الثلاثاء، 4 فبراير 2014

مرحبا بالسادة الحنابلة في البحرين



بسم الله الرحمن الرحيم



كتاب منار السبيل للشيخ ابن ضويان رحمه الله هو من الكتب المتأخرة للسادة الحنابلة، أحد المذاهب الأربعة السنية المتبوعة، وقد تعرفنا على هذا الكتاب إبان دراستنا للفقه المقارن بالأزهر الشريف، وكنا أحيانا نرى الإحالة إليه في الحواشي على أنه من مراجع الفقه الحنبلي المتأخرة زمنا، الأمر الذي حثنا على اقتنائه لنستعين به في البحوث العلمية الفقهية ..
والشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان ـ مؤلفه ـ توفي سنة 1353هـ فليس ببعيد عن عصرنا، ويعتبر من فضلاء متأخري الحنابلة ومعتدلي الوهابية.
فإن تضلعه من الفقه الحنبلي خفف من حماسه للدعوة الوهابية وعلى حد تعبير تلميذه ابن رشيد :

((السبب في قلة تلاميذه والآخذين عنه هو أن الشيخ .. ليس من المتحمسين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والناس ينفرون ممن لا يتحمس لها)) اهـ من علماء نجد للبسام 1/407 يقصد أن النجديين ذلك الوقت كانوا ينفرون ممن لا يتحمس لها.

وكتابه في الجملة يعتني بالمعتمد في المذهب على صعوبة التزام كل المعتمد في وقته وبيئته، وقد نلمح تأثيرات الدعوة النجدية في كتابه أحيانا.
  
والكتاب الآخر المعلن عنه لابن اللحام هو في القواعد الفقهية على مذهب السادة الحنابلة أيضا، وهو كتاب نافع ومفيد لدارسي فقه السادة الحنابلة ..

نرحب بهذه الدروس التي نأمل أن تسهم في تصحيح الأفكار، لأن المذهب الحنبلي ـ شأن باقي المذاهب المتبوعة ـ مشتمل على الرؤى الناضجة والاجتهادات العالية الصحيحة التي يتفتح الذهن بالارتواء منها، ويستقيم النظر بإدمانها و "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"

وكم كنا نتمنى أن يحظى مذهب السادة المالكية أو الشافعية باهتمام إدارة الأوقاف بالقدر الذي يتمتع به المذهب الجديد ..
خصوصا أن أصل مذهب أهل السنة في البحرين هو المالكي والشافعي، وأن أكثر مساجد البحرين من أوقافهم، فلو بذلت الجهود في تفقيه الناس في هذين المذهبين لكان مشروعا موفقا ملامسا للواقع.

لاسيما أن أكثر الأوقاف من مساجد وعقارات ومزارع وغيرها من مختلف الأموال التي قامت عليها مشاريع إدارة الأوقاف السنية منذ القدم إنما وقفها وحبسها أهل هذين المذهبين في الأعم الأغلب، فكان من الواجب بل من الوفاء والعرفان للجميل أن تبذل كل الجهود لخدمة فقه هذين المذهبين خاصة.

ويؤكد هذا ويجعله ملحا أن الجهل بالمذهب المالكي خاصة بات منتشرا بين أهله، فإنهم باتوا لا يتلقونه في مناهج التربية والتعليم ـ خلافا لما توهمه الدكتور محمود بن بسيوني في تقريره ـ ولا تدعمه إدارة الأوقاف بشيء يذكر، ولا تعتني به مراكز البحوث والإرشاد المتنوعة، ولا حملات الحج ومنشوراتها، ولا المعاهد التي تنفق عليها الدولة.
حتى ذلك المسمى بمعهد الإمام مالك لا يقدم أي خدمة للمذهب المالكي، اللهم إلا نادرا في كل ما تقدم، والنادر لا يلتفت إليه.

وأذكر هنا ما حدثني به الدكتور الأستاذ المرحوم السيد إبراهيم فاضل الدبو العراقي البغدادي دفين الرفاع رحمه الله :

 الشيخ إبراهيم فاضل في الوسط

قال لي رحمه الله :
اجتمعت ببعض ولاة الأمر في البحرين، واقترحت عليه إنشاء معهد لتدريس الفقه المالكي، فاستغرب من طلبي وأجاب بأن لدينا عدة معاهد في البحرين تدرس الفقه المالكي، فقلت له : هذه المعاهد لا تدرس الفقه المالكي، فالتفت إلى شيخ أجنبي بجواره وسأله : ألا تدرس هذه المعاهد الفقه المالكي ؟ فاضطرب هذا الشيخ ـ وهو أجنبي ـ وقال : بلى تدرس الفقه المالكي !!
حكى لي الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو هذه الحكاية متألما منها متعجبا.
وقد لقيت أنا ذلك الشيخ الذي زعم أن هذه المعاهد تدرس الفقه المالكي وسألته، فلم ينكر ما حكاه الأستاذ الدبو، إلا أنه فسر كلامه بأن مذهب المالكية يُحكى كقول من جملة الأقوال في مذكرات تلك المعاهد !! فاعترضته بأن هذه الطريقة لا تسمى تدريسا للفقه المالكي، لأن قول المذهب حينما يدرس من مذكرة معاصرة ويكون في هامش المذكرة ويكون موضع نقاش مرة ومرجَّحًا عليه غيره مرة ومخَطَّأ منقوضا مردودا مرة ثالثة بحيث يكون قول ابن عثيمين أو غيره من شيوخ نجد المعاصرين أرجح منه فهذا لا يسمى تدريسا للمذهب المالكي، بل هو مسخ له واستصغار وتلاعب إذا جرى تحت مسمى تدريس المذهب، ومن يسمي هذه الطريقة تدريسا للفقه المالكي فهو غالط بلا شك، فإذا انضاف إلى ذلك أن تصرف إليها الأموال الموقوفة على تدريس الفقه المالكي فلا شك أن فاعل ذلك خائن مدلس محتال.
فأقر الشيخ الأجنبي بصواب ما قلته له، واعتذر بأنه أجنبي وأنه لو وضح المسألة هكذا لولي الأمر لأصابه الضرر من ذوي العلامة الصفراء.
وهو صادق في ذلك بلا ريب.

بقي فقط المعهد الديني الثانوي وهو المدرسة الدينية الوحيدة القديمة في البحرين، وهو أضعف من أن يخرج طالبا واحدا ينتسب للمذهب المالكي، وكم طفحت مشاكله على صفحات الجرائد، وكم عانينا في سبيل إصلاحه وإرجاعه إلى سابق عهده ونحن نخوض حروبا لصد الحملة الصفراء المدعومة للاستيلاء على أوقافنا، وذلك كله مشهور معروف طافح مذاع غير سر، وليس هذا موطن شرحه، ولا ينبئك مثل خبير.

وبمناسبة ذكر المعهد الديني فمن اللطائف ما أذكره من سؤال أحد الطلبة في المعهد الديني ـ ولعله اليوم صار أبا ـ إذ سألني مرة فقال :

هل الملك شيعي؟!
فقلت له : أي ملك تقصد؟ ملك البحرين؟
قال : نعم,
فقلت له : إن جلالة الملك سني، ولكن ما سبب هذا السؤال الغريب؟
فقال : لأني رأيته في التلفاز يصلي هكذا (وأرسل الطالب يديه وسدلهما) :


يظهر في الصورة جلالة الملك مرسلا يديه طبقا للمذهب المالكي
ويظهر كذلك ولي العهد والشيخ محمد بن مبارك والشيخ خالد بن حمد 
كلهم سادلون طبقا للمذهب المالكي في هذه المسألة

فقلت له : الملك فعل ذلك لأنه مالكي المذهب، وإرسال اليدين هكذا ليس موجودا عند الشيعة فقط بل هو معتمد في المذهب المالكي وهو رواية أيضا في مذهب الحنابلة.
فقال الطالب : لكن لا نرى الناس في المساجد يفعلون ذلك ولا يفعله إلا الشيعة.
فقلت له : لكننا نحن الكبار رأينا أجدادنا ونحن صغار يفعلون ذلك وهو المذهب والطريقة القديمة للمالكية في البحرين وأما التغييرات الجديدة التي حدثت فلها أسباب .. وصرت أشرحها له.

يظهر في الصور حاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد بن مكتوم
وإلى جواره أفراد من الأسرة الحاكمة وكلهم سادلون
طبقا للمذهب المالكي ومثلهم إمامهم في الصلاة.

فذلكم الواقع المؤسف وهذا الجهل المتفشي بالمذهب الأصيل لأهل البلد من أهل السنة بهذه الصورة المزعجة بحيث بات مجهولا عند أهله، وصار وجوده ضعيفا على أرض الواقع نتحمل مسؤوليته جميعا وتقع التبعة بالدرجة الأولى على المؤسسات الدينية، ونخص السادة العلماء والقضاة، وتتحمل إدارة أوقافنا المسؤولية التقصيرية الكبرى لإهمالها شؤون المذهب بالكلية إلا قشورا، هذا مع أنها تدير أوقاف أهل المذهب!

وبعد .. فكم كنا نرجو أن نسمع عن محاضرات وندوات في الفقه المالكي وقواعده الفقهية، وكم كنا نتمنى أن نرى شعارات المذهب في مساجده وأوقافه ظاهرة، وكم كنا نتمنى أن نرى نصوص الوقفيات مشاعة غير مستورة ليقرأها الناس، وكم كنا نود أن نرى الكتيبات والبحوث الداعمة للمذهب والشارحة له، وكم كنا نتمنى أن نرى إدارة مخلصة للمذهب توجه أمواله وأوقافه الوجهة الصحيحة.

ومع ذلك كله فنحن نرحب كل الترحيب بالدروس على المذهب الحنبلي أو أي مذهب آخر من المذاهب المتبوعة شرط ألا يكون ذلك ضمن خطة لطمس وإهمال مذاهبنا الأصلية.

هذا وليت أخانا المحاضر جزاه الله خيرا يبدأ مع الطلبة الحضور ـ لا سيما لجنة التحقيق مع الأئمة ـ من باب أحكام الوقف الكائن في المجلد الثاني والممتد من ص703 إلى ص722 وهي عشر ورقات فقط، ويشرح لهم الباب شرحا وافيا ويخص العبارات التالية بمزيد الاهتمام :

ـ ((ويتعين صرفه إلى الجهة التي وقف عليها فى الحال)) 2/710

ـ ((ويرجع فى مصرف الوقف إلى شرط الواقف، لأن عمر رضى الله عنه شرط في وقفه شروطا ولو لم يجب اتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة، ولأن الزبير وقف على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضرا بها فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه، فإن جُهِل عمل بالعادة الجارية، فإن لم تكن فبالعرف، لأن العادة المستمرة والعرف المستقر يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الاستفاضة)) 2/712

ـ ((وإن خصص مقبرة أو مدرسة أو إمامتها بأهل مذهب أو بلد أو قبيلة تخصصت بهم عملا بشرطه)) 2/713

لعل وعسى ووفقنا الله تعالى وإياكم لكل خير وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.