‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات وردود فقهية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات وردود فقهية. إظهار كافة الرسائل

السبت، 19 مارس 2022

الإسناد إلى متن تحفة الأطفال




الإسناد إلى متن تحفة الأطفال

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد ..

يقول الفقير إلى عفو الله وغفرانه أبو حامد عبد الرؤوف بن مبارك المالكي الأزهري: قد سألني بعض طلبة العلم عن إسناد متصل محقق غير مظنون لمتن تحفة الأطفال في فن التجويد من نظم الشيخ العلامة سليمان الجمزوري الذي أوله:

يقول راجي رحمة الغفور ** دوما سليمان هو الجمزوري

الجواب :

اعلم أن هذه المنظومة المباركة لها شهرة كبيرة، وقد رزقت القبول مذ ألفها مؤلفها، ويشهد لذلك ما قاله ناسخها وناسخ شرحها الشيخ محمد بن سلامة بن عبد الخالق بن حسن الجمل الحياني بلدة الشرقاوي نسبة الرشيدي منزلا وعملا الشافعي القادري الشهير بالواعظ وهذه حروفه:

((منذ صباي لم أزل حريصا على الاستفادة راغبا في الإفادة ثم الآن كتبت هذا الشرح على متن تحفة الأطفال لكونها من محفوظاتنا في الصبا، ولأن لها وقعا في قلوبنا، لا سيما بشرحها للشيخ الإمام العالم المدقق مولانا الشيخ محمد الميهي الأحمدي تغمده الله برحمته، فكانت لنا أول محبوب كما قيل:

كم منزل في الأرض يألفه الفتى ** وحنينه أبدا لأول منزل .. )) إلخ

كتب الشيخ هذا متغزلا في المنظومة وهو من أهل رشيد في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، الدال على أن المنظومة أصبحت من المحفوظات المقررة على الأطفال في كتاتيب مصر.

ولهذا ازدادت رغبة طلبة العلم في كل وقت في الاتصال بها والعثور على سند محقق بروايتها بعيد عن مظنة الانقطاع أو الخلل في العرض والسماع، ولذلك ذكرت هنا طريقين محققين للاتصال بها:

أولا : يجوز أن تروى هذه المنظومة على التحقيق من طريق الشيخ الإمام الشهير علي بن عمر الميهي ثم الطنتدائي (الطنطاوي) الشافعي الخلوتي الأحمدي الأزهري البصير إمام القراءات في عصره المتوفى سنة 1204هـ.

 وهو عن تلميذه ناظمها الجمزوري، لأن العلامة سليمان الجمزوري لما نظمها عرضها على شيخه علي الميهي فاستحسنها الشيخ علي وسماها تحفة الأطفال، فالشيخ علي الميهي:

  •        هو مصدر الأحكام المذكورة في هذه المنظومة.
  •        وصح له سماع هذه المنظومة من ناظمها.
  •        وهو الذي سماها باسمها المشهور تحفة الأطفال.

ولا يخفى أن العرض والسماع أقوى وجوه التلقي المقررة في علم مصطلح الحديث، والأسانيد إلى الشيخ علي الميهي مشهورة، فهو عمدة من عمد أسانيد القرآن الكريم في غربية مصر والعالم الإسلامي، والسند إليه معروف لدى جميع المشتغلين بأسانيد القرآن الكريم.

 

ثانيا : يصح أن تروى هذه المنظومة على التحقيق من طريق العلامة السيد محمد بن أحمد بن يوسف بن مجاهد الحسيني المصري الطنتدائي الشافعي الشاذلي الأحمدي المتوفى سنة 1253هـ، وهو عن شيخه سليمان الجمزوري.

وبيان ذلك أن العلامة الجمزوري كان أول اشتغاله في الجامع الأحمدي بطنتدا بتدريس كتب الفقه الشافعي واللغة العربية، ولم يكن عالما بالتجويد والقراءات، حتى أمره شيخ الجامع الأحمدي السيد أبو النجا أحمد بن يوسف مجاهد بتحفيظ ولديه – أحمد ومحمد - القرآن وتعليمهما التجويد، كان ذلك أواخر القرن الثاني عشر الهجري، فامتثل العلامة الجمزوري لأمره من ذلك الوقت وشرع في تلقي التجويد على الشيخ علي الميهي، ثم نظم منظومته المذكورة من أجل الولدين المذكورين، وهما المقصودان بقوله في منظومته: (الأطفال)، فتلقاها السيدان المذكوران عنه، ثم إن السيدين المذكورين صارا ابتداء من القرن الثالث عشر من أعلام طنتدا والجامع الأحمدي وأخذ عنهما الطلبة، لا سيما العلامة السيد محمد فإنه اشتغل بالتدريس بالجامع الأحمدي أكثر من نصف قرن من الزمان، وتخرج به طبقات من العلماء، وكان من الآخذين عنه المجازين منه على العموم:

العلامة محمد بن مصطفى بن يوسف بن علي أبو النجا المصري الشنواني الشهير بالطنطاوي ثم الدمشقي الشافعي الأحمدي الأزهري المتوفى بدمشق سنة 1306هــ.

وترجمته مشهورة في حلية البشر وغيرها، والأسانيد إليه متشعبة ومعروفة، ومن ذلك ما:

أنبأني أبو الإرشاد محمد مرشد بن أبي الخير عابدين (1428هـ) عن أبيه (1344هـ) عن العلامة محمد بن مصطفى الشنواني الطنطاوي الدمشقي (1306هـ) عن العلامة السيد محمد بن أحمد بن يوسف مجاهد (1253هـ) عن العلامة سليمان بن حسين بن محمد بن شلبي الجمزوري – أبوه - الطنتدائي الشافعي الأحمدي الشاذلي الشهير بالأفندي (1227هـ) بمنظومته تحفة الأطفال وغيرها.

وهذا الإسناد محقق الاتصال بالإجازات الشاملة لكل مروي، وهو أعلى من الأول من جهة العدد، فهذا ما أحببت ذكره على وجه الاختصار إجابة لسؤال بعض الأحبة من طلبة العلم، وقد اتسعت في ترجمة المجاهديين وتلاميذهم في كتابي "رائد النهضة الأحمدية" وكتابي "الأعلام الأحمدية" يسر الله تمامهما، والله ولي التوفيق.

 

وكتبه أبو حامد المالكي الأزهري

عبد الرؤوف بن مبارك بن جمعة

5 شعبان 1443هـ

الأحد، 16 ديسمبر 2018

إياك أعني واسمعي يا جارة (رسالة إلى سعادة وزير الأوقاف الكويتي)


إياك أعني
واسمعي يا جارة
(رسالة إلى سعادة وزير الأوقاف الكويتي الموقر)





الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه واتبع رشده .. وبعد

فإنه يتكرر من آن إلى آخر أن تعمد إدارة رسمية في بعض الدول والممالك الإسلامية ـ مهما كان مسماها ـ إلى منع خطيب أو إمام أو واعظ من عمله، ويكون السبب الذي تبديه تلك الجهة الرسمية أن الخطيب خالف قانونها أو لوائحها، كذا دون تفصيل، وقد تفصل شيئا ما فتزعم أن الخطيب أحل حراما أو حرم حلالا أو خالف العقيدة الصحيحة، أو غلا أو نحو ذلك .. ويكون من البيّن الواضح لعامة الناس أن المذهب الاعتقادي أو الفقهي الذي تتبعه تلك الإدارة الرسمية لا يتفق مع المذهب الاعتقادي أو الفقهي الذي يقول به الخطيب .. ثم يجهر الناس بالشكوى والهذر الكثير في ذلك ما بين مؤيد للإدارة الرسمية أو رافض لقرارها حتى تكاد أن تكون فتنة، دون أن تعي تلك الإدارة الرسمية وأولئك الخائضون معا الموقف الشرعي الصحيح في مثل هذه الحوادث، ودون أن يعرفوا مكمن الداء وسبب هذا البلاء.

وإذ تجدد الآن مثل هذه الحادثة في الكويت حماها الله وسلمها وأهلها ـ والعهدة على وسائل التواصل والإعلام ـ بمنع خطيب جامع هشام بن عامر من الخطابة، ثم ضجيج وسائل التواصل ثم تدخل وزير الأوقاف بتجميد ذلك القرار .. إلخ



فإذ جد ذلك الآن ـ على ما وصفنا مما نقله الناقلون ـ فإني رأيت أن أجدد القول شرعا في هذه المسألة  ـ وسبق لي أن تعرضت لها كما سيأتي ـ لعل الله أن ينفع به من اطلع عليه فيكون بذلك خيرٌ للمسلمين، فأقول مستعينا بالله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم :

اعلم ـ فقهك الله في دينه ـ أن أهل الكتاب كانوا يقتتلون ويتناحرون ـ قبل الإسلام ـ ولا يطيقون الإقامة معا في بلد واحد، بل لا يزالون في عداء شديد، حتى إذا كانت الغلبة لطائفة منهم طغت على الأخرى وفتكت بها فاستباحتها وهدمت دور عبادتها ..

حتى جاء الإسلام فكفَّ بعضَهم عن بعض وعاش اليهود والنصارى لأول مرة في التاريخ جنبا إلى جنب مع المسلمين وإن اعتقدت كل طائفة منهم كفر الأخرى، هنا معبد للنصارى، وهناك معبد لليهود، وبينهما مسجد للمسلمين .. (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).

لقد قرر الفقه الإسلامي أن معابد النصارى ـ التي أقرها الفتح الإسلامي ـ هي أوقاف نصرانية أنشأها النصارى بأموالهم فهم يديرونها بأنفسهم لا يدخل المسلمون في شؤونها ـ وإن كان النصارى على باطل من الفعل والقول فيها ـ وكذلك معابد اليهود ..

مسجد سيدنا عمر بن الخطاب 
بجوار كنيسة القيامة

ولا يدخل المسلمون في شؤونها إلا أن توجب الضرورة الدخول كأن تدب بينهم فتنة وطفق بعضهم يعتدي على بعض فيحول المسلمون بينهم ويعيدوا الأمور إلى نصابها .. وها هي معابد أهل الكتاب في بلاد الإسلام قائمة منذ مئات السنين (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ..)

فإن كانت هذه سنة الإسلام في أهل الكتاب فكيف الظن بسنة الإسلام في أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله؟

لقد قرر الفقه الإسلامي بإجماع منذ فجر الإسلام أن الأحباس الإسلامية (الأوقاف) لها حرمة المال الخاص والملك الخاص، لأن الناس تبرعت بأموالها لغرض معين مشروع، فلا يمنعون منه ولا يسلب منهم، فتقر في أيدي أصحابها لا تُنزع منهم ولا تستبدل ولا تغير ولا يدخل فيها من ليس من أهلها، ولا يجوز العبث بخصائصها ولا يتعدى ما شرطه أصحابها فيها، ولا يحاد عما جرى عمل منشئها وبانيها فيها، سواء كانت مساجد أو مدارس أو آبار أو مستشفيات أو بساتين .. إلخ 

فتظل كما أراد صاحبها في حياته وبعد مماته، وأهلها مسؤولون عن مرمتها وإصلاحها وتعاهد شؤونها، ولا يعبث بها إلا فاسق.

وعلى هذا جرى عمل سائر الفقهاء في الأحباس (الأوقاف) فترى غالبا أوقاف المذهب المالكي يديرها المالكية وأوقاف الحنفية يديرها الحنفية وأوقاف الشافعية يديرها الشافعية وهكذا أوقاف الحنابلة والزيدية والشيعة والإباضية كل يدير أوقافه بنفسه كما يقرره فقه مذهبه، وإذا ولي فقيه أو قاض نظارة وقف معين لغير أهل مذهبه سار فيه بحسب شرط الواقف ومذهبه وإن كان الناظر نفسه على مذهب آخر.

وقد اعتبر الفقه الإسلامي المخالفة بالتصرف والعبث في هذه الأحباس (الأوقاف) بأي نوع من أنواع التصرف الخارجة عن مقصود المُحَبِّس (الواقف) اعتبره الفقه الإسلامي فسقا وضلالة.

وقد حافظ هذا النظام الإسلامي على اللحمة الوطنية والألفة الدينية والترابط الجمعي إذ كان كل قوم آمنين في أوقافهم مطمئنين فيها وعليها .. ولولا هذا النظام لشاعت الفتن وتباغض الناس وفشت بينهم العداوات واقتتلوا فيما بينهم، وتربص بعضهم ببعض الدوائر .. وقد حفل الفقه الإسلامي بنصوص هذه المسألة، وامتلأت صفحات التاريخ بهذا النجاح، فمن حافظ على الوقف مدحوه، ومن أخل به ذموه وسجلوا ذلك في صفحات التاريخ.

وفي الأزمان المتأخرة اختل العمل بالشريعة الغراء في إدارة البلاد الإسلامية، وفشا الضعف في كل شؤون المسلمين ومنها الأحباس (الأوقاف) فترى الحكومات الإسلامية من بعد أن كانت قديما توكل ذلك لقضاة كل مذهب وفقهائه أصبحت الآن تعين ناظرا للأحباس (الأوقاف) من الحزب الموالي أو الفئة السياسية المؤثرة والثقيلة أو من القرابة أو ذوي المال والجاه، وإن كان هذا المعيَّن أجهل خلق الله تعالى بالفقه الإسلامي عامة وبفقه (إدارة الوقف) خاصة، لا يراعون في ذلك ما أوجبه الشرع الحنيف، فلا عجب أن تُرتكب المحرمات والموبقات في حق هذه الأحباس (الأوقاف) .. حتى أن بعض هذه الأحباس التي حبَّسها أهلها قديما على طاعة الله تعالى صارت إلى محالّ لمعاقرة الخمور وأنواع الفسق بسبب جهل نظار الأوقاف ..

ومن هذا الباب في الزمن القريب ما جرى ويجري في بعض دول الخليج العربي خاصة، من تولية أتباع الدعوة النجدية (الوهابيين) ـ المنتسبين للسلفية ـ مقاليد الشؤون الدينية لأوقاف غير مذهبهم من الجمهور: السادة المالكية والشافعية والحنابلة، مع ما بين الطائفتين (الوهابيين والجمهور) من الاختلاف والتباين في العقائد والفقه، بل تعدى ذلك إلى إطلاق أيديهم في مساجد الجمهور وخطبائهم وأئمتهم يولون ويعزلون ويتصرفون فيها بناء على ما تقرره وتعتمده اجتهاداتهم النجدية الخاصة أو ما تراه المرجعية الدينية في نجد ! لا على المعتمد لدى علماء المذاهب المعتبرة المذكورة.

فانظر واعجب كيف سَلِمَت أوقاف اليهود والنصارى وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى إذ بقيت في أيديهم، ونَجَت أوقاف المسلمين الشيعة فلا سلطان لسني عليها .. ولكن لم تسلم أوقاف الجمهور من تسلط غيرهم عليها !

ولا ريب أن هذه صورة من أوضح صور العبث بالأحباس (الأوقاف) الإسلامية، والانحراف الجلي عن الفقه الإسلامي الموجب لفسق فاعله لارتكابه كبيرة من الكبائر .. وكيف لا يكون فاسقا من يأكل أموال الناس بالباطل ويشيع بينهم العداوة والبغضاء ويسلط بعضهم على بعض كأنه شيطان رجيم؟

وفي أدب اللغة المعاصرة يدعى مثل هذا المسلك من تسليط أو تسلط فئة على أخرى يدعى بالاضطهاد الديني أو المذهبي أو الطائفي .. وتجرمه وتحاربه أكثر الأمم المتحضرة ..

وما واقعة الكويت إلا مثال صارخ على ما وصفنا من إهمال قوانين الفقه الإسلامي في شؤون الأحباس (الأوقاف) حيث أوكلت شؤون المالكية أو الشافعية أو الحنابلة إلى قوم يختلفون مع مذاهب الجمهور عقيدة وفقها، وربما انتسبوا إلى الحنبلية نسبة لا يصدقها الواقع العلمي للحنابلة، فإنهم ربما يحكمون في مسألة ما بأنها شرك أوبدعة، ثم يكيدون لشيوخ المذاهب الأخرى فيعملون على تصفيتهم من المنابر والمساجد تحت سمع وبصر ولاة الأمر، كما حصل عندنا ولا يزال.

الكويت بالذات التي أتحفت العالم الإسلامي بالموسوعة الفقهية التي لم ينسج على منوالها في جمع وترتيب المذاهب الإسلامية المعتبرة لا يليق بها البتة أن تسلم شؤونها الدينية إلى فئة لا تؤمن بالمذاهب الفقهية، ولا فقه عندها إلا ما عرف في نجد وضواحيها، فإن هذه الفئة يليق بها أن تدير أوقاف الدعوة النجدية فقط لا سواها.

كان الواجب إذا بدر من عاملِ وقفٍ معينٍ ما يشكل من قول أو فعل ـ  خطيب أو غيره ـ كان الواجب أن ينظر في مذهب الوقف، فإن كان له مذهب معين تحال مسألته إلى علماء ذلك المذهب فإن كان مالكيا تحال لفقهاء المالكية وإن كان شافعيا فكذلك وإن كان شيعيا فكذلك وإن كان وهابيا فكذلك فلا يستفتى شافعي في شأن وقف شيعي ولا يستفتى وهابي في شأن وقف زيدي وهكذا .. ولكن يستفتى أهل المذهب نفسه في وقفهم، فكل مذهب أحق بوقفهم وما بذلوا فيه أموالهم هم وآباؤهم ..

وإن لم يكن للوقف مذهب معروف تحال المسألة إلى علماء المذاهب المعتبرة (لجنة حقيقية لا صورية) فإن أجمعوا على غلطه خُيِّر بين الأوبة أو العزل، وإن اختلفوا ولم يجمعوا فلا سبيل إلى عزل ذلك العامل.

وأقول هنا بوجه خاص إن كان الشيخ الكندري خطب بمثل هذا الكلام ـ المنشور ـ في وقف وهابي فعزله عنهم من حقهم، لأنهم يعتقدون مثل هذا الكلام (وقصيدة البوصيري) غلوا، ويحول الشيخ لوقف غير وهابي من أوقاف المذاهب الأربعة.



وأما إن كان الشيخ خطب بهذا في وقف من أوقاف المذاهب الأربعة أو غير تابع لمذهب معين فلا سبيل إلى منعه أو عزله لأن ما خطب به لا يعد غلوا لا عند المذاهب الأربعة ولا غيرها خلا المذهب الوهابي، وينحل الإشكال.

هذا كله إذا أحسنا الظن وتأولنا ما اقترفه النافذون العابثون بالأحباس على أنه جهل منهم وتجرد عن الفهم والفقه غير مقصود.

وأما إن كان الأمر قد جاوز الجهل بالفقه إلى القصد والتعمد والتخطيط مكرا وخداعا واستغلالا لمسائل الخلاف  لإذكاء الفتن والتفرقة بين المسلمين وإغراء بعضهم ببعض فتلك مصيبة عظيمة، ولا يدفع هذا الاحتمال إلا حسن الظن المندوب إليه شرعا.

وفي أفراد بعض الطوائف الإسلامية سذاجة وغباء تبعثهم على الفرح والسرور بمثل هذه الأدوار الشيطانية، فيقبلون القيام بها بجهل وقلة فقه غير عابئين بمغبتها.

نسأل الله تعالى مخلصين أن يوفق ولاة أمور المسلمين عامة إلى إدارة إسلامية فقهية صحيحة، بعيدة عن خبث السياسة وبريق المال، وأن يوفق وزير الأوقاف الكويتي خاصة إلى سديد القول والعمل وأن يبصره بالحق، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والحمد لله رب العالمين.

اقرأ كذلك إن شئت مقالات متعلقة بالوقف :










الخميس، 26 يوليو 2018

صلاة الخسوف في المذهب المالكي





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أنا إمام مالكي وقرأت دعوة الأوقاف إلى صلاة الخسوف في الجوامع فهل أصليها في جماعة مع أني مالكي المذهب؟

الجواب :

صلاة خسوف القمر مستحبة.
وهي ركعتان كأي نافلة.
ويجهر فيها بالقراءة.
وتصلى في البيوت فرادى.
ولا تشرع لها الجماعة على المعتمد في المذهب المالكي.
قال مالك رحمه الله في المدونة : ( ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلا في خسوف الشمس ، ولم يعمل أهل بلدنا فيما سمعنا وأدركنا إلا بذلك .
قال : وما سمعنا أن خسوف القمر يجمع له الإمام)

هذا ملخص مذهب أهل المدينة في صلاة الخسوف، فإن كنت مالكي المذهب وتصلي في جامع من أوقاف المالكية فلا تصلها جماعة ولا تأذن لأحد في صلاتها جماعة، وأما إن كنت إماما في جامع من أوقاف الشافعية أو لا يعرف له مذهب محدد فيمكنك أن تنيب عنك شافعيا يصلي بالشافعية.

والدعوة الموجهة من الجهة الرسمية المذكورة إلى صلاة الخسوف في الجوامع تتجاهل المذهب المالكي غالبا، كما جرت العادة بذلك منهم في مناسبات سابقة، إذ يفتون بما يرونه وما يترجح لديهم، ثم ينشرونه في تعميم ـ وإن كانوا قد لا يقصدون الإلزام ـ ولا ريب أن ما يترجح لديهم لا يعني أهل المذاهب المعتبرة من قريب أو بعيد، ولا يمكن الجهة المذكورة الإلزام في قضايا الخلاف فضلا عن إلزام المالكية بخلاف مذهبهم في بلدهم وأوقافهم، ولا أظنهم يدَّعون ذلك أصلا أو يقصدونه، فاعمل بما تقرر في مذهبك ولا تلتفت لغير ذلك، هذا والله أعلم.

انظر هنا مقالة سابقة عن إعلان الأوقاف عن صلاة الكسوف

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

يوم الزندقة العالمي !



((يوم الزندقة العالمي!))

 في العاشر من المحرم نجى الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من فرعون وبطشه، فأغرق الله سبحانه فرعون ومن معه ونجى موسى ومن معه، فكان أهل الكتاب يصومون هذا اليوم شكرا لله تعالى ثم صامه المسلمون، وقال نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (نحن أولى بموسى منهم) فصام يوم عاشوراء وسن للمسلمين صيامه.

وفي يوم لا يقل عظمة نجى الله سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام من الذبح في امتحان صعب فاز فيه خليل الله إبراهيم عليه السلام، وفدى الله إسماعيل بكبش عظيم، فكان ذلك اليوم عيدا للمسلمين ـ عيد الأضحى ـ وكان مع أيام منى بعده أيام فرح وسرور وأكل وشرب إلى اليوم.

ثم أشرقت شمس الرحمة الكبرى، رحمة الله للعالمين وخاتم المرسلين سيد الأنبياء وقائد المرسلين سيدنا المصطفى نبي الهدى صلوات الله وسلامه عليه في 12 من ربيع الأول ـ على القول المشهور ـ في يوم اثنين، فكان يوما عظيما ظهرت فيه آيات عجيبة من آيات الله، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الاثنين فقال لمن سأله : (ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه) انتهى الحديث، وهو في صحيح الإمام مسلم، ومعناه واضح في تعظيم يوم مولده، ولكنه غير صريح فيما إذا كان مثل يوم موسى فيصام فيه، أم مثل يوم إسماعيل فلا يصام فيه بل يفعل فيه من الأكل والسرور والبهجة ما يفعل في العيد فيشبه العيد كيوم الجمعة، فذهب بعض الفقهاء إلى أنه يصام، وذهب أكثر الناس إلى أنه أشبه بيوم إسماعيل ويوم الجمعة فلا يصام بل هو يوم أكل وشرب وسرور وزينة، فيفعل فيه ما يفعل في العيد من التوسعة والسرور وأنواع المبرات، وقد مال جمهور المسلمين شيئا فشيئا إلى هذا القول الثاني حتى كاد ينعقد الإجماع على هذا، وظهر ذلك في الأمة ظهورا بينا في القرن السادس الهجري وما بعده إلى اليوم.

قال الإمام محمد بن عبد الله الخراشي المالكي في شرح مختصر خليل :
((وكره بعضٌ صوم يوم المولد، أي لأنه من أعياد المسلمين))

قال العلامة محمد ابن عرفة الدسوقي المالكي في حاشيته الشهيرة على الشرح الكبير :
والعلامة شهاب الدين أحمد الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير :
((تنبيه : من جملة المكروه - كما قال بعضهم - صوم يوم المولد المحمدي إلحاقا له بالأعياد)) انتهى النقل.

وفي مقابل هاذين القولين القائسين على يومي موسى وإسماعيل ويوم الجمعة، هناك فريق يرى أن الاحتفاء والاحتفال به يفتقر إلى نص خاص مفصل فهو بدعة، ثم من هؤلاء من اقتصد فرآها بدعة مكروهة، ومنهم ـ وهم الأقل ـ من بالغ فذهب إلى أنها بدعة محرمة، وهذا الفريق القائل بالتحريم نسبته ضئيلة جدا، بل تضاءلت حتى كادت تنعدم من الأمة الإسلامية في قرون متطاولة إلى أن ظهرت الحركة النجدية فجددت هذا القول وأحيته ثانية.

هذا ملخص تاريخي وفقهي قصير جدا لمسألة يوم المولد النبوي، فكل علماء الأمة متفقون أنها مسألة فقهية اجتهادية لا مجال للتفسيق فيها والتطاحن والتنابز بالألقاب، وأن مسائل الاجتهاد تورث المجتهد أجرا إن أخطأ أو أجرين إن أصاب، وكلهم متفق أن يوم مولده يوم عظيم، وإنما اختلفوا فيما يفعل في هذا اليوم.

اليوم الذي نحن فيه هو الجمعة السادس من ربيع الأول الموافق 24 من نوفمبر 2017م أي قبل يوم المولد النبوي بنحو ستة أيام، وقد لوحظ أنه تناول عدد من خطباء الجمعة مسألة المولد مختلفين في طريقة تناولها، فمنهم من حام حول الحمى ولم يقع في أصل المسألة، ومنهم من اكتفى بالرمز والتورية واسمعي يا جارة، ومنهم من تحدث عن بدعة نصف شعبان ! واللبيب بالإشارة يفهم، ومنهم من صرح بالبدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وكل هؤلاء لا يعنينا شأنهم إذ من الواضح البين أنهم يمثلون الرأي القائل بتحريم الاحتفال بالمولد ـ الذي أحيته الحركة النجدية بعد أن كاد يموت ـ ولكن نلفت عنايتهم إلى أمرين مهمين جدا قد يكونون في غفلة عنهما: 

الأول : أن تحريم المولد ـ وإن كان قولا اجتهاديا سائغا من الناحية الاجتهادية ـ لا يجوز أن ينطلق من منبر من أوقاف المسلمين القائلين باستحسان المولد، لأن مخالفة واقف الوقف في مذهبه ممنوعة بإجماع الفقهاء، وهذا من باب أكل أموال الناس بالباطل يغفل عنه كثيرون، وقد نبهنا إلى ذلك مرارا. 

الثاني : أن التعريض بالمولد النبوي مع اختيار أولي الأمر الاحتفاء به ليس من الفقه في شيء، والأولى بهم وبإدارتهم الكف عن ذلك بما أن ولي الأمر اختار استحسان الاحتفاء بيوم مولده، وإلا فأي منطق في احتفال وزارة العدل بيوم المولد وفي نفس الوقت تسمح إدارة الأوقاف بتبديع الاحتفال به؟!! 
لكن إلى هنا الأمر كما قلنا لا جديد فيه فقها وتاريخا.

إلا أن الغريب الجديد الموجب للنقد والتحذير هو ما تفوه به الخطيب المكلف من إدارة الأوقاف السنية بمسجد عبد الله بن إبراهيم الخليفة بالرفاع اليوم إذ تعرض للاحتفال بمولد النبي ثم فاه بهذه الحروف :


(( .. هذا ليس بدين، هذه زندقة ..))


وسأشرح لإدارة الأوقاف السنية ـ وللنيابة العامة في البحرين ـ معنى كلمة زندقة التي أطلقها خطيب إدارة الأوقاف على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف :

من هو الزنديق؟


قال ابن منظور في لسان العرب :
((الزنديق معروف، وزندقته أنه لا يؤمن بالآخرة ووحدانية الخالق..)) انتهى. 

قال الإمام العبدري المالكي في التاج والإكليل لمختصر خليل ـ من عمد أصحابنا المالكية ـ :
((الزنديق من يظهر الإسلام ويسر الكفر)) انتهى النقل.

وجاء في الإقناع للعلامة الخطيب الشربيني الشافعي ـ من معتبرات كتب السادة الشافعية ـ ما نصه :
((والزنديق من يخفي الكفر ويظهر الإسلام .. أو من لا ينتحل دينا  ..)) انتهى النقل.

ويقول العلامة ابن نجيم من كبار فقهاء السادة الحنفية  في كتابه البحر الرائق :
((الزنديق في ظاهر المذهب هو من لا يتدين بدين وأما من يبطن الكفر والعياذ بالله تعالى ويظهر الإسلام فهو المنافق..)) انتهى النقل.

وفي الشرح الكبير لابن قدامة ـ من كتب السادة الحنابلة ـ جاء ما يلي :
((والزنديق الذي يظهر الاسلام ويستسر الكفر وهو الذي كان يسمى منافقا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ويسمى اليوم زنديقا)) انتهى النقل.


إذن فالزندقة عند فقهاء المذاهب الأربعة لا تخرج عن أحد معنيين :
الأول : النفاق بمعنى التظاهر بالإسلام مع إبطان الكفر.
الثاني : الإلحاد وعدم التدين بأي دين.
ولا تختلف باقي المذاهب الإسلامية عما تقدم.

وكلا المعنيين كما ترى كفر وخروج من الإسلام.
فما معنى أن الاحتفال بالمولد النبوي زندقة؟ معنى هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي إما نفاق وتظاهر بالإسلام مع استبطان الكفر، وإما إلحاد وعدم تدين بالإسلام فضلا عن باقي الأديان.

وتعالوا بنا نبني من هذه المقدمات قياسا منطقيا واضحا :
المقدمة الأولى : الاحتفال بالمولد النبوي زندقة
المقدمة الثانية : الزندقة نفاق كفر أو إلحاد
النتيجة : الاحتفال بالمولد النبوي نفاق كفر أو إلحاد !!

إذن فالنتيجة المنطقية أن خطيب إدارة الأوقاف السنية يرمي الاحتفال بالمولد النبوي بالنفاق أو الإلحاد !! والنتيجة الخاصة التي أستخلصها من هذا القياس أن بعض الخطباء الذين تعينهم إدارة الأوقاف إما يجهلون المصطلحات الفقهية وما تحمله من معان ـ وتلك مصيبة ـ وإما يعلمون ما تتضمنه جيدا ـ فالمصيبة أعظم ـ فيتهمون المسلمين المحتفلين بالمولد النبوي بأنهم منافقون أو ملحدون، ويلقنون الناس في المساجد أنهم وآباءهم وأجدادهم المحتفلين بالمولد النبوي كانوا منافقين ملحدين .. وأن ملوك وأمراء الدول الإسلامية ورؤساء الدول العربية والإسلامية حينما يتبادلون التهاني بمناسبة المولد النبوي إنما يتبادلون التهاني بالنفاق والإلحاد، وأن الدول الإسلامية غربا وشرقا إنما تحتفل بالنفاق والإلحاد، وأن حكومات العالم الإسلامي حينما تجعل يوم المولد يوم إجازة رسمية إنما تساعد النفاق والإلحاد .. وأن الصحافة العربية والإسلامية وجميع المؤسسات والجهات الثقافية حينما تهتم بالمولد إنما تنشر النفاق والإلحاد، فقد جعل هذا الخطيب يوم 12 ربيع الأول يوم زندقة عالميا لا يوم احتفاء وذكرى بيوم من أيام الله بيوم مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، فالتذكير  بالأنبياء والمرسلين كالاحتفال بهتلر ولينين واستالين سواء بسواء كلاهما كفر وزندقة!!

فكيف يستغرب ـ في حال استجلاب خطباء من هذا النوع وتأييدهم ـ من فشو التكفير والتفسيق بالباطل، وظهور شباب متهور يستبيح الخروج على المسلمين لأنه حكم بنفاقهم وكفرهم، ولا يستبعد أو يستغرب الإقدام على تفجير المساجد بمن فيها من المسلمين بحجة أن المسجد مسجد ضرار وأن مرتاديه ليسوا مسلمين بل منافقون ملحدون!!

هل يحق لنا إن سكت أولو الأمر عن مثل هذا الخطيب أن نتساءل ونتباحث من أين وكيف ينشأ التكفيريون الخوارج؟؟

وفي المقابل تتم ملاحقة بعض المشايخ الأزهريين في النيابة العامة ـ هنا في البحرين ـ بتهمة انتقاد الأوقاف بأنها تتساهل مع التكفيريين !! وما عسانا نسمي دعوة المحاضرين المعروفين بتبني العنف وقتل المسلمين؟ وماذا نسمي توظيف خطباء يرمون المسلمين بالنفاق الأعظم والإلحاد؟ هل يسمى تسامحا ووسطية أم غلوا وتشجيعا على التكفير والقتل واستحلال الدماء؟

لولا الرضى أو التساهل في هذه المسائل لما تفوه هذا الخطيب الأجنبي بمثل هذا الكلام في بلد عربي إسلامي كان إلى عهد قريب يحتفل بالمولد النبوي في كل حي ومدينة من مدنه قبل أن تشن عليه الحملات لتغيير فكره ومذهبه ومعتقده ..

على أن هذا الخطيب كان قد ظهر في تلفاز البحرين ليشبه الاحتفال بالمولد النبوي بالاحتفال بمواليد الآلهة الوثنية !! أي أن القصد إلى الغلو في الطرح متعمد ومبيت ومستمر ومؤيد.. 

ما كان هذا الإنسان ليجرؤ على الطعن والتسفيه لفقه وتاريخ الأمة عموما وتاريخ وثقافة البحرين الأصيلة خصوصا لولا أنه يرى ضوءا أخضر وطريقا معبدا للتفوه بمثل هذا الكلام الذي لم يسمع مثله من فقيه عالم قط عبر التاريخ، ولكن : يالك من قبرة بمعمر ** خلا لك الجو فبيضي واصفري.


اقرأ مقال المولد النبوي في البحرين قبل 60 عاما

الجمعة، 17 فبراير 2017

بطلان الجمع للمطر في النهار عند المالكية



بطلان الجمع للمطر نهارا عند المالكية

الحمد لله الذي نزل علينا الغيث ولم يجعلنا من القانطين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وإمام المتقين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد .

فإن الشيخ الفاضل خطيب جامع الفاتح الإسلامي بالمنامة، في هذا اليوم العشرين من جمادى الآخرة من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية، والذي تذاع خطبته في الأقنية العامة، والفضائية، وبعد أن أمتع المسلمين بخطبته العصماء، وشنف آذانهم بمحاسن الوعظ، وجوامع الدعاء، وعلى إثر إقامة صلاة الجمعة المباركة ذكر للناس أنه سيجمع بين صلاتي الجمعة والعصر بسبب المطر، وذكر أن هذا الجمع يجيزه المالكية والشافعية تيسيرا على الناس وتخفيفا ..


جامع الفاتح الإسلامي من معالم البحرين

فرأيت واجبا علي أن أبين أن الجمع الذي حصل بين الصلاتين لا يصح على أي مذهب من المذاهب الأربعة ..

أما المالكية والحنابلة فلأنهم لا يجيزون الجمع بسبب المطر في النهار، ويختص الجمع بسبب المطر عندهم بالليلة المطيرة أي بين المغرب والعشاء فقط مع شروط أخرى لا داعي لتفصيلها.
وأما الحنفية فلا يجوز الجمع عندهم بسبب المطر أصلا، لا في النهار ولا في الليل.
فلم يبق إلا الشافعية، فهم الذين يجيزون الجمع في النهار بين الظهر أو الجمعة والعصر بسبب المطر، ولكنهم يشترطون شروطا لصحة هذا الجمع :
منها أن يكون المطر هاطلا بالفعل في بداية الصلاة الأولى (وهي الجمعة هنا) وهاطلا بالفعل من نهاية الأولى إلى بداية الصلاة الثانية (وهي العصر) ..
ومنها أن تكون كثافة المطر بحيث تبتل منه الثياب ..
بل قال العلامة الخطيب الشربيني في مغنى المحتاج ـ من كتب الشافعية المعتبرة ـ : (ويشترط حصول مشقة بالخروج مع المطر .. فلا يعذر بالخفيف ولا بالشديد إذا كان يمشي في كن) اهـ .
وقوله : (في كن) أي ما يحجب عنه المطر كسقف وسيارة ..

فهذا الجمع لا صحة له على أي مذهب من المذاهب الأربعة.
وبعض الناس يلجأ إلى الحيلة التي يسميها الفقهاء (التلفيق) بأن يأخذ مسألة من مذهب ومسألة من مذهب آخر، ويركب منهما مذهبا جديدا لا قائل به، فمثلا يأخذ جواز الجمع في النهار من الشافعي وعدم اشتراط هطول المطر بالفعل من المالكي، فيخترع مذهبا جديدا لا قائل به وهو جواز الجمع في النهار للمطر المتوقع الهطول، وهذه الحيلة مما يقول جمهور الفقهاء بإبطالها وتحريمها، لأنها تنتج عبادة لا يقول أحد من المذاهب بجوازها.
ولو فرضنا أن إنسانا أراد اتباع هذه الحيل فليس له أن ينسب هذه الحيل إلى أي مذهب من الأربعة بل ينسبها إلى نفسه.
والشيخ الخطيب المذكور نعرف أنه عالم شافعي المذهب لا يخفى عليه مذهب الشافعية كما أظن، فالظاهر أنه أخبره من يثق به أن المطر مستمر، والحقيقة أننا رأيناه منقطعا قبل الصلاة وبعد الصلاة إلا رذاذا لا يسمى مطرا.
وأما إضافته جواز ذلك الجمع إلى مذهبنا المالكي فالظاهر أنه أشكل عليه فظن أن المالكية يجيزون هذا الجمع فنسبه إليهم سهوا.

والمظنون بفضيلته تصحيح ذلك في الخطبة القادمة إن شاء الله بتنبيه قصير يوضح فيه عدم صحة نسبة الجواز إلى المذهب المالكي، وضرورة التزام الشروط لمن أراد الجمع في المذهب الشافعي، وإننا ممن يحرص بين الحين والآخر على صلاة الجمعة معه لما لفضيلته من العلم ولما لخطبته من الحسن والتأثير نفع الله به وزاده من فضله، هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.

الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

سؤال عن هدم مسجد وتعويضه في موضع آخر



نص السؤال :
((ماذا يجب على من هدم مسجدا ليبني مكانه مكتبة، وبنى عوضا عن المسجد الأصلي مسجدا آخر بالقرب منه )) اهـ.

الجواب :

يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما جناه، ويجب عليه أن يعيده كما كان.

فقد سئل الإمام أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني صاحب الرسالة عمن تعدى على مسجد فهدمه.
فأجاب : 
((يجب عليه أن يعيده كما كان وأحسن)). (المعيار المعرب 7/337).

بل لو تهدم المسجد بنفسه لأثم الناس الذين تركوه يتهدم ووجب أن يعيدوه، فكيف بالهادم؟!

فقد سئل الإمام أبو محمد أيضا عمن تركوا مسجدهم يتهدم هل هم مجبرون على بنائه من أموالهم ؟
فأجاب : 
((أما تركهم إياه مهدوما مع قدرتهم على البناء ولا غرض لهم فيه فهم آثمون)) .. (المعيار المعرب 7/338).

وكما يحرم هدمه يحرم بيعه أو تأجيره أو هبته .. ولو كان فاعل ذلك الباني نفسه، لأنه لما بناه مسجدا وفتحه للناس يصلون فيه خرج عن ملكه وصار وقفا لله تعالى، فلو تصرف فيه بعد ذلك ببيع أو إجارة أو هبة ينقض ذلك كله عليه ويعاد الأمر إلى أول عهده وجوبا، ففي مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل : 
((وأما الذي بنى مسجدا فأكراه فلو أباحه للمسلمين لكان حبسا لا حكم فيه له ، ولا لأحد فيه)) اهـ.

وفي المنح والمواهب وغيرها من كتب السادة المالكية عن الإمام مطرف فيمن بنى مسجدا وصلى فيه نحو السنتين ثم باعه ممن نقضه وبناه بيتا أو تصدق به قال : 
((يفسخ ما فعل ، ويرد إلى ما كان عليه مسجدا ، وهو كالحبس لله تعالى لا يجوز بيعه ولا تحويله ..)) اهـ.

وأما تعويض المسجد في مكان آخر فهذا إنما يجوز للضرورة الواضحة بحكم الحاكم الذي ينظر في المصلحة، وأي مصلحة في هدم مسجد قائم وبناء مكتبة موضعه؟! فكان على هذا الهادم للمسجد إذا أراد بناء مسجد آخر أن يبنيه في مكان آخر دون التعرض للمسجد الأول بشيء، وعليه حتى يتخلص من الإثم العظيم أن يعيد المسجد الأول في موضعه بمثل بنائه أو أحسن، هذا والله تعالى أعلم.