن نبش القبر، ولم يتكلم إلا الإمام أبو محمد رزق الله التميمي الحنبلي فقال لهم: "كيف تدفنونه في قبر الإمام أحمد بن حنبل وبنت أحمد مدفونة معه في القبر ! فإن جاز دفنه مع الإمام لا يجوز دفنه مع ابنته" فرد عليه بعض العوام قائلين: اُسكتْ، فقد زوجنا بنت أحمد من الشريف !! فسكت التميمي وقال:

((ليس هذا يوم كلام)).

فإن سألني سائل لم لم نشرح ونفصل الأمر في الأشهر الماضية فالجواب كما في القصة، فكأن الناس انقسموا إلى جنازتين هائجتين لا يمكن الكلام مع كل واحدة إلا بما تشتهي وتهوى، فلما تكلمنا ذلك الوقت بما هو الحق لم تقبل الجنازتان بما نقول ! أما اليوم فإنا نرجو أن يكون العقل عاد شيئا ما إلى الناس، وبالله التوفيق.