السبت، 8 سبتمبر 2012

الكلب الكوفي خير من ألف صوفي !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السؤال:

ما رأيكم فيما ورد في هذه التغريدة؟




الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الواجب على المسلم أن يحب المسلم ويواليه، ولا يبغضه، هذا هو الأصل، وإنما يجب عليه أن يبغض خطأه ومعصيته وبدعته فقط، وينصح له فيأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر بالرحمة واللين، ولا يبغض شخصه، ولا محاسنه، وكيف يبغض إسلامه وشهادته الشهادتين، وصلاته وزكاته وصيامه وحجه؟ أم كيف يبغض إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟ ولو أن أحدا أبغض هذه المعاني الإسلامية لفارق الملة .. بل تلك المعاني موجبة للمحبة والموالاة، وينبغي أن يحب المسلم للمسلم ما يحبه لنفسه كما ثبت ذلك كله بأدلة الكتاب والسنة والإجماع ..

وعلى هذا فالأصل أن الصوفية والشيعة والوهابية مسلمون، وينبغي أن يحب بعضهم بعضا باطنا وظاهرا، سرا وجهرا، لما فيهم من أركان الإسلام والإيمان وسائر المعاني الإسلامية، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا غلاة الغلاة من كل فرقة ..

فما يكون بين هذه الفرق من الحوارات والمناظرات العلمية يجب أن يراعى فيها حرمة الإسلام وآدابه، والعدل والإنصاف إلى الغاية، مع إخلاص النية في النصح للمسلمين، وإلا كان مراء مذموما وعملا باطلا ..    

فقول هذا الشيخ : (الصوفية يعشقون الشيعة سرا) مبالغة في التشنيع، وإلا فلا محل للعشق والهيام هنا، والصواب ـ فيما أعلم ـ أن الصوفية يحبون الشيعة حب الإسلام، كما يحبون الوهابية حب الإسلام، وكذلك يفعلون مع سائر الأمة الإسلامية، ولهذا تجد الصوفية يتخاذلون كثيرا في مواجهة المسلمين ولا ينشطون فيهم كما ينشطون في مقاومة الكفار، فالصوفية أعظم طائفة في الإسلام تحقق فيها قول الله تعالى : (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) لا أعلم ذلك لغيرهم في المتقدمين والمتأخرين، وهذا الحب منهم يجب أن يكون سرا وجهرا، ظاهرا وباطنا، لا يجب أن يستحيوا منه لمقالة فلان أو كراهة فلان أو عداوته، وذلك كله في الله ولله، ومع هذا يبغضون فيهم ما يعلمونه محرما أو بدعة ويناصحونهم مناصحة المسلم للمسلم، ولا يحاربونهم كالأعداء من الكفار ..

وقول هذا الشيخ : (والشيعة يكرهون الصوفية علنا) لعل الشيخ غاب عنه أن الشيعة فيهم صوفية أيضا، قد تأثروا بالتصوف السني وغيره منذ قرون، كحيدر الآملي والفيض الكاشاني، وغيرهما، وفي كل وقت وحين منذ القرون الأولى كان في الشيعة من تصوف إلى يومنا هذا، ومن طالع كتب التراجم الشيعية الموسعة ككتاب "أعيان الشيعة" لمحسن الأمين وغيره عرف صحة ما قلناه، وقد يسمونهم "العرفاء" كما أن في قدماء المبجلين لدى الوهابية من كان صوفيا أيضا كأبي نصر السجزي وأبي إسماعيل الهروي، وهذا الأخير يلقبونه بشيخ الإسلام، مع أن ابن تيمية يغمزه بوحدة الوجود ! لكن أكثر الصوفية من أهل السنة والجماعة منضبطون بالعقيدة الأشعرية أو الماتريدية، ومستمسكون بالمذاهب الأربعة، كما أن تصوفهم جنيدي وهو التصوف السلفي البعيد عن الشطح والتنطع، وكما وجد من أهل السنة والجماعة من انتقد الصوفية السُّنيين الشاطحين، فقد وجد في الشيعة من انتقد الصوفية الشيعيين الشاطحين، وأخطر ما يؤخذ على الصوفية هو محل نقد ورد باتفاق بين السنة والشيعة والوهابية بل والصوفية أنفسهم، كمسألة الحلول والاتحاد والوجودية، والشطحات .. إلا أن الخطأ الذي وقع فيه كثير من نقاد السنة والشيعة والوهابية وغيرهم هو مجانبة العدل والنصفة في كلامهم عن الصوفية، وأبرز ملامح الجور تعميمُ القول بالحلول والاتحاد وتلك الطامات على الصوفية كلهم، مع أن هذه البشاعات لا يقول بها إلا قلة قليلة نادرة منهم، بحيث أن أكثر الصوفية ما بين ناف لهذه البشاعات أو متأول لها بنوع من أنواع التأول، وإلا فمن طالع أمهات كتب التصوف السني الأصيل كحلية الأولياء والرسالة القشيرية والتعرف لمذهب أهل التصوف واللمع للطوسي وكتب أبي عبد الرحمن السلمي إلى الإحياء وعوارف المعارف .. وغيرها لم يجد فيها إلا تصوفا منضبطا بالكتاب والسنة، اللهم إلا ما لا يخلو منه كتاب لا عصمة له.

وأما قول الشيخ : (ويزعمون أن علي رضي الله عنه قال عن الصوفية : الكلب الكوفي خير من ألف صوفي)

فقد وجدته بصورة أتم من هذه، بحيث ينقلب المعنى من الذم إلى المدح، ففي القرن الثالث عشر الهجري ألف محمد علي بن الوحيد البهبهاني ـ من علماء الشيعة ـ المتوفى سنة 1216هـ كتابا سماه "الظرائف" وآخر سماه "الخيراتية في إبطال طريقة الصوفية" كلاهما بالفارسي، وذكر فيهما عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قال:
(الصوفي من لبس الصوف على الصفا، وجعل الدنيا على القفا، وسلك طريق المصطفى، واستوى عنده الذهب والحجر والفضة والمدر، وإلا فالكلب الكوفي خير من ألف صوفي) كذا في كتاب الذريعة لآقا بزرك الطهراني.

وهو كما ترى بيان للصوفي الحق بأنه من لبس الصوف على طهارة نفس، وزهد في الدنيا، وتابع سنة النبي صلى الله عليه وسلم .. فهذا هو الصوفي الحق، وأما من لبس الصوف على خبث باطنه، وجعل الدنيا همه، ولم يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منافق مدع كذاب، فالكلب خير منه، وهذا المعنى يصادق عليه الصوفية ولا يعترضون، وهو مدح للصوفي الحق لا قدح كما ترى ..

ومع هذا فالخبر لا سند له، وهو كذب على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بلا شك، فلا يصح عنه ولا عن غيره من الصحابة الكلام على التصوف باسم التصوف أصلا لا بمدح ولا بقدح، ناهيك عن ركاكة بعض ألفاظه التي لا تناسب بلاغة وفصاحة سيدنا علي، وما ظهر هذا اللقب إلا في القرن الثاني وما بعده ..

نعم هذه العبارة ـ دون ذكر الكلب الكوفي خير من ألف صوفي ـ نسبها بعض الناس إلى الإمام الجنيد بن محمد البغدادي المتوفى سنة 297هـ، ولم أقف عليها مسندة إليه.
ونسبها أبو سعد عبد الملك الخركوشي في كتابه "تهذيب الأسرار" إلى أبي علي ـ محمد بن الضحاك ـ الأصبهاني المتوفى سنة 313هـ بلا سند.
لكن أسندها الحافظ أبو نعيم الأصبهاني إلى أبي بكر الشبلي أحد أكابر الصوفية المتوفى سنة 334هـ، وذكرها عنه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق.
وأسندها الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه إلى الشيخ الجليل أحمد بن محمد بن القاسم بن منصور بن شهريار الشهير بأبي علي الروذباري شيخ صوفية وقته المتوفى سنة 323هـ، ونسبها إليه الكلاباذي في التعرف، والسمعاني في الأنساب والسبكي في طبقات الشافعية، وغيرهم.
والشبلي والروذباري كلاهما من أصحاب أبي القاسم الجنيد البغدادي.
هذا ومع جزمنا بأن هذا النص بهذا اللفظ موضوع على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلا أننا لا نعلم كيف حصل هذا؟ فيحتمل أن تكون النسبة إلى سيدنا علي خطأ مجردا من قصد الوضع بسبب الاشتباه أو غلط النساخ أو نحو ذلك، ويحتمل أن تكون متعمدة على سبيل الوضع والاختراع، أما محققو الصوفية فقد برئت عهدتهم ولا يتحملون تبعة ذلك لأن كتبهم خلو من هذه الرواية أصلا، وهي منسوبة في بعض كتبهم إلى الروذباري والشبلي .. كما أن آقا بزرك الطهراني الشيعي لم يفد بمصدر هذه الرواية غير كتاب البهبهاني وهو كتاب شيعي ولا نعرف مصدر روايته هذه، والله أعلم.

هناك تعليق واحد:

  1. لا فض فوكم شيخنا

    لقد افتقد كثير من العوام والخواص مثل هذه المعاني الإسلامية الأصيلة في أنفسهم وفي تعاملهم مع غيرهم، فصاروا مثارا للمعاداة حتى بين بعضهم البعض.. بدلا من اتخاذ أسلوب التأسي بالأسوة العظمى والقدوة الحسنة: سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: التأسي به صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى.. وبالرحمة والشفقة، ولولا هذه الآداب لكان الإنسان - كما هو الآن - دائما متأهب للمحاربة والمعاداة لكل من خالفه، بدلا من أن يكون هاديا وراحما ومُعِينا ومعلما - إن وصل إلى كفاءة التعليم -

    وقد لخصتم هذه الآداب في المقطع الأول من هذه المقالة المنصفة الصادقة - في زمن قل فيه الإنصاف والصدق والرحمة - إلا من رحم الله، فأوصي غيري بإعادة قراءة المقطع الأول بالخصوص وتأمل عباراته.

    ثم قلتم أيضا - وهو مما نفتقده في زماننا: " فما يكون بين هذه الفرق من الحوارات والمناظرات العلمية يجب أن يراعى فيها حرمة الإسلام وآدابه، والعدل والإنصاف إلى الغاية، مع إخلاص النية في النصح للمسلمين، وإلا كان مراء مذموما وعملا باطلا .. " وطبعا هذا لمن كان متأهلا للنصح أو الحوار، بعد تدرجه في العلم على يد أكفاء، وإلا كان فضولا وقد يضر نفسه، فغير المتعلم عليه أن ينشغل بما يصلح نفسه وتقواه وأن يصحب أهل الله الصادقين العلماء، يصحبهم ويخالط غيرهم بإحسان مع إحسان الظن واجتناب غير ذلك، فذلك مفتاح كل خير إن شاء الله.

    ثم بينتم حقيقة قرآنية تطبيقية تاريخية ، ياليت العموم من المتعلمين والمثقفين وحتى كثير ممن يُسمَّون علماء مع قصورهم أن ينتبهو لها ويتقوا الله فيها، وأن يميزوا فيها بين الغث والسمين بقواعد العلم السنية التي هي خلاصة فقه المذاهب الأربعة إن شاء الله، وليس أن يهجم على كتب الحديث بلا فقه كاف ثم يصدر الفتاوى تاركا إحكام علم الفقه، ومتسلقا - قبل التأهل الكافي - إلى درجة الفتوى والاجتهاد.
    وهذه الحقيقة في هذا المقطع:
    "... والصواب ـ فيما أعلم ـ أن الصوفية يحبون الشيعة حب الإسلام، كما يحبون الوهابية حب الإسلام، وكذلك يفعلون مع سائر الأمة الإسلامية، ولهذا تجد الصوفية يتخاذلون كثيرا في مواجهة المسلمين ولا ينشطون فيهم كما ينشطون في مقاومة الكفار،
    فالصوفية أعظم طائفة في الإسلام تحقق فيها قول الله تعالى : (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) لا أعلم ذلك لغيرهم في المتقدمين والمتأخرين، وهذا الحب منهم يجب أن يكون سرا وجهرا، ظاهرا وباطنا، لا يجب أن يستحيوا منه لمقالة فلان أو كراهة فلان أو عداوته، وذلك كله في الله ولله، ومع هذا يبغضون فيهم ما يعلمونه محرما أو بدعة ويناصحونهم مناصحة المسلم للمسلم، ولا يحاربونهم كالأعداء من الكفار .. "

    فالله المستعان على إرجاع ما فقد من معاني الخير والعلم وأهلهما ! فيارب أرجعنا إليهم وأرجعهم إلينا بفضلك وجودك وكرمك يا كريم يا جواد يا أرحم الراحمين

    وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد الصادق الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين

    ردحذف