السبت، 20 سبتمبر 2014

أهل السنة في غنى عن الكذب على خصومهم

أهل السنة في غنى عن الكذب على خصومهم





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه واتبع هداه ..

وبعد ..

فإن أهل السنة والجماعة أغنى الفرق الإسلامية عن الكذب والبهتان ..

فهم أعظم المذاهب الإسلامية وأكثرها انتشارا في العالم الإسلامي منذ قرون طويلة، وهم أعدل المذاهب وأوسطها .. والتاريخ يشهد بما يقضي على كل شك أو ريب أن أئمة الإسلام المصنفين أكثرهم وأعظمهم من أهل السنة والجماعة :

في القراءات والتفسير والتجويد والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والحديث رواية ودراية وجرحا وتعديلا .. وأما الفقه وأصوله فتدوينهم وصناعتهم .. وكذا التاريخ وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم ..

وأما إذا جئنا إلى علم الكلام الذي نيط به الذب عن أصول أهل السنة والجماعة ومجادلة الخصوم بأدلة المنقول والمعقول فالناس فيه عيال على الإمامين أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي وتلاميذهما من بعدهما .. وقد شهد بذلك الموافق والمخالف ..

ففي القرن الرابع الهجري حينما بسط السلطان فناخسرو بن الحسن بن بويه أبو شجاع الديلمي المتوفى سنة 372هـ الملقب بعضد الدولة حينما بسط سلطته على رقعة كبيرة شرقية من أرض الخلافة الإسلامية ـ حتى كان يدعا له مع الخليفة العباسي على المنابر ـ قرب إليه العلماء من كل الطوائف، وكان هو مائلا إلى الاعتزال في الأصول محبا للعلم والأدب، شديد الحرص على المحاضرات العلمية والمطارحات الأدبية، فكان مجلسه يغص برؤساء الفرق عدا أهل السنة والجماعة .. ولما سأل قاضيَه عن سبب خلو مجلسه من منافح ومناظر على مذهب أهل السنة والجماعة هون قاضيه من شأنهم وحط من قدرهم ـ وكان معتزليا ـ ورماهم بالجهل والعامية، فرد عليه السلطان قائلا :

((مُحالٌ أن يخلوَ مذهبٌ طَبَّقَ الأرضَ من ناصر))


فجرى البحث والترتيب بالاتفاق مع الخليفة العباسي أن يبعث إلى مجلس السلطان مناظرا  يذب عن عقائد أهل الحق بالمنقول من الكتاب والسنة وأدلة المعقول، فوقع اختيار الخليفة العباسي ـ بعد مشاورات مع أهل الحل والعقد والعلماء والقضاة ـ على الإمام أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني المالكي الأشعري، الذي حضر مجلس عضد الدولة وناظر رؤساء الفرق وتكلم بما بهر العقول حتى نزل السلطان عن كرسية وزحف مقتربا من الإمام الباقلاني استعذابا لكلامه .. فلما انتهت المجالس وظهر الباقلاني على رؤساء الفرق قال السلطان لقاضيه:

((ألم أقل لك : مذهب طَبَّقَ الأرضَ لابد له من ناصر؟))

ولما شاع خبر الإمام الباقلاني وقدرته الفائقة على المناظرة وفرح به الخليفة والناس والعلماء والقضاة صدر أمر من ديوان الخليفة العباسي بتلقيب الإمام الباقلاني رسميا بـسيف السنة ولسان الأمة، وقد جمعت بعض مناظراته في المجالس وطبعت، وأشهرها مناظرته في بلاط قيصر الروم سفيرا للدولة العباسية.




ولم يكن الإمام الباقلاني وحده فارس هذا المضمار، بل كان معه في عصره أئمة آخرون لا يقلون عنه رفعة ومجدا في هذا المقام كالإمام أبي إسحق الإسفراييني الشافعي والإمام أبي بكر ابن فُوْرَك الأصبهاني الشافعي وغيرهما، وقد شهد لهؤلاء الثلاثة الوزير العلامة الأديب إسماعيل بن عباد بن العباس أبو القاسم الطالقاني المشهور بالصاحب ابن عباد المتوفى سنة 385هـ  شهادة حق، على الرغم من أن الوزير كان معتزليا شيعيا، إلا أن إنصافه ومجموع فضائله أرغمته على تجرع كلمة حق مُرَّة سجلها التاريخ لما قيل له : إنك كنت تحط من قدر أهل السنة والجماعة وترميهم بالجهل والعامية، وقد رأيت وسمعت بنفسك مناظرة هؤلاء الثلاثة من أئمة أهل السنة فما تقول فيهم الآن؟ فقال الصاحب ابن عباد بعد أن أطرق وجلله الحياء:

((ابن الباقلاني بَحْرٌ مُغْرِق .. وابن فُوْرك صِلٌّ مُطْرِق .. والإسفراييني نار تحرق))
[الصل المطرق : ثعبان ظريف المنظر ولكنه يقتل في الحال] يقصد بذلك قوتهم في تفنيد شبهات الخصوم، وسطوتهم في المناظرة.

إن مذهبا إسلاميا عالميا كهذا لغني عن الكذب والافتراء على خصومه، فإن لديه من آلات المنقول والمعقول ما يدحض به كل شبهة ويرد به كل باطل، ولكن ـ وياللأسف ـ أصيب مذهب أهل السنة والجماعة في العقود المتأخرة بضعف علمي شديد، ازدادت حدته في النصف الأخير من القرن الرابع عشر الهجري وإلى الآن، ولسنا بصدد شرح أسباب الضعف فإنها لا تخفى على اللبيب، مما أدى إلى فشو الجهل المنتج للكذب.

والحق أن الكذب العلمي لم يكن متعمدا، وإنما هي أخطاء علميه أفرزت نتائج لا تطابق الواقع، فإذا عَرَّفْنَا الكذب بمجرد عدم مطابقة الواقع فلنا أن نسمي تلك الأخطاء العلمية كذبا، وأما بإضافة قيد العمد والقصد فلا تسمى تلك الأخطاء كذبا حينئذ بل هي أغلاط أنتجها الجهل، لأن عامة ما يقع من تلك الأغلاط والأخطاء العلمية لم يكن مقصودا.

مثالان من أمثلة تلك الأكاذيب أو الأغلاط المنتشرة الخطيرة والبشعة :

الأول : الكذب على الشيعة الإمامية الاثني عشرية :

من ذلك زعم بعض الناس من أهل السنة ـ وسمعناهم في المساجد  وغيرها من الطفولة وإلى الآن ـ أن الشيعة إذا ضربوا على ركبهم في الصلاة يقولون : (خان الأمين) أي أن جبريل عليه السلام خان الأمانة فنزل بالرسالة والنبوة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان الواجب أن ينزل بها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه !!
وهذا كذب على الاثني عشرية، بل هم وأهل السنة يحكمون بكفر الطاعن في عصمة الملائكة عليهم السلام، وهذه المقالة الكفرية إنما هي مقالة الفرقة الغُرَابِيَّة من الفرق المغالية البائدة، ولكن الجهل أدى ببعض الناس في الأدوار الأخيرة إلى قراءة الكتب دون معلم وشيخ ماهر فإذا قرؤوا شيئا عن فرقة من فرق الشيعة القديمة البائدة لم يميزوا بينها وبين الفرقة الاثني عشرية الموجودة اليوم فألبسوا هذه الفرقة ما قالته تلك الأخرى البائدة، وهذا نوع من أنواع الأخبار التي لا تطابق الواقع والتي يجوز أن نسميها كذبا، وإلا فإن الإمامية الاثني عشرية إذا قضوا الصلاة كبروا ثلاث تكبيرات مع رفع اليدين، لكن كثيرا من العوام منهم يأتون بالتكبير في صورة الصفق على الركب فيتوهم من يراهم أنهم يصفقون.

الثاني : الكذب على أصحاب محمد بن عبد الوهاب (الوهابية) :

 فمن أشنع الكذب عليهم أنهم يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم أو لا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم أو يمنعون الصلاة عليه .. وهذا شيء شاع قديما عنهم في المساجد وسمعناه من الطاعنين في السن ينفروننا عنهم، ثم قرأنا كتب الوهابيين فرأينا الصلاة والسلام على النبي بعد اسمه الشريف في كل كتبهم، فعرفنا أن الوهابيين لا يكرهون النبي ولا يمنعون الصلاة عليه، بل هم وأهل السنة يعتقدون كفر من كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا خلاف بينهم وبين أهل السنة في فضل الصلاة على النبي وآله .. وإنما شاع ذلك عنهم لأنهم كانوا يمنعون ما كان شائعا من الصلاة على المنارات قبل الأذان أو بعده ظنا منهم أن ذلك بدعة وزيادة في الأذان، أو يمنعون صيغا من صيغ الصلوات المنتشرة في الأوراد وبعض الأحزاب ظنا منهم أن فيها غلوا .. فألزمهم بعض الناس بأنهم يكرهون النبي وأنهم يمنعون الصلاة عليه .. وهذا ليس بلازم كما لا يخفى.

هذان المثالان خطران لأنهما يؤديان إلى كفر محقق لا شك فيه، فمن طعن في الملائكة أو أحدهم، أو كره الأنبياء أو أحدهم فقد أتى كفرا أكيدا لا شك فيه، وهما تهمتان انتشرتا في وقت من الأوقات، ولهذا ذكرنا هذين المثالين ..

إن أهل السنة في غنى عن هذا المسلك الجاهلي الوخيم، ولا يكون الانتصار على الخصوم أو التنفير من مذهبهم صحيحا بهذه الصورة لأنه يعتمد على الكذب، وإذا اكتشف الناشئة من أهل السنة أنهم لقنوا ـ ولو غلطا ـ ثلة من الأكاذيب على خصومهم لينفروا منهم ضعفت ثقتهم بمذاهبهم وربما أداهم ذلك إلى هجرها إلى غيرها، ومذهب أهل السنة مؤسس على القرآن والحديث والإجماع والعمل والقياس وأدلة العقول، وهو من المتانة بحيث لا يحتاج إلى مثل هذه الأساليب الرخيصة.


وبالرغم من اعترافنا بوقوع هذا الصنيع من أهل السنة إلا أنه وقع من جهال المتأخرين من عوامهم، ولم يكن متعمدا غالبا، ومثل هذا التشنيع لعله وقع من غير أهل السنة أكثر مما وقع من أهل السنة، ومهما يكن فإنه فعل مقبوح مستنكر لا يأتي بخير ولا ينتج إلا خبالا، ولا يليق بأهل المروءات فضلا عن أهل الديانات، وعند أهل الفرق الأخرى من المقالات الثابتة عنهم ما فيه الغنى عن الكذب عليهم أو الافتراء، وبالله التوفيق.