الجمعة، 30 مارس 2012

صحيح الانتصار لفاتح الأمصار

صحيح الانتصار لفاتح الأمصار
فاروق الأمة وأمير المؤمنين أبو حفص عمر ابن الخطاب رضي الله عنه

نحمد الله على كل حال، ونعوذ بالله من الزيغ والضلال، ونصلي ونسلم على مولانا ونبينا محمد سيد الرجال، وعلى منابع العلوم والأنوار من الآل، وعلى أصحابه ذوي الاتباع لشرعته والامتثال، لا سيما فاروق الإسلام، وأمير المؤمنين، أبو حفص عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ..

ثم أما بعد ..

وردني هذا السؤال بنصه وفصه :

شيخنا الفاضل .. لقد ثارت مؤخرا قضية المعلمة الشيعية التي أجبرت الطفل عمر على تقبيل رجليها .. فما رأيكم في هذه القضية؟

الجواب :

الذي شاع وانتشر عبر وسائل الاتصال ـ والعهدة على الراوي ـ أن معلمة شيعية تخلع حذاءها وتجبر طفلا اسمه عمر على تقبيل قدمها بغضا منها لأمير المؤمنين إذ كان الطفل سَمِيَه، وأن هذه دعوى والد الطفل المذكور، ثم لقيت دعواه هذه تأييدا حتى صارت حديث المجالس، وحديث المجالس يضطر الجهات المعنية في نهاية المطاف أن توقع عقوبة بالمعلمة .. مع أن المعلمة منكرة لصورة الدعوى التي شاعت ومقرة بأنها لم تمنع الأطفال من استقبالها كما يستقبلون أمهاتهم وخالاتهم لا شيء سوى ذلك .. فعوقبت على هذا الذي أقرت به، لا على أصل الدعوى، ثم إن ذلك لم يرض المدعي ومن والاه، فما زالوا يغلون في المطالبة بالعقوبة ويبالغون حتى جعلوا القضية محنة تظهر السني الغيور ممن سواه، ويميزون بها الخبيث من الطيب ! وظهر فيها تهديد ووعيد تمخض ـ كما قيل ـ عن فصل المعلمة ! هذا الذي سمعناه في القضية ..

وانقسم الناس قسمين: قسم يزعم أنه ينتصر للمعلمة فيكذب الدعوى كما هو حال أكثر الشيعة، وقسم يزعم أنه ينتصر لأمير المؤمنين فيصدق الدعوى ويدعو كل سني غيور إلى إظهار موقفه كما هو حال جمع من أهل السنة .. هذا هو الحال حتى الآن.

وأنت أيها السائل الكريم تسألني عن أمر لم أحط بتفاصيله ولا أعلم حقيقته إلا كما يعلمها سائر الناس من الصحف ومواقع التواصل، فإن أردت رأيي بناء على هذا المقدار المعلوم لدي فدونك والله أعلم :

أما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمقامه في سويداء قلوب أهل السنة والجماعة أمر معلوم بالضرورة، مفروغ منه، لا يجهله جاهل فضلا عن عالم، واعتقاد تعظيمه وتبجيله وتقديمه بعد الصديق منصوص في عقائد أهل السنة قاطبة .. لا يجادل في هذا إلا من سفه نفسه .. وهكذا هو الحال إلى يوم القيامة، لا تردد فيه ولا تراجع، ولا جدال ولا تدافع .. قضاء مبرم، وقدر محتم .. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم ..

ومن ثبت تطاوله على مقامه العظيم بأي صورة من الصور، فحقه العقاب الأليم، والتعزير المقعد المقيم .. هذا أمر مفروغ منه.

إلا أن ما جرى على بساط الواقع وأرض الحقيقة ـ بناء على منشور الصحف ومواقع التواصل ـ لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله ولا أمهات المؤمنين وسائر أهل بيته، ولا أصحابه، ولا يرضاه أمير المؤمنين عمر، ولا يرضاه التابعون بإحسان، ولا يرضاه أئمة الدين من أهل الفقه والعلم.. ولا نرضاه نحن، ولا نقبله وننهى عنه أشد النهي ونحذر منه المسلمين..  

لأن الله تعالى قال وقوله الحق : (ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فنهانا عن ظلم الآخر ولو كان عدوا لنا ..
وقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فأمر سبحانه بالتثبت في الأخبار والأنباء، وأوجب التحري فيها قبل إذاعتها..
وقال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) فأوجب علينا حسن الظن عند سماع التهم لا سوء الظن، كما أوجب الشهادة ووصف من رمى الناس دون شهادة بالكاذب ..

والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وقد ثبت وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي ، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)

وقد ذكروا لتحديث ابن عباس بهذا سببا، وهو أن ابن أبي مليكة كان قاضيا على الطائف في إمارة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فأحضروا عنده جاريتين، وإحداهما مطعونة بمخراز في كفها والدماء تسيل منها، وتدعي على الجارية الأخرى أنها طعنتها في كفها، ولما لم يكن هناك بينة ودليل واضح سوى دعوى المطعونة فقد تعين أن تحلف الأخرى المتهمة، فإن حلفت برئت، ولكن القاضي ابن أبي مليكة أحب أن يسأل حبر الأمة عبد الله بن عباس فكتب إليه بالقضية فرد عليه ابن عباس بهذا الحديث النبوي وطلب منه أن يذكر الجارية المتهمة بالله وأن يتلو عليها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا) قبل أن تحلف كاذبة، ففعل ابن أبي مليكة ما أشار به ابن عباس، فخافت الجارية من الله تعالى واعترفت ولم تحلف.

وقد أطبق أهل العلم والفقه أن البينة لا بد منها وأن الدعاوى لا تسمع دون بينة، هذه شريعة الإسلام، شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قضاء أمير المؤمنين عمر ودينه الذي عاش ومات عليه، وهو قضاء أهل الإسلام قاطبة .. فمن زعم أنه منتصر لأمير المؤمنين عمر فبأحكام الشريعة ولها فلينتصر وإلا فإنه لا يكون قد انتصر لعمر وإن زعم أنه منتصر له، ألا ترى أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون بإحياء سنته وتثبيت دعوته، فكذلك تكون نصرة عمر ببث المساواة والعدل الذي عرف به ونشر الأمن والضرب على يد الظالمين .. فمن فعل ذلك فقد انتصر لعمر، وأما من خالف هذا المنهج وخالف الشريعة ومشى على (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) بمعناها الجاهلي، فهذا لم ينصر عمر بل نصر أبا جهل وأمية بن خلف وأضرابهم من صناديد قريش وأزلام الجاهلية الأولى.

فإذا قيل الآن أن معلمة أجبرت طفلا اسمه عمر على تقبيل قدمها إهانة لاسم سيدنا عمر بن الخطاب فهذه دعوى ولا بد لها من بينة، فهل سمع الناس الذين خاضوا في هذه القضية أن المدعين قد جاؤوا ببينة مقبولة شرعا؟؟؟؟؟

إنا إلى الآن لم نسمع بها، ولم نعلم ما هي هذه البينة، هل شاهد ذلك رجلان عدلان؟؟ هل أقرت المرأة واعترفت بهذا الفعل والقصد؟
أما الذي نشر وأذيع فليس فيه أنها أقرت بما اتهموها به، وليس فيه شهادة شهود عدول تقبل شهادتهم، فكيف جرى كل ذلك وألحقت بها تلك العقوبات دون بينة تذكر؟؟؟ وكيف سكت أهل العلم والناس عن ذلك كله ورضوا به؟ ومن هو القاضي الذي قضى بكل هذا؟؟ في أي مذهب هذا القضاء وأي دين؟؟ وكيف ساغ لمن يدعون اتباع السنة والجماعة، والغيرة على الشريعة والمطالبة بها أن يخالفوا الشريعة؟؟ بل كيف ساغ لمن يخالف الشريعة أن يخالفها بدعوى الغيرة على سيدنا عمر الذي عاش ومات من أجل سيادة هذه الشريعة؟ ومنذ متى والغيرة على الدين والسنة والشريعة والصحابة تقتضي مخالفة الدين والسنة والشريعة وهدي الصحابة؟

فإن قيل بأن الأطفال شهدوا بهذا !
فنقول بأننا لم نسمع فيما نشر أن الأطفال شهدوا أو أجمعوا واتفقوا على أنها كانت تخلع حذاءها ثم تأمره بتقبيل قدمها ! لم يذكر فيما نشر شيء من ذلك.

ثم هب أن الأطفال شهدوا بذلك ففي أي مذهب أو شريعة قبول شهادة الأطفال وهم عرضة للخيال؟! ألم يعلم هؤلاء أن إطباق الفقهاء وأهل العلم على رد شهادة الصبيان؟ ومن قبلها لم يقبلها إلا في حدود معلومة وشروط منصوصة؟ وإليك جملة من نصوص الأئمة حتى يتضح لك الأمر:

مذهب السادة الحنفية:

أما السادة الحنفية فقد ذكروا من شروط من تقبل شهادته شرط البلوغ، ففي بدائع الصنائع من كتبهم ما نصه:
((ومنها البلوغ فلا تقبل شهادة الصبي العاقل لأنه لا يقدر على الأداء إلا بالتحفظ، والتحفظ بالتذكر، والتذكر بالتفكر، ولا يوجد من الصبي عادة، ولأن الشهادة فيها معنى الولاية والصبي مولى عليه، ولأنه لو كان له شهادة للزمته الإجابة عند الدعوة للآية الكريمة وهو قوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } أي دعوا للأداء فلا يلزمه إجماعا)) اهـ.

مذهب السادة الشافعية :

وأما السادة الشافعية فمذهبهم رد شهادة الغلمان مطلقا استدلالا بقوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فلا بد من الرجولة، وعبارة الإمام الحبر الشافعي في الأم صريحة واضحة إذ قال:

((وإذا شهد الغلام قبل أن يبلغ، والعبد قبل أن يعتق، والكافر قبل أن يسلم، لرجل بشهادة فليس للقاضي أن يجيزها ولا عليه أن يسمعها وسماعها منه تكلف)) اهـ. وهذا هو مذهبهم.

مذهب السادة الحنابلة :

أما الحنابلة ففي الإنصاف من كتبهم مايلي في شروط الشاهد:

((أحدها البلوغ فلا تقبل شهادة الصبيان، هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب ..)) اهـ. فهذا هو المعتمد والمعتد به عندهم.

مذهب أئمتنا السادة المالكية :

وأما مذهب أئمتنا السادة المالكية فالأصل عندنا أن الصبيان لا تقبل شهادتهم، قال في بلغة السالك من كتبنا :

((اعلم أن شهادة الصبيان الأصل فيها عدم الجواز في كل شيء لعدم العدالة والضبط فيهم، إلا أن أئمتنا جوزوها في شيء خاص للضرورة بشروط ..)) اهـ ثم ذكر الشروط وأنا ألخصها وأوضحها هنا:

يشترط في شهادة الغلمان الشروط التالية:

الأول : أن تكون على بعضهم ، لا على كبير. (وقضيتنا على كبير)
الثاني : أن يكون في جرح وقتل فقط لا في مال ولا في غيره .. (وقضيتنا في غير الجراح والقتل)
والثالث : أن يكون الشاهد مسلما ذكرا حرا.
الرابع : أن يكونوا اثنين فأكثر.
الخامس : ألا يشتهر الشاهد منهم بكذب.
السادس : أن يكون مميزا.
السابع : ألا يكون عدوا للمشهود عليه.
الثامن : ألا يكون قريبا للمشهود له.
التاسع : أن لا يختلفوا في شهادتهم. (وهذا لم نعرف تفاصيله بعد هل اختلفوا أم اتفقوا)
العاشر : أن لا يتفرقوا بعد اجتماعهم، لأنهم إذا تفرقوا أمكن تلقينهم. (وفي قضيتنا لا نعرف التفاصيل)
الحادي عشر : أن لا يحضر بينهم شخص كبير بعد الحادثة وقبل سماع شهادتهم لأنه يمكنه حينها أن يلقنهم. (وفي قضيتنا لم نعرف التفاصيل)

فإذا توفرت هذه الشروط كلها فلا يقتل بها المتهم بالقتل بل يدفع الدية فقط.

وبالنظر في هذه الشروط نجد أن بعضها غير متوفر في قضيتنا.

وعليه فالمذاهب الأربعة السنية متفقة على بطلان هذا النوع من الشهادة، ومذهب الشيعة الإمامية قريب من مذهب المالكية في هذه المسألة.

قال الإمام ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير :

((ولا تقبل شهادة الصبي عندنا وهو قول مالك والشافعي وأحمد وعامة العلماء وعن مالك تقبل في الجراح إذا كانوا مجتمعين لأمر مباح قبل أن يتفرقوا)) اهـ.

فإذا كان الأمر كذلك عند أهل العلم والفقه فعلى أي شيء بنى المدعون دعواهم وأصدروا أحكامهم يا ترى؟؟؟ أيجوز في دين الله تعالى أن يحكم بمجرد دعوى المدعي؟ أو شهادة أطفال؟ هل تكون نصرة أمير المؤمنين عمر بمخالفة أحكام الشريعة على هذا النحو؟؟ اللهم إن عمر لا يرضيه هذا، ولو كان حيا له سلطان لأنضج ظهور قوم بالدرة مما يخالفون شرع الله تعالى.

إذا ذكر أمير المؤمنين عمر ذكر العدل والمساواة والشورى والأخذ على أيدي الظالمين، وإنصاف الناس حتى من نفسه، وذكر الزهد والورع، فمن أراد الانتصار لعمر فليعمل على نصرة العدل والمساواة والإنصاف وليأخذ على يد الظالمين، ولا يسرق أموال الناس .. إذا أردنا الانتصار لعمر في قضية المعلمة مع الطفل فلنحضر قاضيا مسلما فقيها عدلا فيحكم في القضية بحكم الشرع فيأمر المدعي بالبينة، فإذا لم يأت بالبينة قيل للمرأة احلفي بالله أنك لم تفعلي كذا وكذا فإن حلفت قيل لها اذهبي بسلام، هكذا يكون الانتصار لله ولرسوله ولعمر .. وأما أن نرهج الدنيا ونملأها ضجيجا ـ بلا بينة ـ ثم لا نزال نرهب هذه الجهة وتلك إلى أن يقوموا بعقاب المرأة دون حجة وإنما بدعوى مجردة أو شهادة من لا تقبل شهادته فههنا وفي هذا الحال وحينئذ لا نكون قد انتصرنا لأمير المؤمنين عمر إمام العدل بل نكون قد خذلناه وانتصرنا لإبليس وأعوانه وانتصرنا لنعرات الجاهلية ..

أكاد أشعر أن مذهبا جديدا يفرض نفسه على الناس، هو مذهب الأقلام والأفلام والإعلام والرأي العام وبناء عليه تصدر الأحكام !

إذا كان لأهل السياسة رغبة جامحة في مواصلة الحرب الإعلامية وحرب التهم والفتن فيما بينهم فلا يقحموا الدين والصحابة في القضية، ولا يظلموا الناس، لينحوا عنهم الدين وليتركوا أصحاب رسول الله ثم ليحتربوا بينهم كما يشاؤون .. ومن أظرف شيء أن المسألة عندنا تعرف بالطفل عمر وفي مصر بالطفل المصري !

يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ** وإن لقيت معديا فعدنان.

فقولك أيها السائل الكريم : (المعلمة الشيعية التي أجبرت الطفل عمر على تقبيل رجليها) صوابه أن تقول : المعلمة الشيعية التي (قيل عنها) أو (التي اتهمت) بكذا وكذا .. فتأتي بالأمر على أنه تهمة لا على أنه حق وحقيقة، فافهم هذا وتمسك به ..

إنا ننصح إخواننا أهل الدين والالتزام ـ وأنت منهم إن شاء الله تعالى أيها السائل الفاضل ـ ننصح أهل الدين الذين تسرعوا بإشاعة هذا الأمر وإذاعته ثم بالتعصب فيه إلى أن تم فصل هذه المرأة وأذيتها بأنواع الأذية أن يراجعوا أنفسهم في هذه المسألة، فإما أن يبينوا للناس ما هي البينة والحجة التي بنوا عليها هذا التصرف لننظر فيها ونتبين مدى صلوحها، وإما أن يعلموا أنهم قد أتوا بابا من أبواب الكبائر واجتمعوا وتعاونوا على العدوان لا على التقوى فأضروا بإنسان على غير هدى الشريعة، وسيسألون عن هذا يوم القيامة.

وعليهم أن يقتدوا بعمر لما رجع للحق إذ لاح له، ولله در شاعر النيل حافظ إبراهيم إذ يقول في هذا:

و فتية ولعوا بالراح فانتبذوا **** لهم مكانا و جدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم **** و الليل معتكر الأرجاء ساجيها
حتى تبينتهم و الخمر قد أخذت **** تعلو ذؤابة ساقيها و حاسيها
سفهت آراءهم فيها فما لبثوا **** أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
و رمت تفقيههم في دينهم فإذا ** بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا مكانك قد جئنا بواحدة ** و جئتـنا بثـلاث لا تباليـها
فأت البيوت من الأبواب يا عمر ** فقد يُزنُّ من الحيطان آتيها
و استأذن الناس أن تغشى بيوتهم ** و لا تلم بدار أو تحييها
و لا تجسس فهذي الآي قد نزلت ** بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم و قد أكبرت حجتهم ** لما رأيت كتاب الله يمليها
و ما أنفت و إن كانوا على حرج ** من أن يحجك بالآيات عاصيها

فلا تأنفوا من الحجة كما لم يأنف منها أبو حفص رضوان الله عليه فإن كانت المرأة قد اتهمت بواحدة فقد أتيتم بثلاث وزيادة ..

ونختم بما أنشدنيه الشيخ الأديب النحوي أبو محمد يوسف بن علي بن الحسن بن أحمد بن الفرج الشامي التلمنيني الشافعي يمدح المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم أتى على ذكر أمير المؤمنين عمر فقال:

وإذا به لما اهتدى بمحمد ** يحنو على يتم الصغار وينجد
ويعس بالليل المدينة باحثا ** عن بائس أو جائع لا يرقد
لما رأى تلك العجوز وحولها ** أطفالها وعلى الحجارة توقد
حمل الدقيق لها وأقبل مسرعا ** متلطفا لصغارها يتودد
وشرى ظلامتها ولم يك ظالما ** بوثيقة تنجي إذا جاء الغد
دين الهدى أعطاه إنسانية ** فوق العقول منالها مستبعد
وتمازج البأس العريق مع الندى ** وسقته مرحمة فطاب المورد
لما أتى القبطي يشكو عنده ** ضرب ابن عمرو بالتقى يستنجد
قال اضرب ابن الأكرمين مؤنبا ** يا عمرو إن الحر لا يستعبد
بالله يا أبناء دين المصطفى ** هذا الهدى فتمسكوا وتقيدوا
عودوا إلى دين النبي محمد ** فالعود أولى والتمسك أحمد
إن رمتموا عزا هنا وكرامة ** وتجارة بعد الفنا لا تنفد
هو حبل دين الله فاعتصموا به ** وتمسكوا فعساكموا أن ترشدوا
وعليه صلوا كلما ذكر اسمه ** واستكثروا من حبه وتزودوا

انتهى