‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحداث السلمانية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أحداث السلمانية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 24 مارس 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (7)


الحلقة السادسة والأخيرة


يوم الأربعاء 16 مارس

ذكرت فيما مضى أننا خرجنا من مجمع السلمانية ليلة 16 مارس، وذكرت ما شاهدته ليلتها، وأنني لم أشاهد أي قطعة سلاح حربي من نوع الرشاشات والمسدسات وإنما يحملون الأخشاب والقضبان الحديدية ونحوها .. وكان أكثر أولئك الشباب الذين يحرسون البوابات في أعمار طلاب الثانوية أو بداية سني الجامعة، ويبدو على ملابسهم السذاجة وعدم التكلف، بعيدين من الميوعة أو البذاءة، وتلمس فيهم الشهامة والمروءة وروح النجدة، وقد جعلوا همتهم فيما يعتقدونه صوابا ويرونه حسنا، ولا مطمع في إقناعهم بترك ما هم عليه وبعدم جدواه في تلك الظروف، ولم يكونوا يتعرضون لأحد بأذى، وقد رأيت عددا من الأجانب من باكستانيين وهنديين ـ منهم أصحاب لحى كبيرة ـ يمرون بهم فلا يتعرضون لهم بأذى، فهمتهم منصرفة كليا إلى الحذر من رجال الأمن أو عيونهم ولا أرب لهم في غيرهم .. هؤلاء الشباب هم آخر عهدي بالسلمانية تلك الليلة، وكان عددهم قليلا في الجملة ولم أر غيرهم، أعني أن ذلك النوع من الشباب كان مألوفا بالنسبة لي طيلة ترددي على السلمانية، أقول هذا لصلته بما سيأتي بعد قليل.  

أخوف ما نخافه :

بالرغم من أن مداهمة السلمانية باتت وشيكة وشبه مؤكدة لانتشار خبرها، إلا أنني كنت أتمنى ألا يكون ذلك صوابا، وأتوقع على ضعف أمل أن يكون ذلك الخبر من باب التخويف والتحذير فقط، ولو صح الخبر فمع هذا التأخر في الوقت لا أظنهم يأتون في هذه الساعات التي يرتاح فيها المرضى، فالمرجح أنهم يأتون في الصباح، ولكن أخوف شيء في المسألة ـ إذا جاء الأمن ـ هو صدق الإشاعة القائلة بأن المعارضة تختزن السلاح الحربي في السلمانية !! لأن هذه الإشاعة لو صدقت وأن ثم ذخائر وقنابل وأسلحة مخبأة لوقت المواجهة فإن السلمانية ستشهد حربا طاحنة لا ندري كيف ستنتهي وهل ستكتب النجاة لمن في السلمانية من المرضى أم لا ؟ فلك أن تتصور انفجار قنبلة أو حتى زجاجة مولوتوف في أحد أروقة المستشفى نتيجة الملاحقات والاشتباكات وما يستتبع ذلك من تطورات !! ولهذا كنا نتمنى وندعو الله على الدوام أن تكون الإشاعة كاذبة خصوصا أننا إلى تلك الساعات المتأخرة من الليل لم نر في أيدي الشباب غير ما ذكرنا.

وصبحهم رجال الأمن :



إلى الصباح كنت على تواصل مع الأسرة بضرورة موافاتي بأي جديد وأي تحرك غير طبيعي في المجمع، ولما جاء رجال مكافحة الشغب وتواجهوا مع الشباب المتمركز عند البوابات رموهم بمسيلات الدموع فعرف كل من في المجمع أن المواجهات قد بدأت، وهنا اتصل بي الأهل وأخبروني أنهم يسمعون صوت طلقات ـ كانت تلك مسيلات الدموع ـ وانسحب الشباب إلى داخل المجمع، وبقي رجال الشغب عند البوابات يحيطون بها لتأمين الشارع المحيط بالمجمع، ثم جاءت الدبابات والجيش وصار يحيط بالمجمع وتتمركز المدرعات عند المداخل.

وزير الصحة يصل إلى المستشفى :

وفي هذه الأثناء وصل وزير الصحة نزار البحارنة إلى السلمانية لمحاولة إقناع المتجمهرين هناك بالخروج من المجمع سلميا تفاديا للمصادمات، ويبدو أن الوزير نجح في إقناع بعض الشباب بذلك، وأن الشباب تلقوا وعدا بضمان خروجهم بأمان وسلامة إن هم خرجوا، ولكن يبدو أن بعضهم كان غير واثق بهذا الوعد وصمم على البقاء في المجمع أو الفرار بطريقته الخاصة، ودليل ذلك أن بعض الشباب شوهدوا يركضون في أروقة المجمع في صورة من يلوذ بالفرار.

وصولي إلى المجمع من جهة مركز الجوهرة :

بينما كان الوزير لا يزال يحاول مع الشباب بالداخل كنت قد اقتربت من السلمانية نافذا من العدلية، بحيث صرت أشاهد مركز الأميرة الجوهرة، وألاحظ السيارات التي تسبقني وهي تصل إلى منعطف السلمانية ـ إذ تنعطف يسارا ـ ثم تكر راجعة بسرعة، ويبدو من بعيد بعض رجال مكافحة الشغب وهم يشيرون لكل سيارة بالعودة فتدور السيارات وتعود أدراجها، بل يشيرون لكل شخص راجل يقترب فيأمرونه بالابتعاد والعودة، وهذا تسجيل عثرت عليه وهو يوضح الشارع الذي كانت السيارات تنعطف عنده ولا يسمح لها بالمرور فيه إذ كانت قوات الجيش ومدرعاته منتشرة فيه :



يقف في هذا الشارع باص أو اثنين مثل هذا :



وعدد من المدرعات مثل هذه:



والجنود فوق المدرعات وفي الشارع يتمترسون، كما توجد سيارات رباعية الدفع تابعة لقوة الدفاع.

تصرف عاطفي غير محسوب العواقب :

عندما وصلت إلى الإشارة التي عند مركز الجوهرة وانعطفت يمينا بحيث صار مركز الجوهرة على يساري تقدمت شيئا فشيئا، وكان رجال الشغب يتوقعون مني كما فعل غيري أن أنعطف راجعا إذا وصلت إلى المنعطف وشاهدت قوات الجيش والمدرعات، ولكنني لم أتراجع ولم أعد بل واصلت السير يسارا بالسيارة ببطء باتجاه الجنود، ولما لاحظني الجنود صاروا يشيرون إلي بحزم لأتراجع، ولكنني تقدمت فجلس مجموعة منهم في وضع إطلاق النار وصاروا يصيحون علي بالتوقف فتوقفت وفتحت باب السيارة ببطء فصاروا يصيحون علي ألا أفتح الباب، فأخرجت كلتا يدي من فرجة الباب قبل فتحه كاملا ليروا أني مجرد من أي سلاح، ثم دفعت الباب بكتفي ونهضت واقفا خارج السيارة وتقدمت نحوهم فصاحوا علي بالتوقف وهم يتراجعون إلى الوراء فوقفت، وقد عم الاضطراب في الجنود والتفتوا كلهم نحوي حتى أن بعضهم مشى ليكون خلف الباص وبعضهم مشى ليكون خلف المدرعة ـ كانوا يخشون أن تكون عملية انتحارية أو شيئا من هذا القبيل ـ
ثم صاح بي أحدهم : ماذا تريد؟؟
فقلت له : إن أسرتي بالداخل ولن أتراجع حتى أتحدث إليكم.
فقال لي : قف مكانك ولا تتحرك.

حوار مباشر مع قائد المجموعة :

أخبروا قائدهم ـ وكان في سيارة رباعية الدفع ـ فنزل من السيارة رجل ضخم في بزة تشبه هذه الصورة مع اختلاف يسير :

    

فاتجه نحوي بكل حذر حاملا سلاحه في صورة مهابة ـ يصحبه جندي آخر عن يمينه متأخر عنه قليلا ـ لا يبدو منهما غير موضع العينين، ثم جرى بيني وبينه هذا الحوار بمعناه :

قال لي : ماذا تريد؟ (اللهجة بحرينية)
قلت له : هل تنوون الاحتراب معهم في المجمع الآن حال وجود الأسر والمرضى ؟!!! (اطمئنان متبادل)

قال لي : نحن لدينا أمر بإنهاء المسألة فإذا لم يخرجوا فسوف نقتحم عليهم !

قلت له : لكن هذا الاقتحام في حال كان لديهم أسلحة ـ كما يقال ولا أراه صحيحا ـ أو استعملوا المولوتوف قد يؤدي إلى دمار المجمع وأذية الناس!

فتكلم صاحبه الذي عن يمينه قائلا : أنتم ما أتى بكم إلى السلمانية في هذه الظروف؟ (اللهجة محرقية ظريفة)
قلت له : هل يوجد عاقل يجلب المشاكل لنفسه؟ كان الوضع مقبولا ولم نكن نتوقع أن الأمر سيتطور إلى هذا الحد، كما أن هذا السؤال يجب أن يوجه إلى الحكومة التي اضطرتنا إلى هذا الحال.
فأجاب : ألم يفتحوا مستشفى الملك حمد؟
فقلت له : فتحوها متأخرة ولا نعلم إذا كانت مجهزة أو غير مجهزة.

ثم قلت للقائد : دعني أدخل لأخرج الأسرة قبل حدوث أي شيء.

قال : لا يمكنني أن أدعك تدخل الآن لأن الوضع الآن غير آمن أبدا.

قلت له : لقد كنت أدخل في الأيام الماضية وصرت مألوفا لديهم وأنا واثق من أنني سأدخل وأخرج بسلام، كما أن أكثرهم من الصبيان والشباب الصغار وليس لديهم إلا الأخشاب والقضبان فلا يستدعي الأمر كل هذا.

قال لي : لا، إن الذين هم في المجمع الآن غير من رأيتهم بالأمس، إنهم أناس مختلفون تماما !!!! (أقلقتني هذه الكلمة منه وإن لم أقتنع بها) فسكت.

ثم قال لي : في أسوأ الأحوال لن يصل الأذى إلى الطابق الثالث فضلا عن الرابع، والوزير الآن بالداخل يتفاهم معهم ليخرجوا بالطيب وقل إن شاء الله يخرجون باللين والتفاهم.

وقال : نحن حتى الآن لم نتدخل وإن شاء الله لا نتدخل، وصدقني يا شيخ إن هؤلاء الذين بالداخل برغم كل ما فعلوه وما قالوه إلا أننا حريصون ألا يصاب أحد منهم بأقل شيء من الأذى قدر المستطاع، وعلى كل حال أنا أطمئنك أننا نتصرف على أساس أن من يرقدون في المجمع هم إخواننا وأخواتنا، وتوقعاتنا أن المشكلة تنتهي خلال ساعتين ويخرجون. (الكلام يبعث الطمأنينة)

ثم طلب مني الانتظار قليلا فانتظرت في السيارة فتكلم بالهاتف ثم جاءني فجلس عند نافذة السيارة في لطف شديد وتواضع وأعاد علي بعض ما قاله عن الوضع ومحاولة الوزير ثم طلب مني أن أعود إليه بعد نحو ساعة وزودني برقم هاتفه الخاص.

عندها تراجعت إلى الوراء بقرب مسجد الإمام أحمد بن حنبل، بحيث أراقب الوضع.

أمضيت مجمل الوقت في التحدث إلى الأسرة حول شؤون مختلفة لرفع المعنويات وبث روح التفاؤل، وكان الاتصال ينقطع في بعض الأحيان ..

موقف مريح من جندي ظريف :

وبعد أقل من ساعة استعجلت الفرج وتحركت بالسيارة إلى حيث الجنود وانعطفت كما فعلت سابقا، لم يكن القائد موجودا، لكن كان صاحبه المذكور سابقا واقفا هناك، فلما رآني قال لي : ها الشيخ؟ فقلت له : ما صار شيء ؟؟
فقال : عاد الشيخ عطونا وكت خل انتفاهم وياهم ! (ثم وضع إحدى يديه على الأخرى متكتفا كما يفعل التلاميذ) وهز كتفيه ورأسه قائلا : تبي نقتحم عليهم؟ ها؟ تبي نقتحم عليهم؟؟ إذا تبي نقتحم عليهم قول !!!!! (أضحكني وكنت مهموما) فقلت له : بالعكس تماما، بل هذه الروح الإنسانية والتؤدة واللين في معالجة الأمر هو ما نحتاجه بالضبط وخذوا كل الوقت في هذا الاتجاه الصحيح .. وانصرفت عائدا إلى حيث كنت عند مسجد الإمام أحمد بن حنبل.

[شكر وتقدير] :

أجدني هنا مضطرا للاعتراف بأن هذه القوة بقائدها هذا ومن معه أثبتوا لي بما لا يدع مجالا للشك أنهم شرفاء ونبلاء وأنهم يحتاطون للدماء إلى أقصى حد ممكن فلهم مني كل تحية.

سحابة سوداء تنبعث من المجمع :

بعد مدة انبعثت سحابة سوداء ضخمة من المجمع لا أدري سببها، ولكن الدخان المنبعث غطى المجمع شيئا فشيئا وتسلل عبر أجهزة التكييف إلى داخل المجمع مما حدا بالمسؤولين إلى إغلاق المكيفات ونقل الأطفال إلى الغرف الخاصة .. وبالتواصل مع قائد الجنود أكد لنا أن ذلك لن يتكرر وأن الهواء الآن يبعد السحابة عن المجمع وأن بوادر انفراج تبدو .. وهذه صورة السحابة والتي التقطتها في الساعة 10.58 دقيقة ضحى:



الاتصال بالصددي :

لاحت لي فكرة الاتصال بعلي حسن الصددي والذي كان رئيس اللجنة التنظيمية للتأكد من الوضع وإسداء النصيحة الضرورية، فاتصلت به وجرى بيننا بعد السلام ما معناه :



قلت له: أرجو أن تكونوا وجميع من في المجمع بخير؟
فقال: نعم الكل بخير.
فقلت له : يا علي ربما لا ترى ما أراه الآن وأنا خارج المجمع، هناك مصفحات وجنود مدججون بالسلاح، فإياكم والمغامرة بأنفسكم.
فقال: يا أستاذ نحن مسالمون تماما ونجلس على الأرض وليس لدينا أي نية للمقاومة أو فعل أي شيء غير ما يأمروننا به.
فقلت له : هل معنى هذا أن كل شيء انتهى وأنه لا توجد مواجهات؟
فقال : نعم كل شيء هادئ وساكن تماما.
ثم تحدثنا في شيء لا حاجة إلى ذكره هنا، ويبدو من خلال كلامي مع الصددي أنهم تحاجزوا فقط ولم يختلطوا برجال الأمن بعد وإلا ما تمكن الصددي من الرد على الهاتف.

بعض الشباب يخرجون بسياراتهم من المجمع :

شاهدت بعض السيارات التي كانت في الموقف تخرج من المجمع وحدثني بعض من كان هناك ذلك الوقت أنهم شاهدوا سيارات مدنية تخرج مسرعة من المجمع، لكن يبدو أن البعض الآخر قرر الفرار بطريقته وبعضهم قرر البقاء في المجمع.

وقد علمنا فيما بعد أن وزير الصحة استقال احتجاجا على إصرار رجال الأمن على اقتحام مبنى المجمع ودخوله.

الإذن بالدخول على مسؤوليتي :

بعد صلاة الظهر أجريت مكالمة مع القائد المذكور فطلب مني الحضور، فلما وصلت إليه جاء إلي وكلمني قائلا ما معناه :
نحن لا نعرف كيف هي الأوضاع الآن بالداخل تماما، رجال الأمن يسيطرون على المبنى من الخارج، وأما بالداخل فلا ندري ما هي الأوضاع، فإذا كنت مصرا على الدخول فذلك يكون على مسؤوليتك الشخصية !
قبلت ذلك، فقام بالتحدث عبر الهاتف إلى أحدهم يخبرهم ببياناتي الشخصية ومواصفات معينة عني وعن السيارة ثم طلب مني التقدم ببطء (وبدا لي من خلال هذه الإجراءات أنني أول من يدخل السلمانية من المدنيين بعد هذه الأحداث) فتقدمت بسيارتي في الشارع المذكور أتخطى الحواجز والمدرعات، وأنا أشاهد السيارات المدنية على جوانب الطريق تم تفتيشها وفتحها بحيث ألحق ذلك أضرارا واضحة بزجاج السيارات وبعض الأبواب، وقد شاهدت إحداها وكأن مدرعة مشت على عجلتها الأمامية ..
   
أشاروا إلي بالدخول من البوابة (6) وبمجرد عبور سور البوابة وإذا بي كأني في صحراء، هدوء شديد، وصمت عجيب، فتقدمت إلى أن وقفت بالسيارة قرب بوابة طوارئ الولادة ونزلنا .. وكان هناك شرطي فأرشدنا إلى السير للدخول من البوابة الرئيسية للطوارئ جهة اليمين ..

عند بوابة الطوارئ :





لما وصلت إلى البوابة شاهدت أعدادا من رجال الأمن في الساحة المقابلة لبوابة الطوارئ، منهم الواقف ومنهم الجالس ومعهم مجموعة من الكلاب، وكانت بقايا الأدخنة منتشرة تملأ المكان ويتطاير في الهواء سخام أسود، وقد تم تفكيك كل الخيام وتسويتها بالأرض وقد عمت الفوضى المواقف لكثرة المخلفات .. وعندما اقتربت من البوابة كانت مفتوحة ومن الداخل يجلس يمينا ويسارا مجموعات من الأطباء والممرضين رجالا ونساء، ألقيت عليهم التحية، وقد شعرت بنظراتهم الغريبة نحوي وهم يشاهدون شخصا يدخل ويلقي التحية وكأن شيئا لم يكن، وواصلت طريقي في هدوء تام وفي الطريق كنت أنظر يمينا ويسارا وعلى اليمين شاهدت غرفة واسعة يتمدد فيها مجموعة من الشباب على الأسرة ! وكانوا ينظرون إلي فلما نظرت إليهم امتلأ قلبي هما وحزنا عليهم وتمنيت لهم السلامة، إنهم نفس الشباب ونفس الملابس وليس كما ظن القائد أنهم كائنات مختلفة وجديدة وخطرة !! ثم وصلت إلى المصعد ثم إلى الطابق الرابع في هدوء تام، ولم ألاحظ في خط سيري كله من يحمل سلاحا أو يتحفز لمكروه، بل كانت المستشفى كأنها خالية منهم، وهو يؤكد ما توقعته، فلما دخلت قسم الولادة أخذتني الأنظار، وطلبت من المكتب الأوراق الخاصة بنا للخروج فورا، فلما سمعني بعض الشباب ـ وكانوا مع عائلاتهم ـ واطمأنوا إلى أنني مدني جاؤوني يتحدثون إلي يسألونني كيف دخلت وكيف سأخرج ويذكرون لي ما حدث لهم وكانوا في غاية الخوف والقلق، وكنت أتمنى لو استطعت أن أخرجهم معي ولكن ما باليد حيلة، وكل ما أمكنني قوله تسلية لهم أنني شاهدت مجموعة من الشباب يخرجون ـ سمحوا لهم ـ فإن شاء الله يحصل فرج وتنتهي الأمور على خير، ثم أخذت الأمتعة والمستلزمات ومشينا مع الأهل تساعدنا إحدى الممرضات.
وهنا أذكر أن مجلة مرآة البحرين الألكترونية كانت نشرت مذكرة حول أحداث السلمانية بقلم أحدهم، وقد ذكر الكاتب أنه شاهد عائلة جيء بهم على أساس أنهم رهائن !! فإن كان هذا الكاتب يقصدنا فقد أشكل عليه الأمر وتوهم ما لا حقيقة له، ولم نشاهد ذلك الوقت أي كاميرات تصوير، ولم نلاحظ الإشارة إلينا من قريب أو بعيد في أي وسيلة إعلامية على أننا رهائن ولو شاهدت شيئا من ذلك لرددته وأنكرته في وقته، فلعل الكاتب يقصد غيرنا ممن دخل بعدنا، والله أعلم.

حملنا أمتعتنا وما نحتاج إليه، ومعنا الطفل تحمله ممرضة تساعدنا، وخرجنا من السلمانية حسب إرشاد رجال الأمن من البوابة (5) وتجاوزنا المدرعات، وعندها اتصلت بالقائد أشكره إذ يسر الأمر ولم يعسره، وأشهد هنا أنني لم ألاحظ وجودا لما يسمى بدرع الجزيرة في تلك القوات، بل كانوا مواطنين بحرينيين أصليين أو من أصول عربية، وما راج من أن درع الجزيرة كان مشاركا فغير صحيح من خلال مشاهدتي، وهكذا أخذنا طريقنا إلى البيت والحمد لله رب العالمين.



الخاتمة

يقول تعالى : ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10))) سورة الحجرات.

هذه الآية الكريمة والتي قبلها تحدثت عن القتال بين المسلمين، والذي كان أكثره بسبب الخروج على الحكام ونقض بيعتهم وطاعتهم، وقد تعرض علماء التفسير لهذه الحالة في كتبهم، كما بوب علماء الفقه الإسلامي لهذه الحالة في كتب الفقه بابا خاصا سموه بباب (البغي) وبينوا الأحكام الإسلامية المتعلقة به، وما حدث في البحرين في فبراير ومارس من سنة 2011م هو من هذا الباب، والأحكام الإسلامية في هذه المسألة في غاية العدالة والإنصاف والرحمة للجانبين المحتربين من المسلمين، وقد اعتبر الفقه الإسلامي هذه الحالة بحالة فتنة يجب على المسلمين العودة منها إلى رشدهم والمصالحة ثانية وإزالة أسباب الفتنة من جذورها .. وقد شرحنا جملة من أحكام هذه المسألة في مدونتنا بعنوان (رد السنة والشيعة إلى سماحة أحكام الشريعة) وعلى من تابع حلقاتنا أن يقرأ هذا المقال بعد الفراغ من هذه الخاتمة.

وبالرغم من أن الفبركات الإعلامية تم استعمالها في الحروب الإسلامية إلا أنه وبعد الحرب لم يحاسب أحد على ذلك، إن الفقه الإسلامي يرفع الحرج عن المخادعة في الحرب بناء على اعتقاد كل طرف أنه على الحق وأنه يشرع له المشي على قاعدة (الحرب خدعة) وهي قاعدة مسلمة سياسيا قبل الإسلام، كما هي مسلمة في الفقه الإسلامي السني والشيعي ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إلا أنه وللأسف الشديد تختلف أحكام هذه المسائل في القوانين الوضعية المعمول بها في كثير من الدول والممالك الإسلامية اليوم اختلافا جذريا عنها في الشريعة الإسلامية فتتسم في الوضعية منها بالشدة والعنف والتناقض وبث روح الانتقام، بحيث إذا انتصر الثائرون نسبوا إخوانهم إلى الخيانة وفتكوا بهم بنصوص القوانين الوضعية، وإذا انتصر الطرف الآخر نسب الثائرين عليه إلى الخيانة وفتك بهم بناء على النصوص الوضعية .. وهذا ما انجر إليه أكثر الناس في البحرين .. وتركوا أحكام الشريعة وراء ظهورهم.

إن هذه الحالة تكررت كثيرا في التاريخ وكان لها صدى واسع في التاريخ الإسلامي، وما حرب الجمل وصفين وحروراء إلا أمثلة لهذه الحركات والحالة، إلا أن حالة البحرين تعتبر مثالية إذا ما قورنت بتلك التي ذهب ضحيتها آلاف من المسلمين .. فليس علينا أن نلوم أنفسنا لظهور مثل هذه الحالة في البحرين فلسنا خيرا من جيل الصحابة الذي مضى .. ولكن جيل الصحابة عالج المسألة إسلاميا فلم يصف أي طرف منهم الآخر بالخيانة أو العمالة أو الكفر أو غير ذلك، وكان أكبر وصف أنهم "إخواننا بغوا علينا" ومن أعدل الأوصاف قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على الحق، ورأوا أنهم على الحق" ..

إن كثيرا ممن واجهتهم من أفراد المعارضة أو الأطباء أو رجال الأمن كانوا نبلاء وفيهم رحمة وإنسانية ونجدة ومروءة وشهامة، وأكثر الأخطاء والتجاوزات تقع من أناس قلة ضعيفة الأخلاق رقيقة التدين، ولكن تبقى المشكلة في التعميم على الناس ورميهم كلهم بصفة السيء منهم وهذا ليس من العدل والإنصاف في شيء.

إن المعارضة في البحرين كانت بحسب الاصطلاح الفقهي حركة بغي سلمية غالبا بمعنى أنها لم تحمل السلاح الحربي المعروف، ولم تصل الحالة عندنا إلى ما كان في حرب الجمل وصفين .. وإن إقحام السلمانية في نشاطاتهم السياسية كانت خطوة فاشلة وغير محسوبة، وقد أتت بنتائج سيئة للمعارضة، وبقية الأحكام تؤخذ من مقالنا سابق الذكر (رد السنة والشيعة ..) ..

وفي ختام هذه الخاتمة أجدني مضطرا لاحترام شخصيات كثيرة لكني أخص هنا بعضها فأبعث التحية لأطباء وطبيبات السلمانية الشرفاء الذين لم يميزوا في العلاج بين هذا ولا ذاك ولم تمنعهم السياسة من أداء واجبهم ولم يتعرضوا لمريض بسوء من قول أو فعل فأهدي لهم التحية مجددا، وأخص من بينهم قسم الولادة بكل إجلال وإكبار واحترام، وبالرغم من اختلافي مع المعارضة فكريا وسياسيا وتخطئتي لهم في كثير مما أتوه لكنني أسجل هنا احترامي لمثل علي حسن الصددي إنسانا نبيلا ومسالما، وأشهد أنه كان يبذل ما في وسعه للحفاظ على السلم ولجم طيش الشباب، كما أهدي التحية والسلام لقائد القوة المكلفة بالسيطرة على السلمانية ولصاحبه الظريف ولكل من كان على مثل أخلاقهم النبيلة وشهامتهم وأستبعد كل الاستبعاد أن يكون مثلهم يرتكب ما ينسب إليهم من الإهانة والتعذيب وأتصور أن ذلك يكون ـ إن حدث ـ من غيرهم لا منهم، ولو جاز لي اختيار من يستحق التكريم في مثل تلك الأحداث لاخترت هذا القائد المتواضع والواقف عند حدود الله.

هذا وليس كل ما عرفته قلته، بل قد تركنا بعض التفاصيل التي لا حاجة إليها، وأصحابها يعرفون ذلك، كما أن ما كتبته قد يحتاج إلى تصحيح لأني أكتب مرتجلا فقد أكون قدمت أو أخرت ولي عودة للتصحيح إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهت الحلقات.



السبت، 17 مارس 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (6)


الحلقة الخامسة


يوم الثلاثاء 15 مارس

يوم الثلاثاء وما أدراك ما يوم الثلاثاء ! يوم تتكشف فيه الحقائق وتظهر، ويبدو فيه ما كان استتر، والحمد لله على ما قضى وقدر، وما شاء فيه وأراد وأمر ..

أما صباح هذا اليوم فهو أكثر هدوءا، وأشد صفاء، دخلت فيه إلى المجمع كما أدخل كل يوم، ووقفت كما أقف عادة، وتجولت فيه قليلا فلم أر ما يستدعي العساكر والدساكر، ولكن الناس انقطعت عن المجمع لهول ما تصغي إليه وبشاعة ما تسمع.

زيارة السلمانية مع بعض الزملاء :

وقبيل العصر جمعني الزمان ببعض الإخوان فسألوني عن أحوالي، فلما ذكرت لهم انشغالي وترددي إلى السلمانية عجبوا واستغربوا وسألوني كيف أصل إليه وهو محتل؟ وأهل السنة فيه تخطف وتعقل؟! فأجبتهم بالنفي لكثير مما يشاع ويذاع، وسألتهم الصحبة إلى المجمع، ليعاينوا بأنفسهم، فما راء كمن سمعا، فذهبوا معي إليه ـ وأعانوا على حمل بعض الأمتعة والطعام لنهديه لعاملات الجناح بمناسبة سلامة الأهل والمولود ـ فدخلنا وخرجنا ولا إشكال ولا تعرض أحد لنا بمقال .. اللهم إلا ساعة خرجنا من المجمع إلى الشارع عند بوابة (6) فإذا بشاب يقود سيارته أقرع الرأس والأخلاق، يمر بنا ملتفتا إلينا، فلما رأى هيأتنا ـ أي أننا من أهل السنة والجماعة ـ نظر إلينا نظرة الحماقة والرقاعة، قائلا بزمارة سيارته: (تن تن تتن) !! أراد بذلك أن يغيظنا، وهذا من جملة الاستفزاز الذي لا يليق بدعاة الحرية والعدالة .. فنظر بعضنا إلى بعض فقلت لهم : هل ترون هذا المقدار من الأذى خارج المجمع يساوي ما تسمعون عن داخله؟ قالوا : اللهم لا .
وإلا فلم نر في المجمع ذلك الوقت شيئا يعكر الخاطر أو يكدر البال، ولم يظهر أن ثم تجمعا أو حشدا أيضا في ناحية الطوارئ.

نعم كان الهدوء والقرار ولكنه الذي يليه الإعصار ..

 كلمتي بالأمس تختفي اليوم :

وفي الصباح وعند الظهر وقبيل العصر حاولت أن أجد أثرا للكلمة، ولكن لا أثر أبدا ! وهذا عجيب، فقد كنت أظن أنهم أحرص الناس على نشرها لما ذكرنا فيها من هدوء المجمع وبطلان كثير مما يشاع عنه، بل إني أقطع أن كثيرا من الأطباء والعاملين كانوا يبادلونني الشعور نفسه أي أنهم يرغبون أشد الرغبة في توضيح صورة السلمانية الحقيقية قبل أن تقع الفأس في الرأس، وقد كان النشر ميسورا بطرق كثيرة لا تخفى على طلاب المدارس فضلا عن لجان منظمة إعلاميا !! لا يقال بأن كتمانها هو من باب الحماية لنا والخوف علينا لأنهم كانوا ينشرون كلمات كثيرة وكانوا يصورون ويسجلون، ولو أرادوا كتمان ذلك لما سجلوا وصوروا أصلا، ولكني لم أعرف بعد السبب الحقيقي لامتناعهم من نشرها إلا ما سبق أن ذكرته ظنا وتخمينا، وقلت لعل عارضا منعهم من نشرها الآن وينوون ذلك في الساعات المقبلة، وكان الرأي أن أسألهم لاحقا عن الكلمة ولكن الأحداث التي جدَّت أنستنا ما كان قبلها، وسبحان من لا يضل ولا ينسى.

 أخطر إشاعتين في تقديري :

أخطر شيء راج كثيرا ذلك اليوم هو الأسلحة المخبأة، والرهائن المعتقلون .. فمن السهل جدا أن ندرك صدق أو كذب الكلام على التفتيش والفرز والتمييز الظاهر لأننا كنا سنرى ذلك لو كان موجودا فهو عند الأبواب والمداخل، ولكن التأكد من عدم وجود أسلحة مخبأة أو عدم وجود رهائن أبدا في المجمع كله لا يمكن إلا بتفتيش كل ركن وزاوية من المجمع الضخم ! وهذا صعب وعسر جدا .. فبقي لدينا قلق شديد من احتمال صدق هذه الإشاعة، لا سيما مع وجود الشباب الطائش والمندفع الذي تصعب السيطرة عليه، وكنا نرجو على الدوام أن تكون هذه الإشاعة من جنس ما سبقها مما نفاه الوزير والنائب وما نفيناه نحن أيضا ..

الراصد وطبول الحرب :

بحلول المساء وقبل أن أتهيأ للذهاب للسلمانية كرة أخرى كنت أتتبع الأخبار، وإذا ببرنامج الراصد قد تخصص الليلة في شؤون السلمانية ! وبمجرد أن بدأ البرنامج وشرع الحاضرون والمتصلون بالكلام لمست نبرة التصعيد الجديدة !! حاولت الاتصال بهم لكن دون جدوى ! فلم يزل يتفاقم الأمر حتى وصل البرنامج إلى الحديث عن الرهائن والأسرى ثم اتصلت امرأة تستصرخ الملك (لإنقاذ أهل السنة في مستشفى السلمانية ) !!! وتزعم أنهم سيقتلون الممرضات السنة ! وتلاها رجل ينادي (وامعتصماه)!!!:



فأحسست كأن طبول الحرب تقرع على رأسي وتنفخ أبواقها في أذني، وضاقت علي الدنيا بما رحبت فلم أستطع أن أضبط نفسي فنهضت مسرعا وركبت سيارتي منطلقا إلى السلمانية التي تركتها هادئة قبل نحو ساعتين ..

خرج الأمر من أيدينا :

لما أيست من التقاط خط تلفزيون البحرين هذه المرة خطرت لي فكرة الاستعانة بشخصين يمكنهما التحدث إلى أي مسؤول كبير في الدولة، فاتصلت بأولهما وشرحت له الوضع فتعجب وتحير ثم كان جوابه أن قال: (ماذا أقول لك؟) ولم يقل شيئا !
وأما الآخر فشرحت له الوضع وذكرت له حاجتي إلى واحد من شيئين فقط:
إما أن يتحدث نفسه إلى مسؤول الإعلام طالبا منه تخفيف الوطأة على السلمانية وأن يتبين الأمر جيدا قبل أن يهلكنا هناك.
وإما أن يفسح لي المجال ويمكنني من الخط لأتحدث نفسي إلى برنامج الراصد فورا.
ولكن كان جوابه (لقد خرج الأمر من أيدينا) لا نستطيع أن نفعل شيئا الآن، فقد دخل درع الجزيرة واستلم زمام الأمور !
وهكذا قطعت جهيزة قول كل خطيب، وكان علي أن أتوجه إلى قسم الطوارئ فورا للتأكد من مسألة الرهائن.
ولو أنني تمكنت من التواصل مع تلفزيون البحرين لعرضت عليهم أن أكون مراسلا لهم تلك الليلة على الهواء مباشرة وأن أدخل إلى أي مكان شاؤوا للتأكد من مسألة الرهائن هذه وغيرها مما يمكن أن يساهم في طمأنة الناس، ولكن مشيئة الله غالبة.

خطاب وهتافات في السلمانية :

وصلت إلى المجمع هذه المرة نافذا من العدلية، ودخلت من جهة مركز الأميرة الجوهرة ولأول مرة أفاجأ بشباب في أيديهم الهراوات والعصي يقفون هناك قبالة الموقف الكبير! لم أسألهم عن سبب وجودهم ولكن يبدو أن ثم خطابا يلقى عند الطوارئ وهتافات وهم كانوا يوجهون من يقصد هذا التجمهر إلى الوقوف في الموقف الكبير المقابل لمركز الجوهرة ..

ويظهر أن من يخطب فيهم هذه المرة لم يكن يفكر مثل المقداد، لأن المقداد كان يرشدهم إلى الهدوء والسكون ويأمرهم بالذهاب إلى الدوار وترك السلمانية، وأما هؤلاء فكانوا يرددون هتافات بصوت عال بين الحين والآخر مستمرين في برنامجهم داخل السلمانية !

إلى قسم الطوارئ :

لم أتوجه إلى قسم الطوارئ الرئيسي حيث التجمهر، بل سلكت طريقا آخر يوصلني إلى طريقي المعتاد ودخلت إلى قسم الطوارئ من بوابة الولادة، واقتحمت المكان على الطاقم هناك وأنا في غاية الأسف والانزعاج، فاجتمع بعضهم حولي مبادرين بالقول: هل سمعت ما يقولونه عنا يا أستاذ؟ أنحن نحتجز رهائن ونريد قتلهم؟! قلت لهم فما قولكم أنتم؟ قالوا : كل هذا كذب وافتراء علينا ونحن لا نفعل ذلك وهذه السلمانية مفتوحة لمن شاء أن يرى ويشاهد !! قلت لهم: فلماذا لا تتصلون بهم لتبينوا لهم ذلك؟ قالوا : لا يسمحون لنا بذلك.

صعدت إلى قسم الولادة وأنا محتار في أمري من أصدق ومن أكذب! وبالرغم من أن الأخبار لا تصل إلى الأسرة عبر التلفاز إلا أن بعض ضعفاء العقول من المتصلين كانوا ينقلون إلى المرضى بداخل السلمانية ما يسمعونه في الإعلام ! بحيث انتشر القلق والتشوش، ولهذا أمرت الأهل بعدم الرد على أي اتصال إلا أن يكون مني شخصيا.

وزير الصحة يتصل بتلفزيون البحرين :

علمت فيما بعد أن وزير الصحة كان اتصل على برنامج الراصد وأوضح الأمور ووضع النقاط على الحروف واستبشر الحاضرون والناس خيرا بكلامه ولكن يبدو أن الوقت قد فات وهذه كلمته:



الإمساك بمصورين في الطوارئ :

خرجت مجددا لإحضار الطعام الضروري، لم يكن هذا اليوم كسائر الأيام بل يبدو أن شيئا ما يحدث لا ندري ما هو، وبينما كنت خارج المستشفى تسلل خبر إلى الناس بداخله أن المتجمهرين أمسكوا ببعض رجال الأمن !! وهذه إن صحت فهي مصيبة تضاف إلى الوضع المتفاقم أصلا ..

التواصل مع اللجنة التنظيمية:

اتصلت بعلي حسن الصددي لأعرف منه حقيقة ما يدور، وجرى بيني وبينه الحوار التالي بمعناه :



سألته عما يجري وعن حقيقة الرهائن، فأنكر ذلك وذكر أنهم يمسكون فقط برجلين كانا يصوران دون تصريح، لأن كل مصور عندهم معروف لديهم أنه يصور لهذه القناة أو تلك الجريدة أو المجلة، وهذان الرجلان لا ينتميان إلى أي شيء من ذلك، وما عندهم من الصور يدل على أنهما يعملان لحساب الأمن !
فقلت له : على فرض أنهما من رجال الأمن ـ وهما ينكران ذلك ـ فما المشكلة في أنهما يصوران مادمتم لا ترتكبون خطأ من وجهة نظركم؟ فأجاب بأننا وإن كنا لا نفعل الخطأ لكننا لا نعرف كيف سينظر الطرف الآخر إلى هذه الصور وكيف يمكن أن يستغلها ضدنا، ولهذا فهي تشكل خطرا علينا.
قلت له: إن أردت نصيحتي فلا بد من ترك الرجلين حتى لا يتفاقم الأمر أكثر فأكثر فما يقال الآن كاف جدا. فأجاب بأنهم لا ينوون بهم شرا أبدا، ولكن المتجمهرين خصوصا الشباب المندفع ثائرون عليهم ويريدون الفتك بهم ويتهددونهم بالقتل ولهذا لا نستطيع الآن تركهم أمام الأعين لأن هذا سيؤدي حتما إلى هلاكهم أو ضررهم.
قلت له: هذا صحيح فحمايتهم ضرورية ولكن لا بد من الإسراع بتركهم حتى لا تستغل هذه المسألة، ولهذا أقترح عليك وبأسرع وقت أن تقوم بإصعادهم إلى قسم الولادة ليبتعدوا عن بؤرة التوتر وأنا أتكفل بالباقي.

وقد وفى الرجل، فعندما عدت إلى السلمانية وصعدت إلى الطابق الرابع كان ينتظرني معهما، فتركهما معي وذهب، وكانا خائفين أشد الخوف ولا يصدقان أنهما أفلتا من قبضة الموت!

في البداية جلست معهما لطمأنتهما ولأزيل الرعب عنهما وعرفت منهما بعض التفاصيل، ثم قمت بالخروج مع أحدهما من جهة ومع الآخر من جهة أخرى ولم يتعرض لهما أحد، ولكن ياللأسف فقد صارحني أحدهما أنه قام خلسة وهو محبوس في الخيمة بالاتصال بالأمن وطلب نجدتهم وأنه يوشك أن يقتل !!! ولكن رجال الأمن أخبروه بأنهم لا يقدرون الآن حالا على الدخول للسلمانية وأن هذا يحتاج بعض الوقت وأن عليه أن يسايرهم، ولهذا رجوت الأخ المصور هذا أن يتوجه فور خروجه من السلمانية إلى رجال الأمن ليخبرهم بأن المسألة تم حلها وديا وأنه يمكن حل باقي المشاكل كذلك، وقد وعدني الرجل بأن يذهب فورا إلى الأمن لإحاطتهم بالأمر، وقد تأكد لي عبر التواصل بالهاتف أنهما قد خرجا بسلام وأن المصور قد أبلغ رجال الأمن بأنه تم تسوية المسألة.

قلت في نفسي حينها : لو كان هؤلاء المنظمون ينوون شرا من اعتقال وارتهان لأحد لما تركوا هذين الرجلين، أو لكان أقل شيء أن يصيبهما ما أصاب الطالب خالد السردي في جامعة البحرين، ولكني لا أجد تفسيرا لهذا التصرف من الصددي ومن معه إلا أن أكثر الحوادث المؤسفة هي تلك التي يأخذ الزمام فيها مجموعة من الصبيان أو الشباب الطائش دون العقلاء والناضجين من الرجال.

خبر المداهمة يتأكد :

بعد وقت قليل شاع الخبر في كل أرجاء البحرين بأن مداهمة السلمانية وشيكة، خلال ساعات قادمة، وجاءتنا اتصالات من بعض الأقارب بضرورة مغادرة السلمانية، بل طار الخبر إلى لندن فجاءني اتصال من أخي محمد وهو في شيفيلد بضرورة مغادرة السلمانية فورا !!

أذكر حينها أنني اتصلت بالمستشفى العسكري وطلبت منهم إرسال سيارة إسعاف لنقل الأهل، ولكنهم اعتذروا عن ذلك ! وكان اعتذارهم منطقيا في ظل تلك الظروف.

وباستشارة الطبيبة حول إمكانية الخروج الليلة حذرتنا من ذلك وأن الخروج الآن خطر صحيا وليس قبل يوم غد !!

عزاؤنا الوحيد في تلك الأوقات الصعبة التوكل على الله، وأننا لسنا وحدنا بل معنا العديد من العوائل والمرضى الذين ينتظرون المستقبل المجهول ..

عند أسوار السلمانية :

في هذه الأثناء وفي حدود الساعة التاسعة ليلا كانت لي خرجة سريعة لبعض الحاجات ولتقريب السيارة من موقف بوابة (6) فلاحظت أن الأنوار أطفئت في السلمانية عند قسم الطوارئ، واندفع كثير من الشباب المتجمهر إلى سياراتهم يخرجون عائدين إلي بيوتهم أو متجهين إلى الدوار، وبقيت منهم أعداد توزعت على البوابات يحملون الهراوات والأخشاب، وقد شاهدت حينها بعض تلك الأدوات كالمناشير والمناجل وبعض السيوف وقضبان الحديد المستعملة في البناء، في زواية من زوايا بوابة (6) من خارج السور، كما توجد بعض الزجاجات المغطاة بقطع القماش أو الخيش، والمسماة بالملوتوف مسندة إلى الجدار الخارجي للسلمانية وبعضها كان على الأرصفة الخارجية عند الموقف الكبير، ولم أشاهد تلك الليلة أي قطعة سلاح حربي كالبنادق والمسدسات والرشاشات في يد أحد مطلقا، وكنت قلت في نفسي إن كان ثم شيء من ذلك فسيخرج هذه الليلة أو غدا ..
وأظن أنه في هذه الليلة تم سد بعض البوابات بالشاحنات التي تحمل سيارات الإسعاف، كما شرعوا في وضع المتاريس في الطرقات هي عبارة عن حاويات القمامة وبعض الحواجز المعدنية وغيرها .. وعندما سألت بعض هؤلاء الشباب عن سبب هذه الاستعدادات أجابوني بأن (بلطجية النظام) سيهاجمون السلمانية الليلة !!
من خلال محاولتي لاستيعاب ما يدور حولي ترجح لدي أن سبب حراستهم للأبواب كان وجود أعداد من أصحابهم جرحى يرقدون في السلمانية وهم بهذا التصرف ينوون حمايتهم من دخول رجال الأمن للقبض عليهم، والظاهر أنهم كانوا يتوقعون دوريات قليلة يمكن صدها، أو كانوا يعلمون أن مآلهم الفرار لكن الفرار المبكر ليس من المروءة، والله أعلم.

أما خارج أسوار السلمانية فقد عم الظلام والهدوء القاتل إلا من الرياح الذارية للتراب والغبار، وخلت الشوارع المحيطة بالسلمانية وامتد هذا الهدوء والخلو إلى حدود العدلية، وأغلقت المحلات والمتاجر ولا تكاد ترى شيئا منها مفتوحا إلا القليل جدا بقرب شارع الفاتح.

صراع القلب والعقل في جلسة عائلية :

عدت لأتجاوز المتاريس وأصل إلى بوابة (6) داخلا السلمانية، وبعد أن حملق الشباب في ألفوا المنظر فأوسعوا لي لأدخل، وفي الأعلى في غرفتنا الخاصة كان علي أن أختار أحد أمرين الآن:

إما أن أبقى هذه الليلة الصعبة مع أسرتي ـ وهو حكم القلب وقضاؤه ـ وإما أن أخرج تاركا أسرتي في السلمانية ـ وهو حكم العقل ـ عائدا إلى البيت، أما الخيار الأول فهو ما تميل إليه النفس السوية والفطرة الطبيعية، ولكن العقل لا يرى البقاء لأن الأمن إذا دهم السلمانية فسيكون كل من هو داخل أسوار السلمانية من الرجال غير المرضى والأطباء محل شك وريبة ولن يقبل له قول أو يسمع له رأي، وأما لو خرجت فيمكنني من الخارج أن أتصرف، وإذا تحدثت إلى رجال الأمن قادما من الخارج فلعل الأمر يكون أكثر قبولا لديهم هكذا يقول العقل، وهو ما ترجح بإجماع الأسرة، وبعد أن تقدم الليل بسواده واستسلم كل ناعس إلى رقاده وبعد أن بقي على بزوغ الفجر أقل الليل نهضت أنا ووالدتي لنعود إلى البيت بعد تأمين الاتصالات والهواتف اللازمة للتواصل مع باقي الأهل أولا بأول عندما يجد أي جديد .. خرجت من السلمانية والمرارة تملأني والحزن يلفني والله تعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين. (تابع الحلقة السادسة والأخيرة)




  

السبت، 10 مارس 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (5)


الحلقة الرابعة


يوم الاثنين 14 مارس

هذا يوم جديد، أشرقت شمسه على ذكريات أمس المريرة، وهدوء حذر، ومستقبل مجهول لا ندري كيف سيكون، وقد امتزجت لدينا ـ نحن العالقين بالسلمانية ـ مشاعر غريبة، مشاعر من لا ناقة له ولا جمل في أتون حرب إعلامية، توشك أن تصير حقيقة، ولولا شجاعة مبعثها الخوف على أسرتي، يفجرها بين جوانحي أمل استقبال مولود جديد، لولا ذلك لكان بيننا وبين السلمانية طول البحرين وعرضها، والحمد لله على كل حال.
منذ البارحة ورأسي لم يهدأ من التفكير ! والحصيلة التي انتهيت إليها من مراقبة ما يجري في السلمانية وما يقال عنه في الشارع وفي وسائل الإعلام المختلفة الخارجية منها والمحلية أن المسألة مجرد سوء تفاهم وسوء ظن نتيجة الإشاعات التي طفحت على وسائل الإعلام، هكذا كنت أتصور إلى هذا اليوم ـ بسذاجة ـ أن المسألة مجرد سوء فهم لواقع السلمانية.

ويمكن أن نقسم الإشاعات إلى قسمين:

الأول منهما ما يتسرب من أفراد في المعارضة إلى القنوات الخارجية .. تصور السلمانية بمبالغة وكأن استقبال القتلى والجرحى فيها لا يتوقف وأن أنهار الدم تسيل فيها بغزارة، وهذه التصريحات تصب في صالح المعارضة وتشوه الحكومة ـ المستثارة بهذا الصنيع ـ وتشكل ضغطا عليها، وللقارئ أن يلاحظ ما ورد على لسان مقدم برنامج الراصد هنا في الدقيقة (48.30) وهو يلوم مسؤولي السلمانية قائلا:

((عفوا عفوا دكتور، يعني الأزمة، يعني ما كنتو أنتو تشوفون شقاعد يصير من أزمة بشكل أكبر؟ يعني الناس الي أهاليهم موجودين داخل المستشفى وتسمع من خلال بعض الأطباء من داخل مستشفى السلمانية يطلعون على قنوات أخرى خارجية أنه يقولون : مجزرة، وإطلاق نار، وسكرو الكهربا، وإلى آخره كل هالأمور هاذي كلها ومجازر قاعدة تحصل في داخل مستشفى السلمانية، والأهالي مب قادرة أن اهي توصل تشوف أهاليهم وتطمن على أهاليهم، كنا نحتاج أحد يكذب هذا الموضوع ويفند هذا الموضوع من قبل الأطباء الشرفاء الموجودين داخل المستشفى ..)) اهـ.



الثاني منهما ما يتسرب من أفراد في الموالاة إلى وسائل الإعلام المحلية والخارجية .. تصور السلمانية محتلة من قبل كتائب مسلحة وأن أهل السنة لا يمكنهم الاقتراب من السلمانية .. وأن من فيها عبارة عن رهائن !! كما قال ذلك أحد النواب في الإعلام المحلي، وهذه التصريحات تصب في صالح الحكومة وتشوه المعارضة وتشكل ضغطا عليها.

ومن ذلك قول أحد الصحفيين :
((ما حصل في السلمانية أخطر بكثير مما حصل في موقع ''الدوار''. إن كان موقع''الدوار'' تحول إلى مركز لتوجيه الأوامر وتحديد التحركات، فإن مستشفى السلمانية تحول إلى ''موقع محتل'' مورست فيه ممارسات يندى لها الجبين، لم يسبق أن سمعنا بأنها حصلت في أي دولة أخرى، حتى في حالات الحرب)) اهـ.
ويقول : ((تحويل السلمانية لبقعة إرهابية بدرجة مهولة)) اهـ.

إن تصعيد الأمر إلى هذه الدرجة المهولة هو المشكلة في المسألة كلها من الجانبين، وقد نفى وزير الصحة الإشاعات من القسمين، وتلاه تصريح النائب الكوهجي لينفي الإشاعات من الجانبين، ويبدو أن ثم تصريحات أخرى من مجمع السلمانية حاولت نفي الإشاعات كذلك، وللقارئ أن يلاحظ ما ورد على لسان مقدم برنامج الراصد في التسجيل الآنف في الدقيقة (55.50) ففيه أن مسؤول الأزمات والكوارث اتصل بهم لينفي ما يشاع من مبالغات :



قناة البحرين بلا صوت في السلمانية :

مما لا يعلمه كثيرون أن القناة المحلية كانت مقطوعة الصوت في مجمع السلمانية، وقد تأكد لي أن الصوت منقطع من خلال تفحص أكثر من جهاز، مما يدل على أن الأمر مقصود، وأنا شخصيا أحمد الله تعالى على ذلك، فالقنوات المتوفرة ذات الصوت لا تشكل خطرا، لأنها لا تتناول أحداث البحرين أصلا، أو تتناولها بشكل عام دون التركيز على السلمانية، ولكن القناة المحلية بدأت تتكلم عن السلمانية بكلام يتصاعد شيئا فشيئا، بحيث لو كان المرضى يسمعون ما قيل وما سيقال لربما مات بعضهم من الخوف أو تضاعف مرضه من الهلع، فلهذا أعتبر قطع الصوت من الحكمة، وأن من اتخذ هذا القرار قد أصاب.

البيان المشترك لإعادة السلم :

في صباح هذا اليوم نشرت الصحف بيانا مشتركا بين تجمع الوحدة الوطنية والجمعيات السبع، في محاولة لتدارك الأمور قبل انفلاتها تماما، دعت فيه هذه القوى إلى إعادة السلم الأهلي ودعت رجال الأمن إلى الحفاظ على الأمن في جميع مناطق البحرين وأن يمنعوا الصدام بين الأطراف، مشددين على حرمة الدماء والأرواح والأعراض والأموال، كما دعوا إلى إنهاء جميع مظاهر التمييز الطائفي في الخدمات وعدم منع الغير من أداء أعماله ..


كان لهذا البيان وقع حسن في نفسي، وكنت أتمنى لو وزعت هذا البيان في مجمع السلمانية كله.

من العمل إلى السلمانية :

بالأمس ألغيت عمليتنا كما ذكرنا بسبب الظروف واليوم هو البديل، وقد وردني اتصال من السلمانية فهمت منه أن ثم تضاربا بين موعدنا ومواعيد أخرى جديدة !! لن أسمح بذلك هذه المرة، فانطلقت من فوري إلى السلمانية، وبحمد الله أنهينا هذه المشكلة بسرعة، وكانت الطبيبات متعاونات تماما ومتفهمات، وحصلت على وعد بأني أسمع البشارة ظهرا كحد أقصى إن شاء الله تعالى، كان الزمن كأنه يسيل من ثقوب غربال، والأحداث تسرع الخطى، ولا نعلم ما يختبئ في الغيب.

مجمع السلمانية كان في غاية الهدوء هذا الصباح، والبوابة كالعادة، والمدخل خال، والمواقف متاحة، ولكن الحارس الذي ينظم خروج ودخول السيارات في الموقف غير موجود، والسارية مرفوعة، ومن دخل وقف حيث شاء.

في مواقف السيارات مع رئيس لجنة التنظيم :

أمامي وقت كاف لأحضر بعض الحاجات من خارج السلمانية، فخرجت إلى المواقف، وهناك فوجئت بصف من السيارات يقف في وسط المواقف ويسد الطريق على من يريد الخروج، فشرعت ألتفت يمينا وشمالا وأدور حول السيارة التي تعترضني لعل صاحبها يكون قريبا، ومضت دقائق قليلة وأنا أتحرك في الموقف بتذمر، وهكذا بدأت ألفت الأنظار من بعيد، فإذا بشاب من المنظمين ـ يتقلد بطاقة كان يجلس بعيدا ـ لاحظني ثم جاءني وسألني إن كنت أحتاج مساعدة ـ ويبدو أن حركتي كانت مريبة لهم ـ فذكرت له أنني غير قادر على الخروج بسبب اعتراض هذه السيارة، فقال لي: ربما يكون صاحب السيارة موجودا هناك في التجمع عند بوابة الطوارئ سوف أتأكد وأرجع إليك.
فذهب ولكنه غاب لدقائق، ففضلت الاتصال بالمرور وإعطائهم رقم السيارة المعترضة، وبعد بضع دقائق عاد ومعه شاب آخر أكبر سنا منه، كان هذا الشاب الآخر مهذبا للغاية ودمث الأخلاق، وقف أمامي كأنه تلميذ نجيب، واعتذر بلطف عن هذا التعطيل، ودار كلامه على نفي أي علاقة للمنظمين بصاحب هذه السيارة المعترضة، كان مهتما للغاية بنفي أي صلة لهم بصاحب السيارة ! وقد بدا عليه بوضوح حرصه على تحسين صورتهم ونفي ما يقال عنهم ! عرفني بنفسه ولكنني لم أنتبه لما قاله سوى أن اسمه (علي)، وبعد شهور وبمتابعة ما كان يبث من الأفلام عن السلمانية عرفت أن اسمه الكامل (علي حسن الصددي) أحد المحكوم عليهم في قضية الأطباء، وأنه كان يقدم نفسه على أنه (رئيس لجنة التنظيم بالمجمع) :

(اضغط لتكبير الصورة)


وبعيدا عن الاختلافات الفكرية والسياسية بيني وبين الصددي فإنني لا أخفي إعجابي بطريقة تعامله وبأدبه، وكنت أقول في نفسي : هذا لا يبدو عليه الشر والعنف، ولا أكاد أصدق أن يكون ضمن عصابة تميز بين الناس طائفيا أو تأسر أو تأخذ رهائن .. هذا الظاهر والله أعلم بالسرائر ..

أذكر هنا أن الصددي عرض علي خيارين:
الأول أن يقوم أحدهم بتوصيلي في حال كنت مضطرا لهذا.
الثاني أن يرسلوا أحدهم إلى داخل المستشفى للبحث عن صاحب السيارة، وإذا أذنوا له باستعمال الإذاعة الداخلية فقد تنحل المشكلة سريعا.

فضلت الخيار الثاني، وعندها عرض علي الصددي أن أنتظر في ظل إحدى الخيام مؤكدا على أنه لا توجد أي نشاطات جارية هناك الآن.

رؤية الخيام لأول مرة :

وافق هذا العرض منه رغبة لدي في إلقاء نظرة قريبة ـ ولأول مرة ـ على ساحة مدخل الطوارئ الرئيسية، لأرى ما يحدث هناك عن قرب شديد.




كان الوضع قريبا مما ترى في الصورة، والعدد الكلي ليس بكثير، دخلت إلى إحدى هذه الخيام، وكانت مفتوحة الجوانب، ضعيفة الصنع، لها صرير مزعج من تلاعب الرياح بها، وقد اصطف نحو عشرة كراسي بلاستيكية فيها على شكل حدوة حصان، وفي الصدر تلفاز كبير، وعدد الجالسين فيها نحو أربعة، فلما جلست صاروا نحو سبعة، وجلس إلى جواري شيخ معتم، أظن اسمه السيد صالح الموسوي، وكان متواضعا بشوشا، فأخذت أصغي إلى حديثهم وأجيل النظر فيما يحيط بي، وكان جل حديثهم شبه الاعتذار عما يقال عنهم وتأكيدا على أنهم برءاء مما ينسب إليهم من قصد إيذاء الناس ونحو هذا ـ وأنا أصغي لا أتكلم ـ وفي ساحة المواقف توزع عدد قليل من الناس من النساء والرجال، والشباب والكهول والشيوخ، وهم أشكال وألوان، فمن النساء من تلبس العباءة ومنهن المبنطلة حاسرة الرأس، وفيهم مهندمون، ويبدو على جملة منهم أنهم أصحاب شهادات عليا، وبعض أفراد الكادر الطبي الذين يحاكمون اليوم قد رأيتهم هناك ذلك الوقت، وكانوا أوزاعا متفرقين، كل اثنين أو ثلاثة يتجاذبون أطراف الحديث في ناحية، وقد شدني ولفت نظري بعض الرجال الذين يحملون آلات تصوير ضخمة مما يدل على أنهم يتبعون قنوات تلفزيونية، وبعضهم يحملون المتوسط منها، وعندما رأيت هؤلاء سألت المعمم بجواري من هؤلاء؟
فأجاب بأنهم إعلاميون تابعون لقنوات وصحف ..

فرصة قد لا تتكرر :

عندها خطرت لي فكرة التحدث إلى هذه الوسائل الإعلامية، فقد يساعد ذلك في انتشار تأكيد كلام الوزير والنائب، خصوصا أن الوضع لا يحتمل التأخير، والإشاعات تزداد حدتها بتقدم الوقت، وقد جاء نبأ جديد بأن قوات درع الجزيرة ستدخل البحرين أو قد دخلت ! ولا يجوز أن ننتظر حتى تداهمنا هذه القوات في مجمع السلمانية بسبب هذه الإشاعات، أو لأسباب تافهة لا تقتضي ذلك، فقد بات الأمر خطرا وينذر بعواقب وخيمة، فلا بد لي من دور تقتضيه الضرورة الملحة، فوجود أسرتي الآن في المجمع جعله مكانا بالغ الأهمية بالنسبة لي، والمحافظة عليه هادئا أقل ما أقدمه لأسرتي، وقد وزنت الفكرة في ذهني سريعا مستعرضا محاسنها ومساوئها، فطغت محاسنها على مساوئها.

ـ فأول محاسنها بيان الحق والواقع وهو من الواجبات الشرعية وهو من باب شهادة الصدق التي لا يجوز كتمانها.
ـ وثانيها الحفاظ على مجمع السلمانية ـ حيث أسرتي الآن ـ هادئا وآمنا، وهذا أقل ما أقدمه لأسرتي.
ـ تفويت الفرصة على من يريدون تأزيم الوضع وتفاقم الأمور من أي طرف كانوا.
ـ تصديق شهادة الوزير البحارنة والنائب الكوهجي وغيرهما.
ـ تطمين الناس الخائفين من السلمانية حتى لا يحرم المضطر نفسه من العلاج، وهذا أقل ما أقدمه لخدمة المجتمع.
ـ بث الهدوء والطمأنينة بين الموجودين في السلمانية خصوصا إن كان بينهم سنة.
ـ التمكن من القيام بأي دور لاحقا في التهدئة والإصلاح ونزع فتيل التوتر عن طريق نيل ثقة الناس والمعارضة في السلمانية.
ـ الاقتراح بهدوء وروية على المعارضة بإخلاء السلمانية .. إلخ.

وأما المساوئ فمحصورة في ردود أفعال المعارضة أو الموالاة نتيجة سوء فهم موقفنا.

ومع الضرورة التي اقتضاها الظرف ذلك الوقت ومع أن المحاسن في تقديري كانت أكثر، مع ذلك كله فإني تعودت منذ زمن أن أزن الأمور بميزان الشرع ثم لا أبالي بعد بالنتائج، ولهذا ترجح لدي أن أتحدث الآن أمام المتاح من وسائل الإعلام، وأما تلفزيون البحرين فإذا انفتح الخط معي تحدثت إليهم أيضا.

موقف طريف قبل إلقاء الكلمة :

وذلك عندما اتصلت بجناح الولادة وأنا جالس في الخيمة، وسألتهم بصوت مسموع : (هل بدأت العملية؟ .. أخبروني أولا بأول) !!
رفعت رأسي لأرى القوم قد فزعوا، وتغيرت وجوههم! وقال لي الشيخ المعمم : هل هجموا على الدوار؟
فقلت له: لا علم لي بما يحدث في الدوار. هل هاجموه؟
فقال : فعن أي عملية تتحدثون في اتصالكم؟
أدركت هنا اللبس الذي أخافهم فقلت له : أنا كنت أتحدث عن عملية جراحية وليست عملية حربية !! فسري عن القوم وتبسموا وانشرحت صدورهم.

كيف جرى الخطاب والحوار؟ :

حينما عزمت على التحدث رتبت في ذهني جعل محور كلامي وصف مجمع السلمانية وأنه هادئ مستقر، وتبليغ رسالة التجمع والجمعيات السبع في المحافظة على السلم الأهلي، ولم أرتب أي شيء آخر، فتوكلت على الله تعالى وسألت الشيخ المعمم عما إذا كان بإمكاني التحدث إلى هؤلاء الإعلاميين؟
علاه تعجب واستغراب، وقال بالتأكيد ولكن في أي شيء تتكلمون؟ فوضحت له وجهة نظري، وبينت له أنني لن أنتظر ـ وأسرتي في السلمانية ـ إلى أن تتحول السلمانية إلى ساحة حرب.
رحب بالفكرة ودعوا الإعلاميين، فلما جاؤوا تبعهم الواقفون وتجمعوا حول المنصة، ولم يكن مقصودي إلا الإعلاميين لكن بما أن الناس تجمعت فتوقعت أن يكون هناك اعتراض منهم.

اتفقت مع الشيخ المعمم ألا يكون هناك هتافات ضد النظام، فكلامي ليس في هذا الاتجاه، وأن تتسع الصدور لوجهات النظر المختلفة، فضمن الرجل ذلك ووفى به مشكورا، وقد كان هناك شعار سياسي يتدلي أسفل المنصة من جهة الناس لم أره أصلا، لأن دخولي للخيام كان من اتجاه آخر، ووجود الشعارات لا ينبغي أن يمنعني من قول الحق بلا شك. ولقد كانت الأسئلة المرتجلة والإجابات المرتجلة تشكل تحديا بالنسبة لي.

فشرعت في التحدث لدقائق ثم قاطعني بعضهم معترضا ـ كما توقعت ـ أو متسائلا عن بعض كلامي، لأنني كنت أقول ما أره حقا من الناحية الشرعية، وأعلم أن بعض كلامي لن يروق للحاضرين، وامتد الحوار أخذا وردا حتى انقضى من الوقت ما لعله أكثر من (48) دقيقة !!

أهم محاور الكلمة والحوار :

لا يمكنني هنا تذكر كل شيء قلته بعد مضي سنة، ولأنني ارتجلت الفكرة والكلمة ولم يكن ذلك مخططا سلفا لم أقم بتسجيل الكلمة معولا على أنها ستوثق إعلاميا، ولكنني لا أزال أذكر بعض أركان الكلمة :

الركن الأول : التذكير بالأخوة التاريخية والتحذير من الفتنة والتأكيد على هدوء مجمع السلمانية الطبي.

الركن الثاني : التذكير ببيان السلم الأهلي الصادر عن التجمع والجمعيات السياسية.

الركن الثالث : المطالبة بالتعقل وترك المطالب غير المشروعة التي لا تلقى قبولا شعبيا.
قلت هذا ردا على سؤال ما إذا كان من حق المعارضة المطالبة بإسقاط النظام.

الركن الرابع : بيان حرمة المسلم على المسلم وأن المتظاهر الملتزم معصوم الدم، والشرطي موظف مأمور بالدفع لا بالقتل وأنه كذلك معصوم الدم لا يحل الاعتداء عليه، وكل له حده.
قلت هذا ردا على دعوى بعضهم أن الحكومة تأمر الشرطة بقتل الشباب.

الركن الخامس : أن مجمع السلمانية الطبي ليس مكانا للتجمهر وأن هذا التجمهر يخيف الناس خصوصا أهل السنة ويحرمهم من الحضور ويساهم في إذكاء الإشاعات.
قلت هذا رد على سؤال : لماذا لا يأتي السنة إلى السلمانية للتأكد بأنفسهم من كذب الإشاعات؟

هذا ما أذكره الآن من أركان الحوار الذي امتد إلى ما يقرب من 48 دقيقة، وقد حاول أحد الأطباء أن يعرج على موضوع أحداث الجامعة ولكنني اعتذرت بعدم علمي بأحداث الجامعة وأن كلامي منصب على السلمانية فقط.
كما حاول أحد الحضور الهتاف بسقوط الحكومة فأشرت بإسكاته وساعدني الشيخ المعمم فسكت ولم يتكرر بعد هتاف كهذا.

وانتهت الكلمة والحوار مع أذان الظهر فيما أذكر الآن، ونهضت لأمضي فصاحت امرأة أظنها من طبيبات السلمانية وأظنها ضمن الكادر الطبي الذي يحاكم الآن، فصاحت بي فالتفت إليها فقالت :

ـ يا شيخ لماذا لا تقولون هذا الكلام في تلفزيون البحرين؟ .. لماذا لا تبينون في التلفزيون أننا نقوم بواجبنا ولا نميز ولا ولا .. إلخ

ـ فقلت لها : لقد حاولت على مدى اليومين الماضيين أن أتواصل مع تلفزيون البحرين ولكن لم أتمكن من الخط، وأنا أعدكم بتكرار المحاولة، ولكن ما قلته آنفا في كلامي هو الآن مسجل بين أيديكم، وهو بمثابة شهادة مني، إنها كلمة حق لا ينبغي كتمانها، وأنا أطلب منكم أن تقوموا بنشره من الآن وبسرعة وإيصاله إلى كل البحرين.

بعد هذا أهدوا إلي باقات من الورود باسم كذا وكذا .. لا أذكر الجهات المهدية الآن، وقد أحاطوا بي للسلام والتحية والتعبير عن التقدير والاحترام بالرغم من الاختلاف، وطلبوا مني أن أصلي بهم، ولكنني كنت على عجلة من أمري فاعتذرت ثم مضيت، تبعتني مجموعة منهم فيهم جملة من الأطباء ـ والحق أنهم كانوا مضطربين وخائفين ـ فتحدثت معهم حول ما يشاع عنهم فنفوا بشدة وأكدوا كل التأكيد على أنهم لا يميزون وأنهم يقومون بعملهم على أتم وجه، وأن المجمع لم يتعطل وأن كل شيء يجري حسب ما يجب أن يكون عليه.

وعندما وصلنا إلى السيارة كان لا يزال يتبعني مجموعة منهم: (علي الصددي) معبرين عن احترامهم وتقديرهم، وكانت المفاجأة الظريفة أن سيارة أخرى تعترض سيارتي غير الأولى !!

تعاونت المجموعة في حمل السيارة التي بجواري وزحزحوها حتى أفرجوا مكانا كافيا ثم قام (الصددي) بإخراج سيارتي باحتراف، وخرجت من المجمع بسلام.

خرجت وأنا أشعر بالراحة وانشراح الصدر لأنني نصحت وقلت الحق، ولكنني أيضا كنت مستغربا من تعاملهم معي ! فبعد أن تكلمت إليهم وتحاورت واختلفت معهم واعترض بعضهم وتذمر آخرون لم أكن أتوقع أن يلاقوني بكل هذا الاحترام والتقدير الزائد عن الحد، ولهذا كنت مستغربا هذا الأمر وأبحث له عن جواب، هل ظنوا أني مسؤول رسمي كانوا ينتظرون قدومه؟؟ أم أنهم كانوا خائفين مما شاع عنهم وما تم ترويجه ضدهم فهم كالغريق الذي يتعلق بقشة وكنت أنا تلك القشة ذلك الوقت؟ الله أعلم.



جاءتني البشارة بسلامة الأهل والمولود قبيل الساعة الواحدة ظهرا، وقد أمضينا بقية ذلك اليوم مشغولين منصرفين بالكلية إلى أحوال المولود والشؤون الخاصة، ونسيت كل شيء آخر، ونسيت أيضا أمر الكلمة التي كنت ألقيتها والتي لم يبد لها أي أثر في وسائل الإعلام المختلفة بالرغم من مضي ساعات وحلول الظلام !!

وقبل أن أطوي صفحة هذا اليوم لا بد أن أكمل ما يتعلق بالكلمة التي ألقيتها:

الكلمة تختفي تماما ولا أثر لها :

كنت أتوقع أن تنتشر الكلمة عبر الهواتف أو القنوات أو الشبكة العنكبوتبة أو الصحف .. لا سيما أن المقصود كان أن تنتشر ذلك الوقت بالتحديد لتساهم في التهدئة وإبعاد السلمانية عن الخيارات العسكرية، ولكنها اختفت تماما ! وفي اليوم التالي كذلك لم تظهر الكلمة ! وفي خضم الأحداث وتسارعها لم يكن لدي من الوقت ما يمكنني من السؤال عن الكلمة.
تذكرت أن الجمهور هناك عند الطوارئ قد تلقى تنبيها علنيا بعدم نشر شيء دون مراجعة اللجنة المنظمة !! ولكن لم أكن أتوقع أن هذا التنبيه سيسري على كلمتي كلها !!!

مضى شهر 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و9 و الكلمة مختفية تماما، وفي تاريخ 10/10/ 2011م ظهر جزء صغير جدا مدته 8 دقائق من الكلمة على (يوتيوب) بعنوان (أخ سني يسقط تهم احتلال السلمانية ..) من الواضح أن أفرادا من المعارضة نشروه هكذا بالتزامن مع بدء محاكمة الأطباء !

(اضغط للتكبير)




وفي اليوم التالي 11/10/2011م يظهر نفس الجزء لنفس الدقائق بتصوير أوضح من زاوية أخرى بعنوان (بحريني سني شريف يتحدث في السلمانية ..) وهذا أيضا يظهر أنه منشور بمعرفة بعض أفراد المعارضة، وفي الدقيقة (7.40) منه يحاول أحدهم الهتاف ضد الحكومة فأقوم بإسكاته بمعونة الشيخ المعمم:






وبالرغم من أن هذا الجزء الصغير ليس كل الكلمة، إلا أنه كان يركز على الأخوة والتحذير من الفرقة وهدوء السلمانية، وقد أكثرت فيه من كلمة (بعض) توخيا للحذر، وقد اشتمل هذا الجزء على أشياء أكدها فيما بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق.



وفي هذا التاريخ كذلك 11/10/2011م كتبت مجلة مرآة البحرين هذا الجزء من الكلمة وختمت بقولها: (انتهى هذا الجزء من الكلمة) ثم حذفت ما بين القوسين! مما يدل على علمهم بباقي الأجزاء:

مرآة البحرين المعارضة تنشر المقطع كتابة



لكن هذا الجزء الصغير ـ هكذا مقطوعا عن باقي الحوار ـ أثار حفيظة بعض الناس في وقت كانت البحرين فيه كأنها قد جنت، فشكلوا فريقا متخفيا عبر الهواتف ومن خلال أعضاء منتدى بوابة البحرين ـ الذي ورد اسمه ضمن تقرير لجنة تقصي الحقائق.








وهو مرتبط بشكل ما بجمعية الإصلاح ومروج لبرامجها، كما يظهر من استعراض الأفلام المتعلقة بالمنتدى على (يوتيوب) ـ وقيل منشق عنها ـ والأول أرجح، والله أعلم، ومنقاد لشخوص كان لهم بروز واضح إبان الأحداث، ومن المؤسف جدا أن القائم على هذا المنتدى كان في يوم من الأيام أحد تلاميذنا في المعهد الديني هو وأخواه، والذي حرص على ستر وجهه في أحد التسجيلات مع أنني أقدر على تمييزه كما تميزه أمه وكما يعرفه أبوه، فتحقيقا لرغبات وآمال قديمة مشتركة بين أكثر من طرف اغتنموا هذه الفرصة الذهبية فرفعوا هذا الجزء ـ دون تثبت ـ إلى وزارة التربية والتعليم والتي قامت بالواجب مدفوعة بالأهداف التي نص عليها تقرير تقصي الحقائق حينما تحدث عن أهداف الفصل والتوقيف.


لكن يبقى سؤالان لم أجد لهما جوابا قاطعا إلى الآن :

لماذا لم تنشر المعارضة هذه الكلمة في وقتها؟
ولماذا حذفت 40 دقيقة واقتصرت على 8 دقائق فقط بعد شهور؟

كما قلت ليس لدي إجابة قاطعة، وأما من جهة الظن ـ والله أعلم ـ فقد ترجح لدي أن قيادات في المعارضة لم تر أن نشر هذه الكلمة ذلك الوقت من مصلحتها، لأن المصلحة لديهم في تصوير السلمانية للعالم مضطربا يتلقى القتلى والجرحى ويتعرض للأذى باستمرار ليكون سلاحا إعلاميا قويا في وجه الحكومة، وكلمتي كانت تعكس هدوء السلمانية واستقراره، ولهذا لم يروا في هذه الكلمة ما ينفعهم ذلك الوقت، ولما جاء وقت محاكمة الأطباء أظهروا منها جزءا صغيرا فقط للحاجة، ولكن ما المشكلة في إظهار الكلمة كاملة ؟؟؟؟ لست أدري حتى الآن، وودت لو أن من لديهم التسجيل كاملا من المعارضة نشروه كما هو دون تصرف فيه.  (تابع الحلقة الخامسة)