الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

مسألة في صلاة الكسوف والمذاهب والوقف



السؤال : .. قبل كسوف الشمس عصر الأحد 29 ذي الحجة 1434هـ قرأت توجيها وإرشادا أن نصلي الكسوف وأن نجهر بالقراءة فيها، وما أعلمه أن الشافعية لا يجهرون بالقراءة في صلاة الكسوف، فما هو الصحيح؟ علما بأني إمام مسجد .. من مساجد البحرين، شافعي المذهب، والمسجد الذي أصلي فيه إماما لم تزل الصلاة فيه على المذهب الشافعي أبا عن جد.

الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

ههنا ثلاث مسائل لا بد من تبيينها:

المسألة الأولى :

ـ أن مذهب الشافعية ـ والذي هو مذهبك أيها السائل ـ هو ندب الإسرار في صلاة كسوف الشمس، وهو الصحيح عند الحنفية والمشهور عند المالكية ورواية عن أحمد.

ـ وذهب الحنابلة في المعتمد وبعض الحنفية وبعض المالكية إلى الجهر في صلاة الكسوف.

وعليه فلا تتضرر الصلاة بالجهر أو الإسرار والصلاة صحيحة.

المسألة الثانية :

لكن هذا الكسوف المذكور في السؤال قد وقع بعد صلاة العصر في الساعة الرابعة عندنا في البحرين، وعليه ينبغي معرفة ما يلي :

ـ المالكية يؤقتون صلاة الكسوف كصلاة العيد، فلا تنعقد بعد الزوال أي بعد دخول وقت الظهر، وعليه فلا تصح صلاة الكسوف هذه لأنها وقعت عصرا.

ـ الحنابلة يحرمون ويبطلون النوافل ـ ومنها الكسوف ـ في أوقات النهي والتي منها بعد العصر إلى الغروب، فمن صلى الكسوف الذي وقع عصرا لم تصح صلاته.

ـ الحنفية يكرهون تحريما النوافل ـ ومنها الكسوف ـ في أوقات النهي، ومن أوقات النهي عندهم بعد العصر إلى الغروب، فمن صلى الكسوف الذي وقع في الرابعة عصرا فقد أتى محرما.

ـ الشافعية يرون جواز النوافل ذوات الأسباب ـ ومنها الكسوف ـ في أوقات النهي.

وعليه فإن صلاة الكسوف لا تصلى في هذا الوقت الذي هو من أوقات الكراهة إلا على مذهب الشافعية ـ الذي هو مذهبك أيها السائل ـ فلا حرج عليك في فعلها، وقد عرفت أيضا أن مذهب الشافعية استحباب الإسرار بالقراءة.

المسألة الثالثة :

وأما التوجيه والإرشاد الذي طلب منكم الجهر في صلاة الكسوف فلا أراه متفقا مع المعتمد في مذهب من المذاهب الأربعة، لأن من يصليها من المذاهب بعد العصر وهم الشافعية يسرون بها ندبا، ومن يجهر بها وهم الحنابلة لا يصححون صلاتها بعد العصر ! فهذا الإرشاد والتوجيه غلط، ويزداد الأمر خطورة لو كان هذا الإرشاد والتوجيه متعمدا وصادرا من نظارة وإدارة الوقف، وحينئذ نكون أمام ظاهرة غير شرعية متعلقة بمسائل الأوقاف والأحباس التي صار أكلها واللعب بها مصيبة عمت بها البلوى من أزمان، وابتلي المسلمون بجهلها أو بالتساهل فيها أو التعدي عليها، مع أنها باب من أبواب الكبائر .. وفيما يلي توضيح لهذه المسألة.

فقد قرر أهل العلم باتفاق المذاهب الأربعة أن الأوقاف ـ مساجد أو مدارس أو غيرها ـ يجب فيها اتباع ما شرطه الواقف وعينه واختاره، مادام في حدود المشروع، وأنه لا بد من التزام ما جرى عليه العمل في الوقف في حياة الواقف، أو الزمن القديم، وعلى هذا عمل الأمة الإسلامية في القرون الخالية من عهد الصحابة إلى أن أهملت الشريعة في العصور المتأخرة، فلم تزل المساجد والمدارس والكتب .. وغيرها توقف ويشترط فيها شروط كأن تكون لأبناء هذا المذهب أو ذاك من المذاهب الأربعة أو أن تكون الغلة والمنفعة لفلان أو أن يقدم فلان على فلان أو أن يكون لفلان هذا المقدار ولفلان ذاك المقدار، وهذا شيء اشتهر في الأعصار حتى صار مخالفه مخالفا للإجماع:

قال العلامة الفقيه أبو بكر الدمياطي الشافعي المتوفى سنة 1310هـ في كتابه (إعانة الطالبين) 4/233 :
((ومن خلاف الإجماع : ما خالف شرط الواقف، فمن حَكَمَ بخلافه نُقِض))

وقد كان الحكام والقضاة يراعون ذلك ويتعاهدونه، بحيث يستحق الذم والتعزير والعقوبة من خالف هذه الشروط أو تلاعب بها، والتاريخ مليء بشواهد ذلك.

قال العلامة الفقيه الإمام محيي السنة أبو عبدالله محمد عليش المالكي الأزهري المتوفى سنة 1299هـ في كتابه: (فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك) 2/259 :
((إن وجد كتاب الواقف عمل بما فيه، وإلا عمل بما جرت به العادة في السنين الماضية، ولا يجوز مخالفتها فإنها تقوم مقام كتاب الواقف عند عدمه، ومن أراد مخالفتها والاختصاص فلا يُمَكَّن من ذلك ويجب على ولي الأمر منعه منه وزجره، سواء كان ناظرا أو غيره، ويعزل الناظر الذي أراد ذلك لثبوت خيانته وعدم تصرفه بالمصلحة وفتحه باب الفتنة والهرج والشر ..))اهـ.

وهذا الكلام محل اتفاق بين المذاهب كما أسلفنا.

ولخطر هذه المسألة أدرجها الفقيه ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي المتوفى سنة 974هـ في جملة الكبائر في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) 1/508 فقال :

((الكبيرة الثالثة والثلاثون بعد المائتين : "مخالفة شرط الواقف" وذكري لهذا من الكبائر ظاهر وإن لم يصرحوا به لأن مخالفته يترتب عليها أكل أموال الناس بالباطل وهو كبيرة))اهـ.

وتوضيح ذلك أن الناس يحرمون أنفسهم وأولادهم من التمتع بالأموال والعقارات فيخرجونها لشيء معين تقربا إلى الله ويجعلونها في خدمة المذهب الذي نشؤوا عليه كمدرسة مالكية أو مسجد للحنفية أو إمام على المذهب الشافعي، ثم يموت الواقفون فيأتي إنسان له سلطة فيلعب في أوقافهم ويخالف ما قصدوه وما شرطوه، وربما خص بها أصحابه ! فيخرجها عن مراد أهلها ومقصدهم، فلا شك أنه متورط في أكل أموال الناس بالباطل ومرتكب لكبيرة، وهذا باب خطر قد تقحمه كثير من الناس و ذوو السلطان ونظار الأوقاف منذ سنين بلا تقوى ولا ورع حتى صار اللعب في الأوقاف والتصرف كأنه هو الأصل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ونظرا لشيوع هذه الكبيرة وانتشارها حتى غلب الظن أنه لا تكاد تسلم أوقاف المسلمين في كثير من البلدان من أنواع التعديات نظرا لذلك بالغ بعض المتأخرين من أهل العلم فذهب إلى تحريم الوقف، لأنهم رأوه مضيعة للمال وإعانة للظلمة :

قال الشيخ العلامة فالح بن محمد الظاهري المدني المتوفى سنة 1328هـ في كتابه (أنجح المساعي) ص221 ـ طبع دار الشريف ـ : ((كل أحد يعرف أن الأوقاف اليوم عرضة للظلمة والنظار عليها، وأنها لا تجري مجراها، ولا تلم بشيء من قصد الواقف أصلا .. ومع هذه الأحوال والقصود فلا أظن مسلما يقول بجوازه اليوم ..)) اهـ مختصرا.

وقد خالفه في هذا آخرون من أهل العلم منهم العلامة محمد زاهد الكوثري الحنفي وكيل المشيخة الإسلامية بالدولة العثمانية المتوفى سنة 1371هـ في مقالاته ص162 ـ طبع دار السلام ـ فقال : ((والواقع أن الاجتراء على الوقف مَرَضٌ متفشٍّ تجب معالجته ببصيرة منقذة لا بالمنع من الوقف كما يرى الشيخ فالح الظاهري في "أنجح المساعي" سدا للذريعة)) اهـ.

فإذا اتضح هذا فإن أغلب مساجد البحرين ومدارسها القديمة التابعة لأهل السنة هي من أوقاف المالكية، وتليها أوقاف الشافعية، والقليل من أوقاف الحنابلة، ولا أعرف من أوقاف الحنفية في البحرين شيئا، وقد جرى عليها من التغيير والتبديل عن مذاهبها التي كانت عليها ما لا يجهله ذو فهم، وحصل فيها من التصرفات ما لا يخفى، فعلى من عُيِّن ناظرا لهذه الأوقاف مراعاة ما ذكرناه وإلا كان مرتكبا لكبيرة أكل أموال الناس بالباطل ..


وأنت أيها السائل إذا عرفت هذا وكنتَ كما ذكرتَ في سؤالك أنك شافعي وأن المسجد الذي تؤم فيه هو من أوقاف الشافعية فلا يحل لك مخالفة ما جرى عليه العمل في هذا المسجد من التزام مذهب الشافعية، فهناك فرق بين من يصلي غير مرتبط بوقف معين فقد يجوز له أن يختار من المذاهب المعتبرة غير متتبع للرخص، ومن هو مرتبط بوقف له شروطه فلا خيار له إلا التزامها، وأنت الآن لا تصلي في بيتك أو لنفسك أو مسجدك الخاص بل إماما في مسجد من أوقاف الشافعية كما ذكرت أنت، فصرتَ مرتبطا به وملتزما ما جرى عليه العمل فيه وجوبا عليك، وهو المذهب الشافعي، لا سيما في المسائل التي يتميز بها المذهب عن غيره، ومنها الإسرار والجهر، فإن الإسرار فيما يسر به والجهر فيما يجهر به من أشهر ما يحصل به التمييز بين مذهب وآخر، وتعتبر من الشعارات الواضحة في المذهب، ولنا كتاب بسطنا فيه هذه المسألة قد ننشره قريبا، هذا ووفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. 

السبت، 26 أكتوبر 2013

إلى السلطان في دار السلام بروناي








الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وبعد ..

صاحب الجلالة/

السلطان المعظم حسن بلقيه سلطان دار السلام (بروناي)
حفظه الله ورعاه وسدد خطاه وخلد ملكه على الدوام آمين ،،،

تلقى العالم الإسلامي النبأ السار المفرح بقراركم إنفاذ حدود الله تعالى في دار السلام ـ سلمها الله على الدوام ـ وبالرغم من أن (بروناي) بعيدة عن بلاد العرب ومهد الإسلام إلا أنها ـ وبفضل إخلاص جلالتكم ـ سبقت أكثر بلاد الإسلام إلى إرجاع حدود الله تعالى التي عطلها الغزاة من الكفار في القرن الماضي وما قبله ..

يا صاحب الجلالة إننا كنا نسمع من بعض حكام المسلمين رغبتهم ونيتهم في تحكيم الشريعة الإسلامية ولكن وياللأسف لا نجد لتلك النوايا الجهرية ما يصدقها في الواقع، ولكن جلالتكم حفظكم الله تعالى أثبتم للعالم الإسلامي كله أنكم أهل صدق وإخلاص ومحبة لشريعة الإسلام ..

يا صاحب الجلالة إن الذي هداكم إليه الله تعالى من إنفاذ حدود الله في دار السلام نعلم علم اليقين أنه لا يجر لشخصكم العظيم ولا لدار السلام أي منفعة دنيوية متعلقة ببلاد الكفار غزاة الأمس ورؤساء ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان اليوم، تلك المنافع التي يلهث وراءها كثير من حكام المسلمين، ومع ذلك فإنكم لم تلتفتوا إليهم جميعا وكانت همتكم في رضى الله تعالى ..

يا صاحب الجلالة إننا لما كنا من حملة علوم الشريعة الإسلامية من أهل السنة والجماعة، وكنا ولا نزال ممتلئين من الغيرة على الإسلام والمسلمين، ورأينا أنكم تسعون في إعلاء شأن حدود الله ومرضاة الرب سبحانه وجدنا لزاما أن نتقدم إلى عظمتكم بأسمى آيات الحب والاحترام والتقدير والشكر، مقبلين أياديكم، وناظرين بعين الإجلال والتعظيم لحميد مساعيكم، داعين الله تعالى أن يحفظكم ويحفظ ملككم ويسدد خطاكم على الدوام وأن يحميكم ودار السلام من كيد كل كائد وحاسد ..

كما ندعوه سبحانه أن يوفق ملوك الإسلام وسلاطينه وحكامه إلى ما وفقكم إليكم ويشرح صدورهم لما شرح إليه صدركم إنه ولي ذلك والقادرعليه، آمين آمين والحمد لله رب العالمين .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 


إلى السُّلْطَانِ في دَارِ السَّلاَمِ


الأحد، 20 أكتوبر 2013

رثاء شيخ الشافعية أحمد الدوغان رحمه الله تعالى









زِرّ المَنِيّةِ لا يَنْبُو لِذِي شان
 مُصَمِّمٌ حاصدُ القاصين والدّاني

لو كان مُتّئِداً في الصالحين لما
 مات النبيُ وأتباعٌ بإحسانِ

كم أَنْشَبَ المَوتُ في حِبٍّ مخالبَه
 فما ضَعُفْتُ ولا والله أبكاني

لكن ما دَهَم اﻷحساءَ معضلةٌ
 فَتْقٌ وثَلْمٌ ولا رافٍ ولا باني

فيالَهُ نَبَأً ذاك الذي انفطرت
 له القلوبُ وصُمّتْ منه آذاني

لما تَصَدّعت اﻷحساءُ صارخةً
 مات الذي بعلوم الدين أحياني

مات ابنُ إدريسَ مات الرافِعِيُّ به
 مات الجُوَيْنِيّ والشيخُ ابنُ خَيْرانِ

مات الغزاليّ واﻹحياءُ مُنْتَحِبٌ
 مات النّواوي والمنهاجُ كالعاني

بموته  قد قضى القاضي ومنهجُه
 مات السيوطيّ مات الهَيْتَمِي الثاني

مات الشهاب أبو اﻷحساء عالِمُهم
 الشيخُ أحمدُ عبدِ الله دُوغانِ

شمسُ المعارف في اﻷحساء قد غَرَبَت
 بَدْرُ الدّجى غاب عن صَحْبٍ وإِخْوَانِ

شهاب حق وأنوار قد انطفأت
 منه الفوائدُ يا قومي وخِلاّني

فذلك الخطب لا شيءٌ يعالجه
 يا شافعيةُ أعياكم وأعياني

فلا مُجِيرَ من الداء العُضَال ولا
طبيبَ ينفعُ مِن إنسٍ ومِن جَانِ

ولا مَرَدّ له هيهاتَ قَدْ قُضِيَتْ
 به المقاديرُ مِن رَبٍّ ودَيّانِ

فأعْظَمَ الله أجْرَ المسلمين به
 والشافعيةِ مَعْ أهلٍ وجِيرانِ

وأَخْلَفَ اللهُ في عبدِ اﻹله وفي
 آل الخطيب وأشباهٍ وأَقْرانِ

يا رحمةَ الله للدوغان مغفرةً
 باسم الكريم وحَنّانٍ ومَنّانِ

ــــــــــ
زر المنية : أي حَدّ المنية تشبيها لها بالسيف.
ينبو : نبا السيف أخطأ.
متئدا : أي متمهلا.

الجمعة، 17 مايو 2013

لماذا منعت محاضرة العلامة سعيد فودة في الكويت؟

بسم الله الرحمن الرحيم
 


بلغني نبأ منع العلامة المتكلم الشافعي الأشعري سعيد فودة حفظه الله من المحاضرة في الكويت في موضوع يتعلق بالاجتهاد وأصول الفقه، وقد تابعت بعض المشاركات عبر الاتصالات الحديثة التي تتكلم عن هذه القضية، ورأيت كثيرا من الناس متعجبا من هذا المنع، متوهمين أن الكويت المفعمة بروائح الديمقراطية لا يليق بها مثل هذا المنع ! فأحببت أن أزيل تعجبهم وأنهي حيرتهم ..



ولذلك لا بد أولا أن أوضح أن الأستاذ العلامة سعيدا ليس ذلك الأشعري الذي يؤثر السلامة والسكوت خوفا على الدينار والخميصة فيكتم ما فرض الله عليه من بيان التوحيد وتنـزيه الخالق سبحانه عما لا يليق به، بل كلامه ـ نضر الله وجهه ـ في دحض شرك الصفات البشرية، وخزعبلات المجسمين، والتصورات الردية التي لا تليق بالربوبية واضحة جلية، وتأثير كلماته ونجاعة كتبه في بث تنـزيه الخالق سبحانه مما سارت به الركبان وطار في سماء شبكات الاتصالات الحديثة ..

إذا عرفت ذلك فأضف إليه أن أول من طبع كتابا يصف الله عز وجل وتقدس وسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون بأنه : (شاب أمرد) (أجعد) (له نعلان من ذهب) وأن له (فخذا) و(لهوات وأضراسا) وأنه (استلقى ووضع رجلا على أخرى) .. إلخ ما يأفكون.
أول من طبع هذا الكتاب وأخرجه للعلن هو شخص كويتي يلقي المحاضرات الدينية في الكويت والبحرين وغيرهما ! وهو وأصحابه يعدون هذا الكتاب يمثل منهج السلف الصالح !
طُبع جزءان من هذا الكتاب أول مرة سنة 1410هـ وبعد طباعته بشهور قليلة حدث غزو الكويت.

صورة غلاف الكتاب


دار الطبع



هذه الجماعة التي طبعت هذا الكتاب وتتبنى هذه الأفكار قد عملت في حقل الدعوة إلى طريقتها لعقود، استدرجت خلالها إلى مفاهيمها الجماهيرَ الغفيرة، ووصلت بعد مدة بعصبية هذه الجماهير وبالدعم السياسي والمالي إلى مراكز القرار ـ فلم تعد الكويت ذلك البلد المالكي الأشعري كسابق عهده ـ فلا يستغرب إذن أن تنظر تلك الفئة إلى العلامة سعيد فودة الشافعي الأشعري المنـزه على أنه عدو لتوحيدهم الحشوي.

إن بلدا يحاضر فيه محقق كتاب الشاب الأمرد بكل حرية على أنه يمثل العقيدة الصحيحة لا بد وأن ينظر نتاجه إلى سعيد فودة كخطر على أفكار توحيد الشاب الأمرد وفخذه ولهواته وأضراسه .. ولقد كان لنا في البحرين نصيب من محاضرات مروج هذا الكتاب أيضا لإنشاء جيل متمسك بالسنة ! :  

 


إذن لا محل للاستغراب والاندهاش من منع الشيخ سعيد من المحاضرة في الفقه أو التوحيد لأن المانع شخص نافذ ينتمي فكريا إلى جماعة الشاب الأمرد، أو يجاملها على أقل تقدير، ولا شك أن الشاب الأمرد وتنـزيه الخالق سبحانه وتعالى لا يجتمعان ولا بد وأن يصطرعا إلى يوم القيامة اصطراع الباطل والحق، وعلى كل حال فقد ألقى الشيخ سعيدٌ درسه على محبيه أهل السنة والجماعة ولا يزال في هذه اللحظات يجيب على أسئلتهم عبر وسائل الاتصال الحديثة، فما عاد هذا زمن منع ولا صد، وقد زوى الله العوالم في قرية صغيرة تَرى أقصاها كما ترى أدناها، ذلك لتقوم حجة الله على العالمين، ومن الله التوفيق.



السبت، 2 فبراير 2013

ملاحظة على بيان ائتلاف الجمعيات السياسية


بسم الله الرحمن الرحيم

ما رأيكم في البند التاسع من بيان ائتلاف الجمعيات السياسية؟؟


 قد اطلعت على هذا البيان في الموقع التالي بتمامه :

والذي أصدَرَته ورضيت به عشرُ جمعيات، خمس منها إسلامية، وحتى لا يتصور بعض القراء أن ما اشتمل عليه هذا البيان صحيح كله وموافق لأحكام الشريعة الإسلامية تماما ـ اعتمادا على أن خمسا من هذه الجمعيات إسلامية ـ فحتى لا يتبادر ذلك إلى الأذهان فلا بد من توضيح الخطأ الوارد في أحد نصوصه وهو النص التالي ـ الذي ورد في سؤالكم ـ :


 فظاهر هذا النص يجعل التأكيد على تطبيق القوانين الوضعية واحترام الأحكام القضائية المبنية عليها يجعلها سببا لنجاح الحوار !! مع أنه لا يجهل أحد من المسلمين أن هذه القوانين الوضعية فيها الكثير مما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، والالتزام بهذه القوانين إنما يكون في حدود الضرورات التي تبيح المحظورات، لأن المسلم إذا خالفها عاقبوه وآذوه، فالتزامه المشروع بها هو ذلك الذي ينبني على الخوف من العقاب والأذى إذا خالفها، لا أنه راض بها منهجا ومسلكا، وإلا فلا قدسية ولا حرمة أو احترام لمثل هذه القوانين ـ ونحن هنا نعني تلك المخالفة للنص الشرعي وما أجمع عليه أهل الفقه في الدين ـ بل الواجب تغيير تلك القوانين على القادر لتوافق أحكام الشريعة بلا شك.
نعم يمكن تأويل هذا النص الوارد في البيان بضروب ووجوه من التأويلات والتقييدات والتخصيصات، والتماس المخارج والأعذار، ولكننا إنما تكلمنا على ما يفهم من ظاهره المتبادر إلى أذهان الناس والذي يكمن فيه الخطر، خصوصا وأن هذه الجمعيات انتسبت إلى الإسلام لا السياسة فقط وإلا فلا غرابة في ارتماء أكثر أهل السياسة في أحضان القوانين الغربية، إنما لا يقبل هذا من الجمعيات السياسية التي اتخذت الإسلام لها شرعة ومنهاجا.
فالواجب دائما على المسلمين أن يكون مرجعهم ساعة الخلاف هو ما ذكَّرَهم الله تعالى به بقوله جل شأنه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) صدق الله العظيم.
الإشكال القائم أن بعض هؤلاء السياسيين يريدون إنفاذ القوانين المحلية، وبعضهم يريد القوانين الدولية، ونسوا أن الله تعالى أوجب عليهم عند الاختلاف أن يرجعوا إليه وإلى رسوله لا إلى غيرهما، وسمى المرجوع إليه ـ غيرهما ـ طاغوتا، فهذا ما وجب توضيحه في البيان المذكور، وباقي البيان مشتمل على نصوص لها مفاهيم صحيحة وهي حق، وبعضها محتمل لمعنى صحيح وآخر خطأ كقول البيان :


فقد يفسر هذا الكلام أن الطائفة والمذهب هما سبب الحقد والكراهية والبغضاء ! وهذا مفهوم خاطئ.
وقد يفسر أن الحقد والكراهية والبضغاء ربما كان باعثها التعصب المقيت للمذهب والطائفة، وهذا معنى صحيح واقع، ولكن لا ذنب للطائفة ولا للمذهب في هذه الحال، فهذه النصوص وما أشبهها مما يحتمل أكثر من تفسير كثيرة في كلام الناس والجرائد، ولا حاجة لبحثها، لأن التفسير الصحيح لها هو الأقرب إلى الأذهان بقرائنه بخلاف البند التاسع الذي بينا خطورة ظاهره .. والله تعالى أعلم.
هذا ونسأل الله السميع العليم، العلي العظيم، الرءوف الرحيم، أن يوفق المسلمين في العالم الإسلامي كله وفي بلادنا البحرين خاصة إلى الصلح والوئام واجتماع الكلمة، إنه تعالى على كل شيء قدير.


الخميس، 24 يناير 2013

أفضل هدية لأكرم مولود صلى الله عليه وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحابته وبعد ..

اعتاد الناس أن يقدموا لأحبابهم وذوي مودتهم في مناسبات مختلفة هدايا وتحفا، عسى أن يبعثوا البهجة في نفوسهم، وربما عمدوا إلى المغالاة في أثمان الهدايا إيذانا بمزيد المحبة وغاية المودة .. ويحرص كثير من الناس على انتقاء ما يناسب محبوبهم مستعينين بذكرياتهم معه، وبسؤال من هو أقرب إليه منهم وأعرف به، فإن تعين لهم ما يهش له ويبش اتخذوه هديته ..

وقد تفكرت مليا ـ ونحن في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيما عساه يثلج صدره الشريف، ويدخل على قلبه الرحيم المسرة والغبطة، مستعينا في ذلك بما في كتاب الله تعالى من صفته، وما بلغنا في السنة من سيرته، وطالعت في ذلك شطرا صالحا من الآثار، فما رأيت شيئا يسعده صلوات الله وسلامه عليه كالإصلاح بين المسلمين، وجمع كلمتهم، وتأليف قلوبهم .. فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان بين ظهراني المسلمين اليوم كما كان بين أصحابه بالأمس لاهتم واغتم لما يرى من فرقتهم وذهاب ريحهم وفساد ذات بينهم .. ولأنفق جل وقته في المؤاخاة بينهم كما فعل في مقدمه إلى المدينة المنورة فأصلح بين الأوس والخزرج وسماهم الأنصار ثم آخى بينهم وبين المهاجرين ..  

فيا أيها المحب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن مصلحا جامعا بين المسلمين غير مفرق، مؤلفا بين قلوبهم جامعا لكلمتهم غير باث فيهم فتنة ولا ضاربا بينهم بالخبال تفز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكن ممن أدخل على قلبه البشر والفرحة والسرور في يوم مولده الشريف، فإن لم تحسن ذلك فاملك عليك لسانك وليسعك بيتك، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.