السبت، 15 سبتمبر 2012

براءة أهل السنة من التجسيم معنى ولفظا

السؤال :

ما قولكم في هذا الكلام؟ هل يقر أهل السنة هذا الكلام؟



الجواب مختصرا :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد، القدوس الصمد، المنزه عن الصاحبة والولد، والشبيه والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد ولد عدنان نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد ..

هذا الكلام فيه صواب وفيه خطأ، أما الصواب فقوله : (من نسب إلى الله الجسم، وهو يريد مثل أجسامنا فهذا كفر) فهذا حكم صحيح، إذ لا فرق بين من هذا حاله وبين من عبد الأصنام، فالقول بكفره معروف مشهور عند أهل العلم قاطبة.

وأما قوله : (وإن قصد أن الله له جسم يليق به ليس كأجسامنا فهذا حق) فقوله هذا غلط بيّن، ولا أعلم أحدا من أهل السنة يذهب هذا المذهب، بل مذهب أهل السنة في القائلين : (جسم لا كالأجسام) لا يخرج عن قولين:

القول الأول :

أنهم مبتدعة لإطلاقهم على الله ما لم يأذن به الله ولا رسوله .. وهو قول الجمهور، وإنما لم يكفروهم لأنهم نفوا التشبيه بقولهم:  (لا كالأجسام) فبقي عليهم إطلاقهم هذا اللفظ فيكون بدعة غير مكفرة.

القول الثاني :

أنهم كفار بمجرد إطلاقهم الجسمية على الله تعالى، لأن المعنى المتبادر من الجسمية محال على الله تعالى، فهم كفار بذلك وإن لم يقصدوا الجسمية، فإن إطلاق ما ظاهره المنقصة كفر بنفسه لا يحتاج إلى شيء آخر.

والراجح من هذين القولين هو الأول، وهو قول الجمهور، فمن تبرأ من التجسيم معنى، ولكن أطلقه لفظا يريد به معنى صحيحا كأن قصد أنه موجود .. فهو مبتدع ضال وليس بكافر.

فهذا ما هو معلوم لدى أهل السنة والجماعة، وهو المقرر في كتبهم لا يخرجون عن هذا، فقول هذا المتكلم عنه بأنه (حق) لا أدري من أين أتى به !! فلا قائل به من أهل السنة والجماعة مطلقا.

بل لا أعلم أحدا من أصحاب ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب ـ وأظن هذا المتكلم منهم ـ لا أعلم أحدا منهم يقول بأن هذا حق، بل هم مع الجمهور في بدعية إطلاق هذا اللفظ ـ وإن خالفوهم في وجوب نفيه فقالوا لا نثبت ولا ننفي ـ فهم مع الجمهور في أن إطلاقه على الله تعالى إما كفر ـ أي مع قصد التجسيم حقيقة ـ وإما بدعة إذا كان لفظا مجردا عن قصد التجسيم.

فهذا جواب هذه المسألة، فلعل هذا المتكلم أراد ما شرحناه ولكن أشكل عليه الأمر وخانه التعبير، والله تعالى أعلم.


السبت، 8 سبتمبر 2012

الكلب الكوفي خير من ألف صوفي !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السؤال:

ما رأيكم فيما ورد في هذه التغريدة؟




الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الواجب على المسلم أن يحب المسلم ويواليه، ولا يبغضه، هذا هو الأصل، وإنما يجب عليه أن يبغض خطأه ومعصيته وبدعته فقط، وينصح له فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر بالرحمة واللين، ولا يبغض شخصه، ولا محاسنه، وكيف يبغض إسلامه وشهادته الشهادتين، وصلاته وزكاته وصيامه وحجه؟ أم كيف يبغض إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟ ولو أن أحدا أبغض هذه المعاني الإسلامية لفارق الملة .. بل تلك المعاني موجبة للمحبة والموالاة، وينبغي أن يحب المسلم للمسلم ما يحبه لنفسه كما ثبت ذلك كله بأدلة الكتاب والسنة والإجماع ..

وعلى هذا فالأصل أن الصوفية والشيعة والوهابية مسلمون، وينبغي أن يحب بعضهم بعضا باطنا وظاهرا، سرا وجهرا، لما فيهم من أركان الإسلام والإيمان وسائر المعاني الإسلامية، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا غلاة الغلاة من كل فرقة ..

فما يكون بين هذه الفرق من الحوارات والمناظرات العلمية يجب أن يراعى فيها حرمة الإسلام وآدابه، والعدل والإنصاف إلى الغاية، مع إخلاص النية في النصح للمسلمين، وإلا كان مراء مذموما وعملا باطلا ..    

فقول هذا الشيخ : (الصوفية يعشقون الشيعة سرا) مبالغة في التشنيع، وإلا فلا محل للعشق والهيام هنا، والصواب ـ فيما أعلم ـ أن الصوفية يحبون الشيعة حب الإسلام، كما يحبون الوهابية حب الإسلام، وكذلك يفعلون مع سائر الأمة الإسلامية، ولهذا تجد الصوفية يتخاذلون كثيرا في مواجهة المسلمين ولا ينشطون فيهم كما ينشطون في مقاومة الكفار، فالصوفية أعظم طائفة في الإسلام تحقق فيها قول الله تعالى : (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) لا أعلم ذلك لغيرهم في المتقدمين والمتأخرين، وهذا الحب منهم يجب أن يكون سرا وجهرا، ظاهرا وباطنا، لا يجب أن يستحيوا منه لمقالة فلان أو كراهة فلان أو عداوته، وذلك كله في الله ولله، ومع هذا يبغضون فيهم ما يعلمونه محرما أو بدعة ويناصحونهم مناصحة المسلم للمسلم، ولا يحاربونهم كالأعداء من الكفار ..

وقول هذا الشيخ : (والشيعة يكرهون الصوفية علنا) لعل الشيخ غاب عنه أن الشيعة فيهم صوفية أيضا، قد تأثروا بالتصوف السني وغيره منذ قرون، كحيدر الآملي والفيض الكاشاني، وغيرهما، وفي كل وقت وحين منذ القرون الأولى كان في الشيعة من تصوف إلى يومنا هذا، ومن طالع كتب التراجم الشيعية الموسعة ككتاب "أعيان الشيعة" لمحسن الأمين وغيره عرف صحة ما قلناه، وقد يسمونهم "العرفاء" كما أن في قدماء المبجلين لدى الوهابية من كان صوفيا أيضا كأبي نصر السجزي وأبي إسماعيل الهروي، وهذا الأخير يلقبونه بشيخ الإسلام، مع أن ابن تيمية يغمزه بوحدة الوجود ! لكن أكثر الصوفية من أهل السنة والجماعة منضبطون بالعقيدة الأشعرية أو الماتريدية، ومستمسكون بالمذاهب الأربعة، كما أن تصوفهم جنيدي وهو التصوف السلفي البعيد عن الشطح والتنطع، وكما وجد من أهل السنة والجماعة من انتقد الصوفية السُّنيين الشاطحين، فقد وجد في الشيعة من انتقد الصوفية الشيعيين الشاطحين، وأخطر ما يؤخذ على الصوفية هو محل نقد ورد باتفاق بين السنة والشيعة والوهابية بل والصوفية أنفسهم، كمسألة الحلول والاتحاد والوجودية، والشطحات .. إلا أن الخطأ الذي وقع فيه كثير من نقاد السنة والشيعة والوهابية وغيرهم هو مجانبة العدل والنصفة في كلامهم عن الصوفية، وأبرز ملامح الجور تعميمُ القول بالحلول والاتحاد وتلك الطامات على الصوفية كلهم، مع أن هذه البشاعات لا يقول بها إلا قلة قليلة نادرة منهم، بحيث أن أكثر الصوفية ما بين ناف لهذه البشاعات أو متأول لها بنوع من أنواع التأول، وإلا فمن طالع أمهات كتب التصوف السني الأصيل كحلية الأولياء والرسالة القشيرية والتعرف لمذهب أهل التصوف واللمع للطوسي وكتب أبي عبد الرحمن السلمي إلى الإحياء وعوارف المعارف .. وغيرها لم يجد فيها إلا تصوفا منضبطا بالكتاب والسنة، اللهم إلا ما لا يخلو منه كتاب لا عصمة له.

وأما قول الشيخ : (ويزعمون أن علي رضي الله عنه قال عن الصوفية : الكلب الكوفي خير من ألف صوفي)

فقد وجدته بصورة أتم من هذه، بحيث ينقلب المعنى من الذم إلى المدح، ففي القرن الثالث عشر الهجري ألف محمد علي بن الوحيد البهبهاني ـ من علماء الشيعة ـ المتوفى سنة 1216هـ كتابا سماه "الظرائف" وآخر سماه "الخيراتية في إبطال طريقة الصوفية" كلاهما بالفارسي، وذكر فيهما عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال:
(الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وجعل الدنيا على القفا، وسلك طريق المصطفى، واستوى عنده الذهب والحجر والفضة والمدر، وإلا فالكلب الكوفي خير من ألف صوفي) كذا في كتاب الذريعة لآقا بزرك الطهراني.

وهو كما ترى بيان للصوفي الحق بأنه من لبس الصوف على طهارة نفس، وزهد في الدنيا، وتابع سنة النبي صلى الله عليه وسلم .. فهذا هو الصوفي الحق، وأما من لبس الصوف على خبث باطنه، وجعل الدنيا همه، ولم يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منافق مدع كذاب، فالكلب خير منه، وهذا المعنى يصادق عليه الصوفية ولا يعترضون، وهو مدح للصوفي الحق لا قدح كما ترى ..

ومع هذا فالخبر لا سند له، وهو كذب على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بلا شك، فلا يصح عنه ولا عن غيره من الصحابة الكلام على التصوف باسم التصوف أصلا لا بمدح ولا بقدح، ناهيك عن ركاكة بعض ألفاظه التي لا تناسب بلاغة وفصاحة سيدنا علي، وما ظهر هذا اللقب إلا في القرن الثاني وما بعده ..

نعم هذه العبارة ـ دون ذكر الكلب الكوفي خير من ألف صوفي ـ نسبها بعض الناس إلى الإمام الجنيد بن محمد البغدادي المتوفى سنة 297هـ، ولم أقف عليها مسندة إليه.
ونسبها أبو سعد عبد الملك الخركوشي في كتابه "تهذيب الأسرار" إلى أبي علي ـ محمد بن الضحاك ـ الأصبهاني المتوفى سنة 313هـ بلا سند.
لكن أسندها الحافظ أبو نعيم الأصبهاني إلى أبي بكر الشبلي أحد أكابر الصوفية المتوفى سنة 334هـ، وذكرها عنه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق.
وأسندها الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه إلى الشيخ الجليل أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار الشهير بأبي علي الروذباري شيخ صوفية وقته المتوفى سنة 323هـ، ونسبها إليه الكلاباذي في التعرف، والسمعاني في الأنساب والسبكي في طبقات الشافعية، وغيرهم.
والشبلي والروذباري كلاهما من أصحاب أبي القاسم الجنيد البغدادي.
هذا ومع جزمنا بأن هذا النص بهذا اللفظ موضوع على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلا أننا لا نعلم كيف حصل هذا؟ فيحتمل أن تكون النسبة إلى سيدنا علي خطأ مجردا من قصد الوضع بسبب الاشتباه أو غلط النساخ أو نحو ذلك، ويحتمل أن تكون متعمدة على سبيل الوضع والاختراع، أما محققو الصوفية فقد برئت عهدتهم ولا يتحملون تبعة ذلك لأن كتبهم خلو من هذه الرواية أصلا، وهي منسوبة في بعض كتبهم إلى الروذباري والشبلي .. كما أن آقا بزرك الطهراني الشيعي لم يفد بمصدر هذه الرواية غير كتاب البهبهاني وهو كتاب شيعي ولا نعرف مصدر روايته هذه، والله أعلم.