السبت، 10 نوفمبر 2012

جواب أربعة أسئلة حول : البسملة، المهدي، استقلال الحاكم، الفيلم المسيء.


هذه مجموعة من الأسئلة جمعتها هنا وأجبت عليها على سبيل الاختصار نسأل الله العفو والقبول.

السؤال الأول : حول البسملة.



 الجواب :

الجمهور من السادة المالكية والحنفية والحنابلة في المشهور ومن وافقهم كالظاهرية على أن البسملة ليست من الفاتحة، فالصلاة من دونها صحيحة.

وذهب غيرهم كالسادة الشافعية ومن وافقهم إلى أنها من الفاتحة والصلاة من دونها لا تصح.

وعلى هذا فالمسألة فيها خلاف غير محسوم، والله أعلم.

السؤال الثاني حول إمام آخر الزمان.


الجواب:

قال العلامة محمد السفاريني الحنبلي في منظومته الشهيرة :

وما أتى في النص من أشراط ... فكله حق بلا شطاط
منها الإمام الخاتم الفصيح ... محمد المهدي والمسيح


قال السفاريني بعد شرح طويل :
((وقد كثرت بخروجه الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم)) اهـ.

وعلى هذا كيف يتصور أن يكون من بين عقلاء المسلمين من يتجرأ على الطعن في هذا الخليفة العادل الذي يكون آخر الزمان؟؟
فلعل هذا المتجرئ من غير المسلمين أو لعله من المرتدين عن الإسلام أو من المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام، ويجوز أيضا أن يكون من أهل الجهالات والغباء الذين ما عندهم خبر عن أركان الوضوء ويحتاجون إلى التعليم والتفهيم وما أكثرهم.
ولا يجوز أن يقال بأن عذر المتطاولين أن الغلاة ينسبون إلى المهدي ما لا يتفق وسماحة الشريعة الإسلامية !
لأننا نقول : ما يأفكه الغلاة على الإمام ليس بحجة ولا هو بالسبب المبيح لهذا التطاول، ولا ذنب لإمام آخر الزمان فيما افتراه عليه غيره مما هو بريء منه مما يخالف الكتاب والسنة الثابتة الصحيحة ..
فهذا المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام قد افترى عليه الناس أنه أمر الناس بعبادته ! حتى يسأله الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد بقوله: (أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) فيتبرأ المسيح عليه السلام من هذا القول العظيم، فهل يا ترى يجوز مع ما نسبه الغلاة إلى المسيح أن نتطاول على المسيح مصدقين ما افتراه الغلاة؟ إنا إذن لفي ضلال مبين.
وصفوة الكلام أن التطاول على الإمام الخليفة المهدي العادل الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا فِعْل لا يأتيه أي أحد من المسلمين الذين يحضرون الجمع والجماعات ويسمعون أشراط الساعة من أهل العلم، ومن ثبت عليه تطاول على مقام إمام آخر الزمان فحكمه أن يستتاب من تطاوله هذا فإن تاب وإلا عزر كأن يحبس ويعذب حتى يتوب، والله أعلم.

السؤال الثالث حول السجن دون حكم قضائي:





الجواب :

لو جاز هذا لأحد فللحكام الذين هم أئمة في العلم الذين يعرفون حدود الله تعالى وحلاله وحرامه وما يجوز وما لا يجوز، وأما حكام هذا الزمان فمن أين لهم أن ما يأتونه من أفعال أو يأمرون به من أوامر صحيح شرعا؟
أنى لهم معرفة ذلك من عند أنفسهم إذا كانوا على ما هو معروف عنهم من مراتبهم المتواضعة في مسائل الدين؟
فمن كان في مثل حالهم لم يجز له أن يستقل بهذه الشؤون دون رجوع إلى أهل العلم الصادقين ومشورة، فالقول بأن لولي الأمر ذلك إن قصد القائل أن له ذلك باستقلال تام فليس كلامه بصحيح، فلا أعلم من يستحق الاستقلالية الآن في هذه الشؤون، فهذا ما بدا لي والله تعالى أعلم.

السؤال الرابع حول الفيلم المسيء وموقفنا منه.


الجواب :

قد أجبت عن هذا حينها بأن هذا فعلٌ فعله الكفار في بلاد الكُفْر، وهذا هو شأن الكفار فلا عجب، إنما الواجب على المسلمين أن ينصروا الإسلام في ديارهم، فأحكام الله وشريعته معطلة في بلاد الإسلام فلا يتكلموا على بلاد الكفر وفي بلادهم يعطلون شريعة سيدنا محمد وينادون بغيرها ويجهلون أحكامها ثم يلتفتون إلى مسبات الكفار والمشركين !! وكيف يتصور كفر الكفار وشرك المشركين إذن إن لم تكن تلك صفاتهم وأفعالهم البشعة الشنيعة؟! ومع هذا وبعد أن ننصر الإسلام في بلاد الإسلام فلا مانع أن نسلك شتى السبل الممكنة للضغط على تلك الدول التي يروج فيها سب الإسلام لتقف عند حدها، وأما ونحن نقذف بالآيات القرآنية الموجودة في الصحف في المزابل يوميا بحيث تداس وتمتهن، وتداس الآيات والأحاديث الشريفة بأقدام الطلاب في المدارس، وتمتلئ مجتمعاتنا بما يخالف الإسلام فالالتفات لإصلاح أحوالنا أولى من الالتفات إلى كفر الكفار وشرك المشركين.

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

((أإنك تركض أكتوبر؟)) [بحر المتقارب]



((أإنَّكَ تَرْكُضُ أُكْتُوبَرُ؟))

[بحر المتقارب]

أإنَّك تركض أكتوبرُ ؟!! ** فللتَّوِّ أَقْبَلْتَ إِذْ تُدْبِرُ؟!!

أراك تهرولُ مُسْتَعْجِلاً ** وأنت المهذَّبُ والأَوْقَرُ

وقد مُدحَت "عشرة كاملة" ** وأنت من الأشهر العاشرُ


الجواب على لسان شهر أكتوبر:


صدقت فإني شديدُ الوقارِ ** وحَظِّيَ مِنْ ذلِكَ الأَوْفَرُ

وَئِيْدُ الخُطا ثابتٌ راسخٌ ** وذالكُمُو طَبْعِيَ الغابِرُ

ولكنْ أتعلمُ أيَّ الزَّمَانِ ** يُهِلُّ عَلينا ويَسْتَنْفِرُ؟

دعانِيْ الحَطِيمُ وما حوله ** وزمزمُ والرُّكنُ والمَنْحَرُ

دعانِيْ المقامُ وذاك الزِّحامُ ** ولَبَّيْكَ لَبَّيْكَ والمَشْعَرُ

دعانِيَ رَبِّيْ فلبيته ** فلبيك لبيك يا أكبرُ

يسمونني الناسُ أكتوبرٌ ** وأكتوبرٌ رجلٌ كافرُ

فأسرعت أُشْعِرُكُم أنني ** قدَ اسلَمْتُ وَجْهِيْ فلا أكفرُ

وسماني العُرْبُ ذو قَِعْدَةٍ ** فها أنا من قِعْدَتي أَنْفِرُ

سَكِرْتُ بِشَوْقٍ إلى طَيْبَةٍ ** لذلك أَعْدُو ولا أَشْعُرُ

 *******************************

شرح بعض المفردات :

تدبر : تذهب.
الأوقر : الأكثر هيبة.
عشرة كاملة : في قوله تعالى "تلك عشرة كاملة" في سورة البقرة.
وئيد : بطيء.
الخطا : جمع خطوة.
الغابر : الماضي.
يستنفر : يطلب الإسراع.
أعدو  : أركض.


الجمعة، 5 أكتوبر 2012

تقريظ مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة

بسم الله الرحمن الرحيم

ألف الأخ في الله تعالى : الشيخ عبد الإله بن الحسين العرفج الشافعي الأحسائي كتابا في مفهوم البدعة وأثره في اضطراب الفتاوى المعاصرة، وقد قرظ جماعة من أهل العلم هذا الكتاب وأثنوا عليه، ولعله أخطر كتاب ألف في مسألة البدعة في هذا العصر، لا سيما وقد اشتمل على ثلة من أمثلة الاضطراب في الحكم بالبدعة عند المضيقين لمعناها، وقد بلغنا ـ والله أعلم ـ أن هذا الكتاب كان سببا في منع بعض المتنفذين لدروس الشيخ حفظه الله تعالى، ولكن الله عاكسهم ورزق الكتاب القبول، فانتشر أمره واشتهر أكثر من ذي قبل، وقد أحببنا أن ننوه به ونساهم في نشره وإن كنا قد نختار في مفهوم البدعة غير ما اختاره الشيخ، إلا أن هذا الاختلاف مما سبق بين أئمة الإسلام فلا حجر فيه ولا تضييق على أهل العلم بسببه، وهذا تقريظنا من [مجزوء الرجز] :

الشيخ عبد الإله بن الحسين العرفج

((إِنْ تُحْسَدْ فضيلةٌ تَجِي))

يقول راجي الفَرَجِ ** عبدُ الرَّؤُوفِ المُلْتَجِي
لله دَرُّهُ فَتىً ** عَبدِ الإلهِ العَرْفَجِ
حَرَّرَ في لُمْعَتِه ** مِنْ بَعْدِ طُولِ الأَبَجِ
في البدعةِ الشرعيةِ ** أصلَ الخلافِ المنهجي
فبان منهم مُوْسِعٌ ** ورافعٌ للحَرَجِ
وآخرون ضَيَّقوا ** لا مَطْمَعٌ في الفَرَجِ
وكلهم مجتهدٌ ** ورأيه كالأَرَجِ
فلم يَذُمَّ بعضُهم ** بَعْضاً كفعل الهَمَجَ
حتى أتى زمانُنا ** زمانُ أهلِ الهَرَجِ
فيه تمادت فِرقَةٌ ** صياحهم بالبَهْرَجِ
ذا بدعةٌ وبدعةٌ ** وأمرهم في ثَبَجِ
أخلاقهم محلوقةٌ ** حَلْقاً كما الخَبَرْبَجِ
واحدهم في العلم كالـ** أعرج والحَفَلَّجِ
فجاء هذا الماجدُ الـ ** أشَمُّ مثلَ الخَزْرَجِ
بلُمْعَةٍ غَصُّوا بها ** كالعظم أو كالحَبَجِ
إن العَيِيَّ خَائِبٌ ** في العِلْمِ مِثلَ المُلْفَجِ
لو أنصفوها لافتدوا ** حروفها بالمُهَجِ
فكم بها من حِكَمٍ **وكَمْ وَكَمْ من حُجَجِ
لما أرادوا كَسْرَها ** فازت بِحُسنِ الفَلَجِ
ألم يُقَلْ مِنْ قبلُ: "إِنْ ** تُحْسَدْ فضيلةٌ تَجِي"؟


شرح بعض المفردات:

العرفج : شجر سهلي، وبه يُسمى الرجل.
الأبج : الحر والعطش.
الأرج : توهج ريح الطيب.
الهمج : ذباب صغير.
الهرج : الفتنة.
البهرج : الباطل.
الثبج : اضطراب الكلام.
الخبربج : الناعم من الأجسام.
الحفلج : ذو مشية غير مستقيمة.
الخزرج : الأسد.
الحبج : الحنظل وهي ثمرة شديدة المرارة.
الملفج : المفلس.
المهج : دم القلب أو الروح.
الفلج : تباعد حسن في الأسنان.

صورة الكتاب





وهذه نسخة من الكتاب للتحميل

السبت، 15 سبتمبر 2012

براءة أهل السنة من التجسيم معنى ولفظا

السؤال :

ما قولكم في هذا الكلام؟ هل يقر أهل السنة هذا الكلام؟



الجواب مختصرا :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواحد الأحد، القدوس الصمد، المنزه عن الصاحبة والولد، والشبيه والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد ولد عدنان نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد ..

هذا الكلام فيه صواب وفيه خطأ، أما الصواب فقوله : (من نسب إلى الله الجسم، وهو يريد مثل أجسامنا فهذا كفر) فهذا حكم صحيح، إذ لا فرق بين من هذا حاله وبين من عبد الأصنام، فالقول بكفره معروف مشهور عند أهل العلم قاطبة.

وأما قوله : (وإن قصد أن الله له جسم يليق به ليس كأجسامنا فهذا حق) فقوله هذا غلط بيّن، ولا أعلم أحدا من أهل السنة يذهب هذا المذهب، بل مذهب أهل السنة في القائلين : (جسم لا كالأجسام) لا يخرج عن قولين:

القول الأول :

أنهم مبتدعة لإطلاقهم على الله ما لم يأذن به الله ولا رسوله .. وهو قول الجمهور، وإنما لم يكفروهم لأنهم نفوا التشبيه بقولهم:  (لا كالأجسام) فبقي عليهم إطلاقهم هذا اللفظ فيكون بدعة غير مكفرة.

القول الثاني :

أنهم كفار بمجرد إطلاقهم الجسمية على الله تعالى، لأن المعنى المتبادر من الجسمية محال على الله تعالى، فهم كفار بذلك وإن لم يقصدوا الجسمية، فإن إطلاق ما ظاهره المنقصة كفر بنفسه لا يحتاج إلى شيء آخر.

والراجح من هذين القولين هو الأول، وهو قول الجمهور، فمن تبرأ من التجسيم معنى، ولكن أطلقه لفظا يريد به معنى صحيحا كأن قصد أنه موجود .. فهو مبتدع ضال وليس بكافر.

فهذا ما هو معلوم لدى أهل السنة والجماعة، وهو المقرر في كتبهم لا يخرجون عن هذا، فقول هذا المتكلم عنه بأنه (حق) لا أدري من أين أتى به !! فلا قائل به من أهل السنة والجماعة مطلقا.

بل لا أعلم أحدا من أصحاب ابن تيمية أو ابن عبد الوهاب ـ وأظن هذا المتكلم منهم ـ لا أعلم أحدا منهم يقول بأن هذا حق، بل هم مع الجمهور في بدعية إطلاق هذا اللفظ ـ وإن خالفوهم في وجوب نفيه فقالوا لا نثبت ولا ننفي ـ فهم مع الجمهور في أن إطلاقه على الله تعالى إما كفر ـ أي مع قصد التجسيم حقيقة ـ وإما بدعة إذا كان لفظا مجردا عن قصد التجسيم.

فهذا جواب هذه المسألة، فلعل هذا المتكلم أراد ما شرحناه ولكن أشكل عليه الأمر وخانه التعبير، والله تعالى أعلم.


السبت، 8 سبتمبر 2012

الكلب الكوفي خير من ألف صوفي !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السؤال:

ما رأيكم فيما ورد في هذه التغريدة؟




الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الواجب على المسلم أن يحب المسلم ويواليه، ولا يبغضه، هذا هو الأصل، وإنما يجب عليه أن يبغض خطأه ومعصيته وبدعته فقط، وينصح له فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر بالرحمة واللين، ولا يبغض شخصه، ولا محاسنه، وكيف يبغض إسلامه وشهادته الشهادتين، وصلاته وزكاته وصيامه وحجه؟ أم كيف يبغض إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟ ولو أن أحدا أبغض هذه المعاني الإسلامية لفارق الملة .. بل تلك المعاني موجبة للمحبة والموالاة، وينبغي أن يحب المسلم للمسلم ما يحبه لنفسه كما ثبت ذلك كله بأدلة الكتاب والسنة والإجماع ..

وعلى هذا فالأصل أن الصوفية والشيعة والوهابية مسلمون، وينبغي أن يحب بعضهم بعضا باطنا وظاهرا، سرا وجهرا، لما فيهم من أركان الإسلام والإيمان وسائر المعاني الإسلامية، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا غلاة الغلاة من كل فرقة ..

فما يكون بين هذه الفرق من الحوارات والمناظرات العلمية يجب أن يراعى فيها حرمة الإسلام وآدابه، والعدل والإنصاف إلى الغاية، مع إخلاص النية في النصح للمسلمين، وإلا كان مراء مذموما وعملا باطلا ..    

فقول هذا الشيخ : (الصوفية يعشقون الشيعة سرا) مبالغة في التشنيع، وإلا فلا محل للعشق والهيام هنا، والصواب ـ فيما أعلم ـ أن الصوفية يحبون الشيعة حب الإسلام، كما يحبون الوهابية حب الإسلام، وكذلك يفعلون مع سائر الأمة الإسلامية، ولهذا تجد الصوفية يتخاذلون كثيرا في مواجهة المسلمين ولا ينشطون فيهم كما ينشطون في مقاومة الكفار، فالصوفية أعظم طائفة في الإسلام تحقق فيها قول الله تعالى : (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) لا أعلم ذلك لغيرهم في المتقدمين والمتأخرين، وهذا الحب منهم يجب أن يكون سرا وجهرا، ظاهرا وباطنا، لا يجب أن يستحيوا منه لمقالة فلان أو كراهة فلان أو عداوته، وذلك كله في الله ولله، ومع هذا يبغضون فيهم ما يعلمونه محرما أو بدعة ويناصحونهم مناصحة المسلم للمسلم، ولا يحاربونهم كالأعداء من الكفار ..

وقول هذا الشيخ : (والشيعة يكرهون الصوفية علنا) لعل الشيخ غاب عنه أن الشيعة فيهم صوفية أيضا، قد تأثروا بالتصوف السني وغيره منذ قرون، كحيدر الآملي والفيض الكاشاني، وغيرهما، وفي كل وقت وحين منذ القرون الأولى كان في الشيعة من تصوف إلى يومنا هذا، ومن طالع كتب التراجم الشيعية الموسعة ككتاب "أعيان الشيعة" لمحسن الأمين وغيره عرف صحة ما قلناه، وقد يسمونهم "العرفاء" كما أن في قدماء المبجلين لدى الوهابية من كان صوفيا أيضا كأبي نصر السجزي وأبي إسماعيل الهروي، وهذا الأخير يلقبونه بشيخ الإسلام، مع أن ابن تيمية يغمزه بوحدة الوجود ! لكن أكثر الصوفية من أهل السنة والجماعة منضبطون بالعقيدة الأشعرية أو الماتريدية، ومستمسكون بالمذاهب الأربعة، كما أن تصوفهم جنيدي وهو التصوف السلفي البعيد عن الشطح والتنطع، وكما وجد من أهل السنة والجماعة من انتقد الصوفية السُّنيين الشاطحين، فقد وجد في الشيعة من انتقد الصوفية الشيعيين الشاطحين، وأخطر ما يؤخذ على الصوفية هو محل نقد ورد باتفاق بين السنة والشيعة والوهابية بل والصوفية أنفسهم، كمسألة الحلول والاتحاد والوجودية، والشطحات .. إلا أن الخطأ الذي وقع فيه كثير من نقاد السنة والشيعة والوهابية وغيرهم هو مجانبة العدل والنصفة في كلامهم عن الصوفية، وأبرز ملامح الجور تعميمُ القول بالحلول والاتحاد وتلك الطامات على الصوفية كلهم، مع أن هذه البشاعات لا يقول بها إلا قلة قليلة نادرة منهم، بحيث أن أكثر الصوفية ما بين ناف لهذه البشاعات أو متأول لها بنوع من أنواع التأول، وإلا فمن طالع أمهات كتب التصوف السني الأصيل كحلية الأولياء والرسالة القشيرية والتعرف لمذهب أهل التصوف واللمع للطوسي وكتب أبي عبد الرحمن السلمي إلى الإحياء وعوارف المعارف .. وغيرها لم يجد فيها إلا تصوفا منضبطا بالكتاب والسنة، اللهم إلا ما لا يخلو منه كتاب لا عصمة له.

وأما قول الشيخ : (ويزعمون أن علي رضي الله عنه قال عن الصوفية : الكلب الكوفي خير من ألف صوفي)

فقد وجدته بصورة أتم من هذه، بحيث ينقلب المعنى من الذم إلى المدح، ففي القرن الثالث عشر الهجري ألف محمد علي بن الوحيد البهبهاني ـ من علماء الشيعة ـ المتوفى سنة 1216هـ كتابا سماه "الظرائف" وآخر سماه "الخيراتية في إبطال طريقة الصوفية" كلاهما بالفارسي، وذكر فيهما عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال:
(الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وجعل الدنيا على القفا، وسلك طريق المصطفى، واستوى عنده الذهب والحجر والفضة والمدر، وإلا فالكلب الكوفي خير من ألف صوفي) كذا في كتاب الذريعة لآقا بزرك الطهراني.

وهو كما ترى بيان للصوفي الحق بأنه من لبس الصوف على طهارة نفس، وزهد في الدنيا، وتابع سنة النبي صلى الله عليه وسلم .. فهذا هو الصوفي الحق، وأما من لبس الصوف على خبث باطنه، وجعل الدنيا همه، ولم يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منافق مدع كذاب، فالكلب خير منه، وهذا المعنى يصادق عليه الصوفية ولا يعترضون، وهو مدح للصوفي الحق لا قدح كما ترى ..

ومع هذا فالخبر لا سند له، وهو كذب على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بلا شك، فلا يصح عنه ولا عن غيره من الصحابة الكلام على التصوف باسم التصوف أصلا لا بمدح ولا بقدح، ناهيك عن ركاكة بعض ألفاظه التي لا تناسب بلاغة وفصاحة سيدنا علي، وما ظهر هذا اللقب إلا في القرن الثاني وما بعده ..

نعم هذه العبارة ـ دون ذكر الكلب الكوفي خير من ألف صوفي ـ نسبها بعض الناس إلى الإمام الجنيد بن محمد البغدادي المتوفى سنة 297هـ، ولم أقف عليها مسندة إليه.
ونسبها أبو سعد عبد الملك الخركوشي في كتابه "تهذيب الأسرار" إلى أبي علي ـ محمد بن الضحاك ـ الأصبهاني المتوفى سنة 313هـ بلا سند.
لكن أسندها الحافظ أبو نعيم الأصبهاني إلى أبي بكر الشبلي أحد أكابر الصوفية المتوفى سنة 334هـ، وذكرها عنه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق.
وأسندها الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه إلى الشيخ الجليل أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار الشهير بأبي علي الروذباري شيخ صوفية وقته المتوفى سنة 323هـ، ونسبها إليه الكلاباذي في التعرف، والسمعاني في الأنساب والسبكي في طبقات الشافعية، وغيرهم.
والشبلي والروذباري كلاهما من أصحاب أبي القاسم الجنيد البغدادي.
هذا ومع جزمنا بأن هذا النص بهذا اللفظ موضوع على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلا أننا لا نعلم كيف حصل هذا؟ فيحتمل أن تكون النسبة إلى سيدنا علي خطأ مجردا من قصد الوضع بسبب الاشتباه أو غلط النساخ أو نحو ذلك، ويحتمل أن تكون متعمدة على سبيل الوضع والاختراع، أما محققو الصوفية فقد برئت عهدتهم ولا يتحملون تبعة ذلك لأن كتبهم خلو من هذه الرواية أصلا، وهي منسوبة في بعض كتبهم إلى الروذباري والشبلي .. كما أن آقا بزرك الطهراني الشيعي لم يفد بمصدر هذه الرواية غير كتاب البهبهاني وهو كتاب شيعي ولا نعرف مصدر روايته هذه، والله أعلم.

الجمعة، 15 يونيو 2012

المقامة الزينبية


المقامة الزينبية

حطت بنا قافلة السماء، في منارة العلم وكعبة العلماء، حاضنة النيل المجيد، وقاعدة الأزهر التليد.


وكم حللتها مرة بعد مرة، واطَّوَّفت بها تَكِرَّة ـ لكني جعلت هذه الزَّوْرَة للقاء الأصحاب والمعارف، وجني عتيق أخبارهم والطارف، وممن أجمَعْتُ بهم التلاقي، الشيخ (عبد الباسط هاشم) البولاقي، حتى إذا ما اشتمل علينا مجلسه أشرقت علينا شمس طلوعه، وامتلأنا من نمير ينبوعه، وتصرم الوقت في الفوائد، وجميل الفرائد، فلما أحس بي قد ابرَنتَيْتُ للذهاب عند أوانه، ناولني بطاقة عنوانه، فدسستها في الجيب دون تأمل أو انتظار، ورجعت إلى الدار، وبعد رُوبَة من الليل حدَجْتُها ببصر العامد، فإذا اسمه فيها : (عبد الباسط حامد)! ثم إني راجعته في ذلك فحدثني بهذه القصة قائلا :

مذ عقلت وأنا أرتضع الهم، وأتجرع مرارة اليتم، فلا أب يكسو، ولا أم تأسو، ولكنَّ لي أختا تؤويني، وتطعمني وتسقيني، تدفع عني من الأذى، وتميط بعض القذى، وربما أنالتني بعض المعروف سِرّا، لأن لها زوجا يُستعاذ بالله من شره، ويُشرب ماء زمزم لدفع ضره، طبعه يابس حار، كأنما خلق من نار، الحنان من قلبه يائس، والعطف على بابه بائس، يغيظه أني في جواره، ويحنقه اقتياتي من داره، إلا أنه كان كريما بلا سبب، في باب الضرب والأدب !

وكان رحمه الله إذا انهال علي باليمين والناس تسمعه، تجيء أختي فتدفعه، فربما جاوزني إليها، ومال بالكف والقبضة عليها، فتشتعل الدار حزنا وأسى، والعزاء في : لعل وعسى.    

ومع أني ارتويت من الأحزان، وشبعت من الصفع واللكمات الحسان، وتضلعت من الأنين، وأنا ابن ست أو سبع سنين، إلا أن الأشد على نفسي والأمرّ، والأحْمَى والأَحَرّ، ما كان يصل بسببي إلى أختي الحانية، وأمي الثانية، فكانت تَهُون عليَّ بلواي لولاها، ولست أحتمل مزيد أذاها، فحللت عقدة صبري، وأجمعت أمري، على تخفيف ما احْتَمَلَتْ من الأكدار، بترك الدار.

وكنت سمعت بذكر امرأة تطعم الأيتام وتسقيهم، وتكسوهم وتؤويهم، لها قلب عطوف على المساكين، والأرامل والعاجزين، يسمونها السيدة زينب أم هاشم، ويصفونها بكرم حاتم، ويقُصُّون علينا من رقتها، وحنوها ورحمتها، فأحببتها كأمي قبل أن أراها، وعددت نفسي من رعاياها، فجعلت وجهتي إليها، وتعويلي بعد الله تعالى عليها.


فتدفقت أبحث عنها في الشوارع والطرقات، والأزقة الضيقات، أحاذر في الخوف حذر الثعلب، وأقفز في الأمن كالأرنب، وأسأل المارة عن حي السيدة زينب، وبعد طول احتباس ولأي، حللت بطن الحَيّ، وإذا بناء جامع يعلوه الوقار، وتجلله الأنوار، فدلفت إليه من بابه، كأنني من أصحابه، وإذا بشيخ الجامع الوقور قد استوقفني، وكأنه استصغرني، وقال : إلى أين المسير، يأيها الصبي الصغير؟ فقلت له بعبارة مهذبة جيدة : أريد زيارة السيدة، وسمع مني في شأنها كلاما دله على استيعابي، وفضلني به على أترابي، ثم قال : السيدة في تلك الحجرة ـ يشير إليها ـ فاذهب فسلم عليها.

فلما دخلت الحجرة رأيت نسوة متشابهات، ولم أميز السيدة من بين السيدات، فعدت إلى الشيخ قائلا : أين السيدة منهن، فإني لم أعرفها بينهن؟ فتعجب وقال : أوَ تحسب السيدة زينب إحدى هؤلاء النسوة؟ إنما السيدة صاحبة القبر والكسوة، فإنها رضي الله عنها لما ماتت من أزمان، دفنت في هذا المكان !!!

فلما سمعت ذكر الموت والقبر ـ وكنت أظنها من الأحياء ـ انحلت مني رباطة الصبر، والتصقت بالأرض في بكاء ونشيج، وصياح وضجيج، واجتمع الناس يهللون ويسبحون ويُحَوقلون، والشيخ يتلو : "إنك ميت وإنهم ميتون" ثم ألهمني الله تعالى أمرا التقطت به أنفاسي، واسترجعت إحساسي، فقلت لهم ـ وقد أحاطوا بي يبكون ـ : أليست السيدة تكنى أم هاشم، قالوا : بلى ، قلت : فأين ابنها هاشم؟؟ فرجع الناس يهللون ويحوقلون وهم يبكون، وإذا برجل ذو هيبة واحترام، يتقدم من ناحية المقام ـ واتفق أن اسمه هاشم ـ فقال : أنا ابنها هاشم فما مسألتك نلبيها، وما حاجتك نقضيها؟ فقلت له : إن كنت ابنها فأنت وارثها، ومن يقوم مقامها، فقال : وهو كذلك، فقلت : فإن أمك كانت ترعى الأيتام والمساكين، وأنا يتيم مسكين، فعليك أن تؤويني وتطعمني وتسقيني .. قال : فهيا إلي، فإن ذلك واجب علي، فأخذني معه إلى أقاربه في الصعيد، وتكفل بشؤوني وألزمني السير الحميد، فوالدي اسمه حامد وإن كانت الناس بعد تدعوني بهاشم الذي رباني، وكفلني وآواني، وتعلمت بعد القرآن الكريم بقراءاته، وخضت بحر تحريراته، حتى صرت يشار إلي بالبنان، ويقال هذا مقرئ القرآن، فهذا جواب سؤالك، نجانا الله وإياك من المهالك. انتهى كلام الشيخ.

فائدة :

اختلف المؤرخون في السيدة زينب التي في مصر والتي في الشام اختلافا لم يحسم إلى اليوم، والذي نص عليه الشريف النسابة يحيى بن الحسن العقيقي المتوفى سنة 277هـ في كتابه (أخبار الزينبات) أن زينب الكبرى أخت الحسين توفيت بمصر.

كما أفرد شيخنا العارف بالله تعالى السيد الإمام أبو البركات محمد زكي الدين إبراهيم الحسيني الحنفي كتابا سماه (مراقد أهل البيت) حقق فيه أن التي في الشام في قرية راوية هي زينب الصغرى وأن الكبرى هي المدفونة بمصر في مقامها المعروف، والله أعلم.


          

الأربعاء، 9 مايو 2012

شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحادثة (ربيع الثقافة)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، وبعد ..

السؤال:
شيخنا عندي سؤال، هل ما جرى في المحرق مؤخرا بسبب ما يسمى بربيع الثقافة له رأي شرعي؟ هل تكلمت الشريعة عن شيء بهذا الخصوص؟

الجواب:

ما لدي من أخبار عن هذه الحادثة مصدره ما نشر في الجرائد ووسائل الاتصال، والله أعلم بصحتها، ولا علم لي بتفاصيل الأمور، فمن خلال ما بلغنا من المنشور فصورة الحادثة باختصار كما يلي:



قامت وزيرة الثقافة ومنذ مدة بشكل متكرر بعقد حفلات في مركز الشيخ إبراهيم والذي هو بيت جدها، ومكان هذا المركز بجوار جامع الشيخ عيسى بن علي ومسجد بن نصر، وقد ثبت أن هذه الحفلات قد اشتملت على رقص رجال ونساء وغير ذلك، وقد استنكرت الناس هذا، فتكرر الحفل مشتملا على أشياء أخف من سابقتها، وقد اندفع جماعة من الناس واعتصموا عند هذا المركز معلنين رفضهم لهذه الحفلات في هذا المكان، وقد نجمت عن هذا الصدام أقوال وتصرفات ومشاحنات .. هذا ملخص ما جرى.

فإن كان الأمر كذلك وأن ما ذكرناه صحيح، فالحادثة تمس باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من أعظم أبواب الشريعة الإسلامية، وبهذا الوصف - مقرونا بوصف الإيمان - مدحت هذه الأمة الإسلامية، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..) صدق الله العظيم.

وإذا كان كذلك فلنعرج على شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي استنبطها أهل الفقه في الدين من أدلة الكتاب والسنة والإجماع وغيرها من الأدلة، لتكون قانونا لنا في هذه الحادثة وغيرها.

وكلام الأئمة على شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما بين مختصر ومفصل، ومن ألطفهم وأحسنهم سوقا لها الإمام أحمد بن غانم بن سالم ابن مهنا شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي المتوفى سنة (1126هـ) في كتابه "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" والذي أنهاها إلى خمسة شروط، فاعتمدت على كلامه وزدته سهولة وعلقت عليه وربطته بالحادثة المذكورة :

الشرط الأول:
أن يكون القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عالما بالمعروف والمنكر، فمن لا معرفة له لم يجز له أمر ولا نهي.



ومن الواضح أن المتجمهرين عند المركز المذكور ليسوا سواء في الفهم والمعرفة، بل أكثرهم لا علم له بحدود المعروف والمنكر على الوجه الصحيح، ولا علم لهم بالكيفية الصحيحة للأمر والنهي ومراتبه، فلا يشرع لهم أمر ولا نهي، نعم لو كانوا خرجوا للأمر والنهي بصحبة عالم يسمعون له ويطيعون ويأتمرون بأمره وإشارته لجاز ذلك لأنهم تبع له، لكن ظاهر حالهم أنهم لا يأتمرون بأمر أحد ولا ينصاعون لنصح، ويحتاج ذو الفهم فيهم أن يصيح فيهم مرارا وتكرارا لتفهيمهم وزجرهم وصرفهم، وأمثال هؤلاء لا ينبغي اصطحابهم أو مشاركتهم أصلا في أمر ولا نهي، ودليل عدم أهليتهم أنهم يتطاولون بالنبز والسخرية والاستهزاء كنبزهم الظاهر لامرأة متحجبة بـ(الفقمة) يسخرون منها، وكقذف بعضهم للحجارة، وكتجاوز بعضهم أصل المسألة إلى الكلام على الأمور الخاصة وتشجيع الشرطة على العصيان .. إلخ فكل هذا دليل على أن هؤلاء المتجمهرين من العوام ممن لا يشرع اصطحابهم أو مشاركتهم في أمر ولا نهي، لأنهم إما لا يعرفون ما ينكرون أو لا يحسنون الإنكار، فلا يظهر لي والله أعلم أن هذا الشرط متحقق في كل هؤلاء المتجمهرين بل إن تحقق ففي أقلهم.  

الشرط الثاني:
أن يأمن أن يؤدي إنكاره إلى منكر أكبر منه وإلا لم يجز له أمر ولا نهي .

والظاهر أن هذا الشرط متحقق لأنه لم تكن ثم إشارة إلى أن منكرا أكبر سيقع، وغاية ما في الأمر أن يستمر المنكر على ما هو عليه دون تغيير.

الشرط الثالث:
أن يعلم أو يغلب على ظنه الإفادة وإلا لم يجب عليه أمر ولا نهي.

وهذا شرط للوجوب فقط، بمعنى أنه إن لم يغلب على ظنه حصول الفائدة فإنه لا يجب عليه الأمر والنهي، لكن نفي الوجوب لا يعني نفي الجواز، وبالتالي فالأمر والنهي في هذه المسألة إما وقع واجبا أو وقع جائزا، هذا بالنسبة لمن يجوز له الأمر فقط دون غيره.

الشرط الرابع:
أن يكون المنكر ظاهرا بحيث لا يتوقف على تجسس ولا استراق سمع ولا بحث بوجه كتفتيش دار أو ثوبه لحرمة السعي في ذلك.

والظاهر تحقق هذا الشرط أيضا لأن أعمال هذا المركز واحتفالاته يتم الإعلان عنها في مختلف وسائل الإعلام، والناس تدخل وتخرج من المركز، ومع هذا الانتشار لنشاطات المركز فلا يقال بأن الأمر والنهي هنا متوقف على تجسس أو استراق سمع أو تفتيش فكل شيء ظاهر ومعلن عنه.

الشرط الخامس:
أن يكون المنكر مجمعا على تحريمه أو يكون مدرك عدم التحريم فيه ضعيفا.

وهذا الشرط يقتضي الإحاطة بما يجري في المركز من احتفالات ونشاطات وما الذي يحدث فيها وما هي درجة المنكر الحاصل، فإن كان ما يجري عبارة عن رقص نساء أو رقصهن مع رجال فهذا مما لا يشك في تحريمه، لكن الوزيرة صرحت بأن هذا حصل قديما، وهذا الكلام يفهم منه إمكانية تقبل المناصحة وإمكانية التغيير، ومعناه أن ما جرى هذه المرة أقل درجة من سابقه، وقد قيل بأنه مقتصر هذه المرة على استعمال آلات موسيقية، فهذا مما عمت به البلوى، والمناسب تخفيف الإنكار جدا في مثل هذا خصوصا مع قول الظاهرية بحلية الآلات وخصوصا مع ظهور مؤيدين لهذا الرأي من المعاصرين، فهو وإن كان رأيا ضعيفا شاذا مخالفا لقول الجمهور إلا أنه مما عمت به البلوى فوجب النظر إليه بطريقة مختلفة وأن يسلك به مسلك التخفيف في الإنكار، وكذلك وجود نساء متبرجات فهذا لا يختص بهذا المركز بل هو مما عمت به البلوى وصار في كل مكان.
فالظاهر والله أعلم أن الإنكار في حالة مركز الثقافة سائغ لأن ما يجري فيه لا يخلو من مجمع على تحريمه أو ما يكون فيه خلاف ضعيف غير معتد به.


وفي كل الحالات فإن أهل العلم قالوا:
((ينبغي أن يكون الأمر والنهي بالرفق، فلا يرتكب في ذلك غليظ القول ولا الشتم ..))




والحق أن هذا التجمهر قد صدر فيه وقبيله القول الغليظ جدا والتهديد والوعيد بحيث ذكرت كلمة (الحرب) وكلمة (الشر العظيم) ووصف (القرمطية) ونحو ذلك، وبعض هذه الألفاظ قد يفهم منه التكفير، وحصل فيه من التنابز ما لا يحل، وكل هذا لا يجوز في الأمر والنهي، وآفة ذلك كله من مخالفة الشرط الأول والخامس من اصطحاب الجاهلين بفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم التشديد في أمر عمت به البلوى، والواجب تصحيح هذا بترك اصطحاب العوام الجاهلين بالأحكام وبتخفيف الإنكار جدا مراعاة للرفق الواجب، لاسيما إن كانت المسألة قاصرة على استعمال الآلات، وخصوصا أن وزيرة الثقافة ليست ممن يقعقع لهم بالشنان، ولا ممن يغمز جانبه كتغماز البنان، ومن عرفها وعرف جدها الأقرب وجدها الأكبر الحاكم السابق للبحرين وعرف ما هم عليه من العزة والأنفة والكبرياء علم أن التشديد معهم لا ينفع ولا يؤتي ثماره، فالواجب مراعاة هذه الشروط كلها لأن المقصود إزالة المنكر لا إبقاءه.

وأما جلب حادثة الكتاب الذي ألفته عن القرامطة وما اشتمل عليه مما يمس جانب السلف الصالح فههنا يقال (أبطأت بالجواب حتى فات الصواب) فهذا الكتاب ألفته منذ سنوات، وقد رأيته أول ظهوره فتأخير الكلام عليه إلى هذا الأوان وكأنه الآن ظهر فليس بمناسب، وهذا من تقصير أهل العلم في باب المناصحة، ولا أدري لعل أحدا كان خاطبها بشأنه ولم يبلغنا فالله أعلم، والواجب المناصحة ببيان كذب الأخبار التي نقلتها في كتابها وشرح ذلك لها شرحا علميا، وإلا فلا معنى للتشديد الآن بعد سنوات من تأليف الكتاب، نعم إن كان بعض أهل العلم أخبرها وبين لها وشرح لها ما اشتمل عليه كتابها المنشور هذا ومع ذلك بقيت تطبعه وتنشره إلى الآن فحينئذ ساغ النهي عن هذا المنكر بالشروط المتقدمة.

فهذا جواب مختصر في الشروط الواجب التزامها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله تعالى أعلم.