‏إظهار الرسائل ذات التسميات المقامات الأدبية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المقامات الأدبية. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 29 أبريل 2016

المقامة الجدارية

المقامة الجِدَارِيَّة


رأيت ذات يوم وأنا بين النائم واليقظان لما أن قام سُوقُ الظالمين على سُوقِه، وضَرَب الجَورُ في الأرض بعروقه، ونُصِبت شباكُ الفَسَاد بحرا، وسارت به الرُّكْبان بَرَّا، كَأَنِّي رَمَيْتُ مَظلِمَةً من هذه المظالم بِسِهَام فِكَرِي، ومشيت إليها بأقدام نَظَري، وسألتها بلسان حالي، ومَنْطِق خَيَالي:
من أين أنتِ يا وجهَ المصيبة؟ وما هذه الشرور المريبة؟
فأجابت بلسان المجاز :
ـ لا تَسَلْنِي، وسَلْ من أَحَلَّنِي وأَجَاز.
وأَرْدَفَتْ بفصيح الكَلِم المقدَّر ومِذْرَبِ (1) البلاغة :
ـ المسؤول عن الشر من أَسَاغَه (2)
ـ هَلاَّ عَرَّجْتَ عَلَى فقهاء مذهب الإمام قانون وأهل القضاء؟ فإنما نحن بنات وهم الآباء، فيا أيها الغافل الَّلاه، اِيتِ فقيه مذهبنا القاضيَ أبا عبد الله.

فَتَصَوَّرْتُ مَجْلِسَه المعقودَ في رَحْبَةِ (3) خَيَالي، وَتَسَوَّرْتُ بِسَوَاعِدِ الذِّهْنِ سُورَه العالي، فباغَتُّه بلا تردد أو احتراز، بِمِذْوَدِ (4) القَريضِ والارتجاز :
عِمْتَ صباحا قاضيَ المدينةْ ** ما هذه المَظالِمُ المُشِينة؟
ما هذه الأحكامُ يا قاضيْ البلدْ؟ ** تُحِلُّ ما حرَّمه الله الأحدْ؟
ما بالُ أحكامِكَ في اضطرابِ ** تنذرُ بالشرِّ وبالخرابِ؟
أإنها حقا بَنَاتُ القاضي؟ ** وإنه بحالِهِنَّ راضي؟

فأجاب القاضي ـ وقد نَهَدَ من موضعه، وأشار بأصبعه ـ  : 
يأيها المُغَفَّلُ البَلِيْدُ
 ** 
مَذْهَبُ قَانُونَ وَلا نَزِيدُ
**
نَنْظُرُ قَانُونَ وما يقولُ 
** 
ثم يجيء الحُكْمُ يا جَهُولُ
**
فَهْوَ أساسُ حكمنا المُسْتَغْرَبِ 
** 
فافهم وإلا فامضِ عَنَّا واغْرُبِ
**
نحن عبيدٌ والقوانينُ العَصَا 
** 
هذا جوابي قد أتى وحَصْحَصَا

أفهمت كلامي، وعرفت مرامي ؟
قلت : فهمت كلامكم المُنيف .. أدام الله عليكم نعمة الراحة من التكاليف، ولا حرمكم من عطف عصا الطاعة، وجزاءِ تِيكَ الاستقامة والقناعة ! 
فهلا أرشدنا القاضي أبو عبد الله إلى مَنْبِتِ مسائل الإمام قانون ومُزْدَرَعِها، ودَلَّنَا على مُخْتَرَعِها؟
فقال :   
سِرْ إلى قُبَّة القِباب، ومجلس السعداء النواب، فَثَمَّ الزرع والسقاية، والحصاد والنقاية، والطحن والعجين، والصيد السمين، فسلهم أيهم بذلك ضمين.
فطِرتُ إليهم بأجنحة أحلامي، ودست بساطَهم بقدم أوهامي، حتى إذا كَفَّ منبرُهم عن أنينه ورنينه، ومخاض تقنينه، باغَتُّ (5) أحدهم بسؤالي وصريح مقالي :
عمت صباحا سعادة النائب، جنبك الله النوائب، إنا لما رأينا المعاصي ظاهرة لا تمنع ولا تستنكر، والمؤمن يخاف الأمر بالمعروف ويخشى النهي عن المنكر، سألنا القاضي أبا عبد الله المصون، فقيه مذهب الإمام قانون،  فزعم أنه يحكم بإشارتكم، ويصدر عن إرادتكم، وقد رأينا الفقيه القاضي لا يملك كثيرا ولا قليلا، ولا يجد إلى منع الفواحش سبيلا، فما جوابكم على ذلك، جنبكم الله المهالك؟
فقال : على الخبير سَقَطْتَ، ثم نظر إلى الجِدَار فكأنما قُطِعَ لِسَانُه بالمِقَصِّ، أو حُشِيَ فَاهُ بالحجارة والجَصّ، ووَلَّى هاربا.

فسألت آخر فقال : إنا لم نتخذ كتاب الله مهجورا، ولكن أَتَعْرِفُ مجلس الشورى؟ فقلت نعم : فأراد أن يقول شيئا فَرَمَقَ الجدار، فاضطرب وحار، وقبض رداءه وطار.

فرأيت ثالثا فقلت : إني سألت نائبا سعيدا، فنظر إلى الجدار ثم فر فرارا شديدا، وإني سألت آخر فاضطرب وحار، بعد أن رمق الجدار، أفأنت صانعٌ مثلهما، أم أسألك فتجيب عنهما؟ فقال : بل أجيبك قبل أن تسأل: (رأسكَ والجدارَ) ألا تعلم أن الإمام قانون ـ عليه السلام ـ مقبور تحت هذا الجدار، وأن هذا الجدار فوقه؟!
ثم أنشد شعر مجنون بني عامر :

أَمُرُّ على الدِّيار ديار ليلى
**
أُقَبِّلُ ذا الجِدارَ وذا الجدارا
**
وما حُبُّ الجِدار شَغَفْنَ قلبي
**
ولكن حب من سكن الديارا

ـــــــــــــــــــ
(1)       ـ المذرب : اللسان.
(2)      ـ أساغة : من إساغة اللقمة والمعنى : استحسنه.
(3)     ـ رحبة : رحبة البيت ساحته.
(4)     ـ المذود : اللسان.
(5)     ـ باغت : فاجأت.

الثلاثاء، 1 مارس 2016

المقامة الواق واقية





المقامة الواقْ وَاقِيَّة


حدثني شهاب الدين أبو العباس ابن حبيب قال :
كنت برهة خِدْن أبي الحسن العيني المشهور ـ شُرَطِي المرور ـ فصادفته مشتملا هَمَّا، وبالحزن مُعْتَمَّا .. عَيْنُه أضحت بَغْلا شموسا، ولسانه كأنما انعقد على موسى، فاضطرتني قيود الصحبة السالفة، وحبال الأخوة المتعارَفة، أن أواسيَه في مصابه، وأحتمل معه بعض ما به، فأَنَخْتُ عند دراجته رحالي، وأذكرته الأيام الخوالي، فلما اطمأنت إليَّ نَفْسُه ـ وكانت حَرُودا ـ  وعاد إليه نَفَسُهُ ـ وكان شرودا ـ سألته عن سر غروب بَسَمَاته من بعد إشراق، وخمود قَسَماته من بعد اشتعال واحتراق؟
فقال : ما علمك بالوقواقيين؟
فقلت : أولئك قوم يسكنون البروج العالية، والجزائر النائية، لا يمسهم فقر، ولا يلحقهم صقر، لا تحرقهم نيران، ولا يصلهم دخان، ولا يثور عليهم غبار، ولا يعمل فيهم السيف البتار، إذا غضب أحدهم رجف وانتفخ، ثم استوفز فنفخ،  فأرعد وأبرق، فأصاب فأحرق .. لا يردعهم عرف ولا قانون، حاشا سيف المنون.

قال : فهل تحس منهم من أحد ـ هنا ـ أو تسمع لهم ركزا ؟
قلت : لا
قال : فهم حولك وأنت لا تشعر !
قلت : كيف ذلك؟!!!!
قال : تشبهوا بالناس، في الطباع واللباس، فلا تعرفهم بفرق، حتى تعاين البرق، غير أن كبير الوقواقيين ـ وهو أعقلهم ـ قد نهاهم عن النفخ والتفل قبل الإعذار والإنذار، وأمرهم بالحلم والاصطبار.

ثم قال :
رأيت بالأمس ـ عند قهوة المطار ـ سيارات في شكل قطار، تقف في وسط الطريق، وتمنع المرور من الضيق، فترجلت عندها لأسجل المخالفة لأولها، فجاءني رجل طويل، في لباس عربي أصيل، فقال لي : ما تصنع؟
قلت : أسجل المخالفة المرورية، وأقوم بوظيفتي الضرورية.
فقال : يا حمار ! ألا ترى الناس جلوسا في القهوة ـ وهذه سياراتهم ـ فأين منك إنذارهم وتنبيههم؟ أحمار أنت؟
فقلت له ـ وقد تعجبت من جرأته على سبي ـ : أَنِلْنِي رخصتَك.
فقال : لا أنيلك إياها، وائت بضابطك.
فلما جاء ضابطي ومعه جماعة من شُرَط المرور قال له الرجل : إن هذا الحمار فعل وفعل .. وإن هؤلاء الحمير معك يفعلون ويفعلون ..
فلما فرغ الرجل من سبنا، وشبع من شتمنا قال له ضابطي بعد صمت مديد : هات رخصتك بلا مزيد.
فلما أخرج الرجل رخصته ورَمَقَها الضابط، ضرب الأرض بِخُفِّه، وكبر له بِكَفِّه، واعتذر بمولاي وسيدي، ورجع ورا، وسحبني القَهْقَرَي.

فقلت له : ما لك كأنك خشيت على نفسك فوتا، أو عاينت تلفا وموتا؟!!
 فقال : ما قلتَ شيئا فريا، لقد كان وقواقيا !!!

قال أبو الحسن الشرطي :

وأزيدك أني كنت من يومين في حاجز تفتيش وفحص، فمرت سيارة ـ وضابطي يشير إليَّ إشارة عَجْماء، يضرب بكفيه الهواء ـ فظننته يعني أَدْرِك سيارة العجوز لئلا يجوز، فأوقفت سيارته وطلبت رخصته، وقبل أن تنعقد مني الكلمات، باغتتني عصاه بضربات، فتعجبت من جرأته أمام الناس، وتهيأت لمناجزته، وقبض حنجرته، غير أن لطف الله بدا لائحا، إذ أدركني ضابطي صائحا : خله خله .. فخليته، ثم قال لي ضابطي : إنه وقواقي !!

أعلمت يا أبا العباس ما أعانيه من البلاء العظيم، وأقاسيه من الخطر الجسيم؟! وإني لمحتار في أمر قُطَّاع الطريق والإضاءةُ حمراء، أأدَعُهُم فأسلم أم أتبعهم فأندم، فإني لا أضمن أن لا يكون أحدهم وقواقيا مريدا، فيتفل في ثيابي ويحرق إهابي، أو ينفخ في وجهي فيجعله فحمة، أو يذيب جبيني بلا رحمة، فما قولك يا أبا العباس؟

فقلت له : هل من سبيل إلى تمييزهم من بعيد دون اقتراب، ومعرفتهم بلا خلطة أو احتراب؟

فقال : لا سبيل إلى ذلك إلا بفحص الرخص والأوراق، ومعاينة : فلان بن فلان من واق واق، أو تسمع منه لكنة أو رابط، كقوله : (بابا زابط) فحينئذ تعلم أنه وقواقي جبار، وأنك على شفا جرف هار.    

فقلت : إنك لهالك مقبور، إن بقيت في شرط المرور، فاسمع نصيحتي واطلب السلامة، واترك الشرط في غير ندامة، ثم أنشدته :
  
جانب الوقواق واحذر نفخه ** لا تعاند من بنيران تفل

يبصق الوقواق في الوجه فلا ** ينفع الطب إذا الموت نزل

الاثنين، 10 فبراير 2014

المقامة الصندلية

((المقامة الصَّنْدَلِيَّة))


أصل هذه المقامة أني كنت في بلدة "ما يجري؟" (1) المناوحة (2) لـ "فَيْس" (3) و"تغاريد" (4) إذا ببدر الدين بن أبي الهواجر ـ فتى من أهل ناحيتنا ـ قد أقبل نحوي مُنْجَرِدا (5) يصيح يا أبا حُمَيدٍ المالكي .. يا أبا حُمَيدٍ المالكي !! فقلت : على رسلك يافتى، ودونك غداءَك، ثُمَّتَ قل ما وراءك.
فقال يا أبا حميد دعك من الغداء الساعة .. أَبَلَغَكَ ما كان بين القاضي أبي فَسَادَة الموصلي، والمحتسب أبي إسحقَ الصوفي الصندلي؟؟
قلت : لا.
فقال : إن القاضي أبا فسادة ـ على غير العادة ـ دخل ضحى مجلس الشيخ أبي إسحق الصندلي المعتاد، حتى إذا ما بلغ الصندلي التذكيرَ بيوم المعاد، وقُضِيت الأذكار، وفرغ القَوَّال (6) من الأشعار، انثنى أبو فسادة إلى أبي إسحق فشكاك إليه مُرَّ الشكوى، فكأن الشيخ أبا إسحق يُلدَغُ أو يُكْوى، والناس عليه مقبلة، والشيخ يُتْبِعُ حوقلة بحوقلة (7) ، وذَكَرَ له من أَمْرِك أشياءَ لم أعِ معناها، ولم أحفظ مبناها، إلا أني سمعته يرميك بسوء الطوية، وفساد النية !! فانهض إليه الساعة طالبا الإصلاح، وخاطبا الفلاح، فإن أبا إسحق صوفيُّ البلاد، ومربي العباد، والناس إليه مائلة، وبقوله قائلة، فاطلب السلامة برضاه، وكن رِدْفَ هواه.   

فأخذت القلم والدواة، وكتبت إليه المقامة المهداة :

((بسم الله المقسط الحكم العدل ..
من أبي حميد المالكي إلى أبي إسحق إبراهيم الصندلي، الزاهد العابد الصوفي الموصلي، محتسب بلدتنا، ومجدد ملتنا، سلام من الله عليك ورحمات ..

وبعد ..
فقد بلغني ما اضْطَبَنَتْه (8) نفسُك، واشتملت عليه حَوْباؤُك (9) مما نَجْـنَجَ (10) به أبو فسادة عند مَسِيحَتك (11) وفي حضرة أخلامك (12) حتى تركك تغلي كالمِرْجَل (13)، فاعلم الآن ما اختبأ عنك ـ أو نسيته ـ من أمر بَلَدِيِّكَ وابن خالتك أبي فسادة :

أبو فسادة الموصلي

إن أبا فسادة قد لعب بالأحباس (14) وتعدى شروط الناس، وآجر بعضها بأثمان دَنِيَّة، لعيون أصحابه الموصلية، وأسلم المدارس للاندثار، حتى عَفَتْ (15) منها الآثار ..

أما المساجد فكأنها بيوت أبيه، يعزل من شاء ويوليه، مخالفا شروطها ومبدلا ما كانت عليه، ومستعملا فيها من مال من خواصه إليه، وهذه السنون قد مضت مَلِيَّا (16)، وما ولَّى إلا فساديا أو موصليا ! وقد امتلأت الجوامع من ألواحه الصفراء، وعلاماته الفسادية، كأن الله لم يهد إلى الحق سواه !! وايم الله .. لو رام الواقف أو نظاره مثل ما يفعل قاضيكم ـ وهم أهل الحق دونه ـ لسلط عليهم الأعوان، واستعدى السلطان .. فانظر يا أبا إسحق إلى ابن خالتك الموصلي ما صنع مما خالف شرعة الإسلام وسنة خير الأنام، حتى كشف الله للناس أمره وأظهر سرَّه، ونزع ستره، فبدت  ـ علانية ـ تلك الفضائح، وأصبحت مَطْنَـزَةَ (17) الغادي والرائح ..

والعجب يا أبا إسحق أنك أعلم الناس بفساد أمره، فقد أطلعك الله من بين سائر الناس على خباياه، وعظيم بلاياه، فما بالك انقلبت على عقبيك؟؟
ألا تذكر يوم وقوفك مذكرا في مسجد بني كانون وقد جهر أصحابك الزهاد بحديث الملك الكذاب؟؟!!
فهل بلغك عن أحد منا وصفك بالخارجي المارق؟ فتركت من ذموك علانية وانبريت إلينا وقد أحسنا فيك الظن والقول؟! ما أنصفت يا أبا إسحق.

وأما خوض ابن خالتك في سوء النية، وفساد الطوية، وتصديقك إياه، فذلك علم غاب عن الأنبياء فمن أين عَلِمَه ابنُ خالتك فَصَدَّقْته؟
قد كان يقال "المريد كالميت بين يدي مغسله" أفصار الشيخ ميتا بين يدي ابن خالته ؟!
ولا يغرنك امتناع الناس من الشكاية عليه عندك وعند السلطان، فما منعهم إلا علمهم بأنه ابن خالتك، وأنت رئيس الحِسْبِة وذو حاشية من الصوفية الأمارة بالمعروف الناهية عن المنكر، فاحتشموا منك، كما علموا ميل السلطان إليه فخافوه.
فأعرض عن هذا يا إبراهيم .. فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، وسار بجور ابن خالتك الركبان، أما سمعت أبا يوسف الماجن حينما أنشد :

متى يَسمع السلطانُ شَكْوى المدارسِ
                         وأوقافها ما بين عافٍ ودَارسِ
يموت عديم القوت بالجوع حسرة
                        ويشبع بالأوقاف أهل الطيالس     

وبعد يا أبا إسحق إن ما عرفناه من صلاحك، وصدق لهجتك وسلامة صدرك ـ خلا ميلك إلى ابن خالتك ـ قد جرأنا عليك فلا تجد في نفسك علينا، لا حرمنا الله من بركاتك وعاطر نفحاتك وطاهر أنفاسك، جلَّلَك الله بجلباب العافية، وزانك بلباس التقوى، (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) والسلام عليكم ورحمة الله.

اذهب الآن يا فتى بالقرطاس إلى أبي إسحق الصندلي واهمس في أذنه : يقول لك أبو حميد اقرأ الآية السابعة بعد المائة من سورة النساء.

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) ـ الواتساب.
(2) ـ المقابلة.
(3) ـ الفيسبوك.
(4) ـ تويتر.
(5) ـ مسرعا.
(6) ـ المنشد.
(7) ـ الحوقلة : قول لا حول ولا قوة إلا بالله.
(8) ـ حملته.
(9) ـ نفسك.
(10) ـ تكلم بكلام غير مستقيم.
(11) ـ ما بين الأذن وحاجب العين.
(12) ـ أصحابك.
(13) ـ القِدْر.
(14) ـ الأوقاف.
(15) ـ اختفت.
(16) ـ طويلا.
(17) ـ الطَنـز : السخرية.

الجمعة، 15 يونيو 2012

المقامة الزينبية


المقامة الزينبية

حطت بنا قافلة السماء، في منارة العلم وكعبة العلماء، حاضنة النيل المجيد، وقاعدة الأزهر التليد.


وكم حللتها مرة بعد مرة، واطَّوَّفت بها تَكِرَّة ـ لكني جعلت هذه الزَّوْرَة للقاء الأصحاب والمعارف، وجني عتيق أخبارهم والطارف، وممن أجمَعْتُ بهم التلاقي، الشيخ (عبد الباسط هاشم) البولاقي، حتى إذا ما اشتمل علينا مجلسه أشرقت علينا شمس طلوعه، وامتلأنا من نمير ينبوعه، وتصرم الوقت في الفوائد، وجميل الفرائد، فلما أحس بي قد ابرَنتَيْتُ للذهاب عند أوانه، ناولني بطاقة عنوانه، فدسستها في الجيب دون تأمل أو انتظار، ورجعت إلى الدار، وبعد رُوبَة من الليل حدَجْتُها ببصر العامد، فإذا اسمه فيها : (عبد الباسط حامد)! ثم إني راجعته في ذلك فحدثني بهذه القصة قائلا :

مذ عقلت وأنا أرتضع الهم، وأتجرع مرارة اليتم، فلا أب يكسو، ولا أم تأسو، ولكنَّ لي أختا تؤويني، وتطعمني وتسقيني، تدفع عني من الأذى، وتميط بعض القذى، وربما أنالتني بعض المعروف سِرّا، لأن لها زوجا يُستعاذ بالله من شره، ويُشرب ماء زمزم لدفع ضره، طبعه يابس حار، كأنما خلق من نار، الحنان من قلبه يائس، والعطف على بابه بائس، يغيظه أني في جواره، ويحنقه اقتياتي من داره، إلا أنه كان كريما بلا سبب، في باب الضرب والأدب !

وكان رحمه الله إذا انهال علي باليمين والناس تسمعه، تجيء أختي فتدفعه، فربما جاوزني إليها، ومال بالكف والقبضة عليها، فتشتعل الدار حزنا وأسى، والعزاء في : لعل وعسى.    

ومع أني ارتويت من الأحزان، وشبعت من الصفع واللكمات الحسان، وتضلعت من الأنين، وأنا ابن ست أو سبع سنين، إلا أن الأشد على نفسي والأمرّ، والأحْمَى والأَحَرّ، ما كان يصل بسببي إلى أختي الحانية، وأمي الثانية، فكانت تَهُون عليَّ بلواي لولاها، ولست أحتمل مزيد أذاها، فحللت عقدة صبري، وأجمعت أمري، على تخفيف ما احْتَمَلَتْ من الأكدار، بترك الدار.

وكنت سمعت بذكر امرأة تطعم الأيتام وتسقيهم، وتكسوهم وتؤويهم، لها قلب عطوف على المساكين، والأرامل والعاجزين، يسمونها السيدة زينب أم هاشم، ويصفونها بكرم حاتم، ويقُصُّون علينا من رقتها، وحنوها ورحمتها، فأحببتها كأمي قبل أن أراها، وعددت نفسي من رعاياها، فجعلت وجهتي إليها، وتعويلي بعد الله تعالى عليها.


فتدفقت أبحث عنها في الشوارع والطرقات، والأزقة الضيقات، أحاذر في الخوف حذر الثعلب، وأقفز في الأمن كالأرنب، وأسأل المارة عن حي السيدة زينب، وبعد طول احتباس ولأي، حللت بطن الحَيّ، وإذا بناء جامع يعلوه الوقار، وتجلله الأنوار، فدلفت إليه من بابه، كأنني من أصحابه، وإذا بشيخ الجامع الوقور قد استوقفني، وكأنه استصغرني، وقال : إلى أين المسير، يأيها الصبي الصغير؟ فقلت له بعبارة مهذبة جيدة : أريد زيارة السيدة، وسمع مني في شأنها كلاما دله على استيعابي، وفضلني به على أترابي، ثم قال : السيدة في تلك الحجرة ـ يشير إليها ـ فاذهب فسلم عليها.

فلما دخلت الحجرة رأيت نسوة متشابهات، ولم أميز السيدة من بين السيدات، فعدت إلى الشيخ قائلا : أين السيدة منهن، فإني لم أعرفها بينهن؟ فتعجب وقال : أوَ تحسب السيدة زينب إحدى هؤلاء النسوة؟ إنما السيدة صاحبة القبر والكسوة، فإنها رضي الله عنها لما ماتت من أزمان، دفنت في هذا المكان !!!

فلما سمعت ذكر الموت والقبر ـ وكنت أظنها من الأحياء ـ انحلت مني رباطة الصبر، والتصقت بالأرض في بكاء ونشيج، وصياح وضجيج، واجتمع الناس يهللون ويسبحون ويُحَوقلون، والشيخ يتلو : "إنك ميت وإنهم ميتون" ثم ألهمني الله تعالى أمرا التقطت به أنفاسي، واسترجعت إحساسي، فقلت لهم ـ وقد أحاطوا بي يبكون ـ : أليست السيدة تكنى أم هاشم، قالوا : بلى ، قلت : فأين ابنها هاشم؟؟ فرجع الناس يهللون ويحوقلون وهم يبكون، وإذا برجل ذو هيبة واحترام، يتقدم من ناحية المقام ـ واتفق أن اسمه هاشم ـ فقال : أنا ابنها هاشم فما مسألتك نلبيها، وما حاجتك نقضيها؟ فقلت له : إن كنت ابنها فأنت وارثها، ومن يقوم مقامها، فقال : وهو كذلك، فقلت : فإن أمك كانت ترعى الأيتام والمساكين، وأنا يتيم مسكين، فعليك أن تؤويني وتطعمني وتسقيني .. قال : فهيا إلي، فإن ذلك واجب علي، فأخذني معه إلى أقاربه في الصعيد، وتكفل بشؤوني وألزمني السير الحميد، فوالدي اسمه حامد وإن كانت الناس بعد تدعوني بهاشم الذي رباني، وكفلني وآواني، وتعلمت بعد القرآن الكريم بقراءاته، وخضت بحر تحريراته، حتى صرت يشار إلي بالبنان، ويقال هذا مقرئ القرآن، فهذا جواب سؤالك، نجانا الله وإياك من المهالك. انتهى كلام الشيخ.

فائدة :

اختلف المؤرخون في السيدة زينب التي في مصر والتي في الشام اختلافا لم يحسم إلى اليوم، والذي نص عليه الشريف النسابة يحيى بن الحسن العقيقي المتوفى سنة 277هـ في كتابه (أخبار الزينبات) أن زينب الكبرى أخت الحسين توفيت بمصر.

كما أفرد شيخنا العارف بالله تعالى السيد الإمام أبو البركات محمد زكي الدين إبراهيم الحسيني الحنفي كتابا سماه (مراقد أهل البيت) حقق فيه أن التي في الشام في قرية راوية هي زينب الصغرى وأن الكبرى هي المدفونة بمصر في مقامها المعروف، والله أعلم.


          

الخميس، 26 أبريل 2012

المقامة الأقطية

المَقامَة الأقِطِيَّة


صورة الأقط

لما قفلت راجعا من عَمَّان، في غابر الزمان - ووجهتي البحرين بلادي، وموطن نشأتي وميلادي - حطت بنا طائرة الراحة الضرورية، في مطار إحدى الإمارات العربية، وفي جعبتي من الزمان، ساعتان، فحدثتني نفسي الأمارة ـ والوقت ميسور ـ بزيارة سوق الإمارة المشهور، وكنت تذكرت صنفا من الأقط بيع في البحرين منذ أمد، تعزى صنعته إلى هذا البلد، فعقدت العزم على ابتياعه، من أهله وصُناعه، فاكتريت سيارة تتدفق في الزحام كالسيل، وتركض ركض الأيل، وفي خلوّ الطريق كالبروق، وإذا هي في خاصرة السوق، فترجلت وتجولت في أمده، إلى أن حللت في كبده، والهواء مضجر حارّ، والعرق مدرار، مع أن سراج السماء منطفئ، ورداء الليل علينا منكفئ ..

ومع أني سرت في السوق مليا، فما رمقت عربيا ! ولم أر في الجامع إلا القليل، من أبناء السودان والنيل، وكلما ذكرت الأقط قالوا، ما سمعنا به قط ومالوا، لأنه إنما تعرفه العرب قوتا وحرزا، ولست أحس منهم من أحد أو أسمع لهم ركزا !! فأنشدت :

فأين السبيل وأين الدليل؟ * وأين الطريق وأين المفر؟

وفي كل السوق عرضه وطوله، لم أحظ بمثوله، ولا ترى إلا بني "راجو" ومن في فلكهم ماجوا، ويؤنسك أن ترى أبناء الإسلام من أهل خير الله، التي يسمونها "كيرلا" وأما العرب فلا إله إلا الله، وسبحان الله، وتذكرت قول القائل:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر

وبينما أكابد قرصات الدقائق وأعاني، وأعالج المرارة من لدغ الثواني، إذا بياض ثياب من بعيد تتلألأ وتلمع، وبأنوار العروبة تنضح وتسطع، وكأني بنور ذلكم الشال، قد طوقه سواد العقال، فهرعت إليه أشتد، ولسان حالي قد أنشد :

يا ناق سيري عنقا فسيحا * إلى سليمان فنستريحا

فلما أتيت سليمان المقام، حييته بتحية الإسلام، فأجاب بالجواب المريح، واللسان الفصيح، فطفقت أشكو إليه انقراض العرب والأعراب، وكأنهم سراب، فلم يتكلم، لكنه تضجر وتألم، وهز رأسه قرفا، كأنه يقول وا أسفا، ثم سألته عن الأقط أين مصطنعه ومشتراه؟ وكيف ألقاه؟ فرفع كلتا يديه وقال:       

((كلام هذا إنتا أنا ما في معلوم)) !

فرجعت القهقرى، وبهت كأني لا أسمع لا أرى، ولم أزد على أن سلمت ومضيت تلفني الأحزان، ويضيق صدري ولا ينطلق اللسان، وعافت نفسي الأقط مما رأيت وسمعت بالمرة، واستشعرت الحسرة، وعدت أدراجي إلى المطار مشدوها، أقول في نفسي : 



يالله ما لهذه البلدة؟ أين أهلوها؟ أين ذهب ناسها، وأصلها وأساسها؟ أهجروا البلاد؟ أأفناهم الجلاد؟ أطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبعد عشر سنين من قصة الأقط الحزين، وبينما كنت أجول في شوارع المنامة، تذكرت قصة الأقط في حسرة وندامة، لا أدري كأن القصة المُرَّة قد رجعت كَرَّة، فأنشدت أقول:

يالنجد وتهامة ** يالأصحاب الشهامة
هذه والله كبرى ** من علامات القيامة
مُسِخَ العُرْبُ هنودا ** نسأل الله السلامة
هذه بومبيْ أو دِلـ ** هيْ، وليست بالمنامة