الاثنين، 21 يوليو 2014

دروس التوحيد الثلاثة من ذكريات الطفولة



(دروس التوحيد الثلاثة)
من ذكريات الطفولة

بسم الله الرحمن الرحيم

مع إشراقة العقل الأولى يبدأ الأطفال بتقليد الألفاظ ومحاولة فهم معانيها من والدِيهم، ويبذلون جهدا في التقاط الكلمات وتصحيحها، وطرح الأسئلة حول معانيها، ومع الحياة اليومية المستمرة يتكرر على مسامع الأطفال ذكر لفظ الجلالة (الله) ما شاء الله .. تبارك الله .. وفقك الله .. الله معك .. وكثيرا ما يقترن هذا الاسم بالثواب والعقاب .. لا تفعل كذا فيعاقبك الله فإن من يفعل كذا سيدخله الله النار .. من يفعل كذا يدخله الله الجنة .. فيسمع الأطفال الأقارب والجيران ومن يخالطون وهم يرددون كلمة (الله) كثيرا، بل يعثرون عليها في أسمائهم المحببة كعبد الله .. ويلفت انتباه الأطفال أن من يُسَمَّى (الله) يحظى بالمحبة والإجلال، كما يمتاز بالقوة والهيبة والقدرة على العقاب والثواب .. ولكنهم أبدا لا يحظون برؤيته في الزائرين والمرتادين للبيوت والمجالس ولا يقابلونه في أي مكان .. فمن هو الله؟

الدرس الأول :

يبدأ الدرس الأول عندما يسأل الطفل أباه أو أمه أو كليهما .. من هو الله؟ ويتفاوت الأقارب في الإجابة بحسب سن الطفل واستعداده، وأذكر بدايتي في سن الخامسة أو قبلها بقليل حينما طرحت أسئلتي، ومما أذكره منها: إذا كان القمر حجرا كبيرا فلماذا لا يسقط على الأرض كباقي الأحجار؟ وجاء الجواب: إنها قدرة الله .. فجاء السؤال: فمن هو الله؟ فجاء الجواب : إنه خالق كل شيء من أرض وسماء وشمس وقمر وإنسان، وهو إله واحد.


***
هذا هو الدرس الأول، وغالبا ما يتكرر في أوقات مختلفة ومناسبات كثيرة، ويكون الدرس عادة قصيرا ومشوقا، ويتفاوت الوالدون في طرح الدرس الأول على أطفالهم طولا وقصرا، شرحا وإيضاحا، ولكن لا يكاد يعلق في أذهان الأطفال إلا أنه إله واحد مدبر للكون عظيم القدرة.

تبدأ مخيلة الطفل البريء في محاولة الاقتراب من حقيقة الإله في محبة وإجلال، فيسمح الأطفال لأنفسهم بتصور هذا الخالق العظيم وقياسه وتشبيهه كأعظم شيء وأوقره في نفوسهم مما شاهدوه، ولن يحول دون استرسالهم في هذه التصورات أيُّ تحذير من الخوض في حقيقة الخالق، ولن يجدي معهم أي تهديد .. إنهم يحسبون التهديد هنا كأي تحذير مضى من مثل فتح الخزانة لأخذ الحلوى، أو تسور البيت لاصطياد عصفور عابر يعجز عن الطيران.

أذكر أنني اشتركت غير مرة مع أترابي متسابقين في اكتشاف الإله، ومن اللطيف أنه كلما بَزَّ أحدنا قِرْنه بوصف أجَلَّ وأوقر كلما خضع له الباقون ونزلوا لرأيه، وكان أحسن شيء بلغناه أنه في صورة الشيخ الوقور ذي الوجه المشرق واللحية البيضاء والجلباب الأبيض الفضفاض يجلس في هيبة شديدة على سرير فخم مرتفع في السماء، تحيط به ظلمة العدم، وقد بدا عليه السأم والملال من الوحدة ففكر في إنشاء الكون وبنائه، وهكذا بدأت الخليقة .. هذا أرقى ما توصلنا إليه في اجتماع طفولي بريء، وقد حظي هذا التصور بقبول بعض الأتراب من الأطفال بينما توقف بعضهم عن البت في هذا لأنه لا بد أن نشارك الكبار في كل أمر خطير .. ولم لا ؟ .. فقمت بشرح رأيي لوالدَيَّ وبعض الأقارب، ويبدو أن فكرتي كانت موفقة بدليل أنهم يضحكون كلما سمعوا مني قصة بدء الخلق .. والضحك علامة الرضا دون شك.

صور شركية وثنية تُشَبِّه الإله بالإنسان


الدرس الثاني :

لم أكن أتوقع أن تلك القصة الطفولية عن بدء الخليقة ستزعج أحدا بعد أن نالت إعجاب الأقارب واستدعت ضحكهم، ولكن رجلا واحدا انزعج منها ولم يضحك، لا أعرف هذا الرجل ولا أتذكر عنه أي شيء سوى أن لقاء جمعنا به في حضور الأقارب، وشرع يسألني عن شؤوني إلى أن حثَّه والدي أن يستفسر مني عن قصة بدء الخلق ! واندفعت أحكي له القصة .. ولكن الرجل امتعض وقطب وبدا عليه عدم الرضا .. ثم قربني منه وطلب مني أن أصغي إليه جيدا .. ثم كلمني كثيرا عن الله، وقال فيما قال : إن الله تعالى لا يحتاج إلى شيء، ولم يخلق الخلق لأنه في حاجة إليهم، كما أنه ليس في شكل إنسان، ولا يشبه أي شيء من خلقه، وهو لا يشعر بالملل، ولا التعب، ولا يحتاج إلى التفكير مثلنا، إن شأنه تعالى أعظم من أن تصل عقولنا الضعيفة إلى تصوره .. وكلما رأيت نفسك مندفعا في تخيلات عن الخالق فاصرفها عنك وقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وحاول أن تنشغل بشيء آخر.

نعم .. إن ما يقوله هذا الرجل لهو أكثر هيبة وأعظم مما تصورناه في المجلس الطفولي، ولكن بقي لدي إشكال واحد، لماذا كانوا يضحكون من القصة إذا كانوا غير راضين؟  وكان جواب الرجل وجواب أقاربي بأنك صغير ولا يحاسب الله الطفل على شيء يقوله أو يفعله وستتعلم شيئا فشيئا .. ولم يكن ضحكهم قبولا بالفكرة بقدر ما هو استظراف لطريقة تفكير طفل صغير.

انتهى الدرس الثاني وقد أصبح نَقْشاً ذهنيا لا أنساه أبدا.

***
إذن فالله تعالى موجود وواحد وخالق عظيم لا شبيه له ولا نظير، ولكن هل هذا كل شيء أم بقي شيء كتمه عنا الكبار لم يخبرونا به؟ فإنا نراهم يستصغروننا فلا يبدون لنا كل شيء، وربما أخطأنا فيضحكون علينا ولا يبادروننا بالتصويب !! فهل هذان الدرسان يكفيان في بناء معرفة وافية تامة عن الله تعالى أم لا ؟
إنهما لا يرسمان للطفل حدودا في التقديس والتنزيه، ما هي الصفات الإلهية التي يجب أن نعرفها عن الله ؟ وما هي التي يجب أن ننزه الله عنها؟
قريبا سنذهب إلى المدرسة وهناك سنتعلم كل شيء.


الدرس الثالث :

رغب أحد الفضلاء في التخلص من بعض الأوراق والكتب القديمة، فعرضها علي لعل لي فيها حاجة.

فقلبتها وإذا بالكتاب المدرسي الذي تلقيناه في المرحلة الابتدائية والذي كان فيه درسنا الثالث في باب معرفة الله تعالى.
كانت فرحتي كبيرة وأنا أقلب أوراقه بعد كل تلك السنين، وكان هذا الكتاب هو السبب في كتابة مقالي هذا.

تذكرت هذا الكتاب جيدا (الحديقة الدينية) وأننا درسناه في مدرسة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه في المُحَرَّق، ولكنني لا أتذكر أي تفاصيل أخرى، ولا شك أن ما درسناه فيه حَمَلَ الجواب الكافي والشافي في باب معرفة الله تعالى، فلنطلع على بعض مضامين الكتاب المهمة ليستفيد منها الآباء والأمهات.

غلاف الكتاب الجميل، ويظهر عليه شيخ وقور يرتدي جبة وعمامة أزهرية مستغرق في صلاته.




مقدمة يظهر من خلالها أن الكتاب كان معتمدا ومقررا في أكثر الدول العربية :



وهذه معلومات حول الناشر وبيانات الطباعة وأن الكتاب طبع ثلاث عشرة مرة وكانت طبعته هذه سنة 1393هـ  ـ 1973م:




يظهر هنا باب صفات الله تعالى الواجبة وما يستحيل في حقه تعالى وما يجوز، وهو الدرس الذي كنا ننتظره :






هذا الدرس المهم لا يوجد الآن في مقررات المدارس الابتدائية بهذا الشكل المتكامل الوافي، وإنما يذكرون لهم في كل مرحلة صفة واحدة أو اثنتين ولا يستوفون الصفات الواجبة له تعالى في موضوع واحد، فلا يستفيد التلميذ فهما جيدا عن الله تعالى، وهذا في غاية الخطورة على الأجيال القادمة، ولهذا لا ينبغي للآباء والأمهات أن يهملوا تعريف أبنائهم بالله تعالى معتمدين على المدارس، كما لا يمكن الاعتماد على المساجد ونحوها لأنها قد لا تقدم المعلومات الجيدة والوافية والمنظمة والمنقحة والصحيحة في هذا الجانب الخطير، فعلى كل الأباء أن يعلموا أطفالهم هذه المعلومات كما وردت في هذا الكتاب ويكرروها عليهم كثيرا حتى ترسخ في أذهانهم، ولا يقولوا هؤلاء صغار لا يفهمون، بل إنهم يفهمون في الخامسة والسادسة من أعمارهم، ولا يقولوا غدا يتعلمون من المدارس فإن المدارس اليوم كما ذكرنا لا تقدم هذه المعلومات الضرورية مبكرا بشكل واف متكامل، والاعتماد على المدارس بات حلا غير مضمون، وهو هروب من مسؤولية تربية الأبناء وتعليمهم، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

أيضا نجد في الكتاب عنوانا يتحدث عن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وآدابها:



وعنوانا يتحدث عن الأئمة المجتهدين مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد:



أبناؤكم أمانة في أعناقكم، والسلام عليكم ورحمة الله.