الأربعاء، 15 فبراير 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (3)



الحلقة الثانية


يوم السبت 12 مارس

حضرت صباحا إلى مجمع السلمانية، ولما وصلت إلى بوابة (6) كانت مفتوحة كما كانت بالأمس، فدخلت بشكل عادي، ووقفت في الموقف وترجلت متجها إلى المبنى، ثم سرت فيه متلفتا يمينا ويسارا لأرى الموظفين على مكاتبهم والأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات، والعاملين، سائرين وعلى مكاتبهم، كل يعمل، وفي آخر الممر أصل إلى الساحة حيث تقابلني المصاعد الكهربائية، فألتفت يمينا ويسارا فلا أرى شيئا يلفت النظر ويشد الانتباه، وحينما ألتفت يمينا أرى قسم الطوارئ بوضوح، وألمح بوابته فلا أرى ما يسترعي انتباهي أو يثير قلقي.

وفي قسم الولادة بالدور الرابع كانت الأمور على أفضل حال وأحسن ما يكون، وقد كانت الخدمات والرعاية على نحو جيد، وتقوم بالخدمات الطبيبات والممرضات البحرانيات من سنيات وشيعيات، والعاملات الهنديات وغيرهن .. غدا موعد العملية الجراحية، أما اليوم فللفحوصات والتحاليل، والحق أنني لم أشعر في تلك الحال بوجود مشكلة تعرقل الخدمات في المجمع، وكنت ألمس صدق ما أخبر به وزير الصحة باستثناء وجود مظاهر غير معتادة في مواقف السيارات المقابل لقسم الطوارئ.
  
ردود أفعال لم نطلع عليها :

كان تصريح وزير الصحة حول استقرار الأوضاع في السلمانية في يوم 9 مارس  ـ والذي كان سببا في شعورنا بالاطمئنان ـ كان ذلك التصريح قد أثار احتجاجات بعض النواب الذين أصروا على وجود تجاوزات في مجمع السلمانية، وكان أكثر ما أثاروه لا يخرج عما تردد بين الناس من قبل من وجود خيام واعتصامات وإضرابات وتمييز، ثار ذلك في الجرائد يوم 10 و 11 مارس، ولكنني لم أتابع تلك المصارعات ذلك الوقت فلهذا بقيت مطمئنا للرأي الرسمي الذي عبر عنه وزير الصحة في إعلام الدولة، والذي عززه في نفسي ما شاهدته من استقرار المجمع من حيث الخدمات والأمن بالرغم من وجود بعض المظاهر التي سبق ذكرها، ولكن لا شك أن كثيرا من الناس أقلقهم كلام النواب وأخافهم من الاقتراب من السلمانية، لا سيما منهم من شاهد الخيام أو كثرة الناس أو أساء فهم بعض الظواهر التي سأشرحها في وقتها، كان ذلك كله قبل يوم 12 مارس مما لم نوله اهتماما، وأما في هذا اليوم فقد بدأت الإشاعات تزداد.

زيارة النائب الكوهجي :

تناولت الجرائد زيارة النائب عيسى الكوهجي للسلمانية، نشر ذلك في الوسط والوطن :

في الوسط:

وفي الوطن:

 والمنشور مأخوذ من كلام له قاله في مجلسه، ولا بد أن نعرج على بعضه، قال:



((بدأت الإشاعات والأقاويل تدب في المجتمع، وبدأ محبو العتمة يدسون سمومهم الطائفية بيننا، ولم يكن من متضرر في ذلك كله سوى المواطن، إذ بدأت الحقيقة تضيع أمامه، ولا يعرف ما يجري فعلاً (...) ولاحظنا تضخم الأوضاع، وصور البعض في رسائلهم الهاتفية بأن ما يحدث في البحرين مجازر (...) كوني نائباً للشعب كل الشعب، ارتأيت أن من واجبي الذهاب لموقع الحدث والاطلاع عن كثب على كل ما يجري واستيضاح الحقيقة، فبدأت بمجمع السلمانية الطبي، الذي شهد إشاعات لا حصر لها، سواء فيما يتعلق بعلاج المصابين، أو عدم استقبال مواطنين لا يوافقون على الاحتجاجات (...) ما رأيته مناف لكل الإشاعات التي كانت منتشرة، تحدثت للأطباء والممرضين والمسعفين، وروى كل منهم ما رآه وما جرى، وتوجهت لرؤية المصابين، بمن فيهم الذي فارق الحياة مؤخرا وقد كان في غيبوبة وقد آلم قلبي ما رأيت (...) لم أقم إلا بواجبي كممثل للشعب غير أن الإشاعات بدأت تلاحقني من كل ناحية وصوب، ولا أرى أن ثمة مصلحة لأناس من تلك الإشاعات سوى أصحاب الفتن وأولئك الذين يتحفونا بالمسجات الطائفية ليل نهار، وأؤكد أن اليوم ليس للمصلحة الشخصية والكراسي والمناصب، بل اليوم يوم التكاتف وأن نضع أيدينا بيد بعضنا بعضاً، وأن نقف مع بعضنا بعضاً، هناك أناس مستفيدون من زرع هذه الفتنة (...)
الضرر الأكبر الذي زرع الفتنة بعد المسجات هي تلك الفضائية التي امتهنت الفتن، وبدأت تصور أن ثمة حرباً أهلية بين طائفتين في البحرين، حتى أصبحنا نجلس على سجاد ممتلئ بالبنزين، والطائفيون هم من يمتلك الكبريت الذي يشعلنا جميعا (...)
ذهبت لدوار اللؤلؤ، وشاهدت ما يحدث من فعاليات، وتحدثت إلى الأخوة الأطباء والمسعفين، وسألتهم إن كانوا قد تركوا عملهم بالمستشفى وتواجدوا بالدوار للاحتجاج، فنفوا ذلك وأكدوا أنهم متطوعون في أوقات فراغهم، وكذلك المحامين، وقد جرى حوار مطول معهم، وأكدت لهم أنني مع معظم المطالب، لكن لا بد من الجلوس على طاولة الحوار، وهذه هي الديمقراطية ولا نريد أن تنساق البلد إلى الفتنة والمواجهات بين الناس، أما الصحافيون والإعلاميون الذين جلست معهم فطلبت منهم القيام بدورهم الوطني وتخفيف الاحتقان فإنهم أصحاب أقلام لها تأثيرها على المجتمع)) اهـ.

هذا ما نشرته الوسط والوطن على لسان النائب عيسى الكوهجي بتاريخ السبت 12 مارس، ويبدو أن زيارته للسلمانية كانت قريبة زمنا من تصريح وزير الصحة، كما أن كلامه موافق لكلام الوزير وموافق في الجملة لما شاهدته ورأيته من حيث ما ظهر لي إلى هذا التاريخ على الأقل، نعم أغفل النائب الكلام على الخيمتين في ذلك الجانب الأيمن أمام بوابة الطوارئ وسبب وجودهما، وأغفل الحديث عن عبثية وجود بعض الناس هناك لغير أعمال طبية، ولعله أغفل أيضا بعض الأعمال الإعلامية، ولعل السبب في إغفاله هذه المظاهر هو عدم أهميتها وقلة تأثيرها ـ في نظره ـ قياسا بما كان يروج ويشاع عن السلمانية ذلك الوقت، بحيث بدت تلك المظاهر سلمية تماما إزاء الإشاعات، وبالرغم من صحة كلامه في جملته إلا أن  مجموعات من الناس تناولت كلام الكوهجي هذا بالنقد اللاذع في عدد من مواقع التواصل، ويبدو أن بعضهم بالغ من باب تصفية الحسابات.

إشاعات خطرة وجديدة :

ولكن المقلق في الأمر أن تناولهم لهذا النقد اشتمل على تطور جديد يتمثل في نوع حديث من الإشاعات أسمعها لأول مرة !! فقد حاول بعضهم تكذيبه بتأكيد وجود:

ـ تفتيش للناس من السنة خاصة.
ـ الكشف عن بطاقات الهوية.
ـ فرز الناس سنة وشيعة.
ـ طرد السنة وحرمانهم من تلقي العلاج.
ـ وجود مليشيات مسلحة.

ومن شق عليه تكذيب هذا النائب السني زعم أن تلك المظاهر كانت تختفي عند زيارة أي مسؤول ثم لا تلبث أن تظهر مع خروجه وانتهاء زيارته !!

طفق مثل هذا الكلام يتردد على الألسنة وكأنه حقيقة علمية مسلمة، وهو ما كان يثير استغرابي ودهشتي، فقد بدأ هذا التطور الجديد يمسني شخصيا، لأنني سني وملتحي وذو مظهر واضح لا تخطئه العين، دخلت السلمانية حتى الآن أكثر من مرة، وسأضطر للدخول مرارا وتكرارا في الأوقات المقبلة، وحتى الآن لم أشهد تفتيشا أو طلب الهوية أو فرزا مذهبيا أو تعطيلا متعمدا في الخدمات كما لم ألمح أي مجموعات مسلحة بعد حتى هذا التاريخ 12 مارس !! هل تختبئ في تلك الخيام ولا تظهر أمام الناس؟ فما الذي يجري بالضبط؟ شيء ما غير مفهوم في القصة ! هناك لبنة مفقودة في بناء الأحداث.

لماذا لا يصدقون وزير الصحة؟ ولماذا لا يصدقون النائب الكوهجي؟ ولماذا لا يأتي نواب آخرون يشاهدون بأنفسهم ويقيمون الوضع؟ وأين الهلال الأحمر؟ وأين وجهاء البلد أين هم لا يأتون لحل هذه المشاكل؟ هل تختفي أشياء خلف الجدران وفي الغرف لا نراها وتظهر في منتصف الليل؟ لماذا لم يفتشنا أحد أو يسألنا عن شيء؟ ولماذا لم تتدخل الحكومة مبكرا لحل هذه المشاكل كلها لتجنيب المواطنين الخوف والأذى ولتيسير أمورهم؟ كان شيئا محيرا فعلا (سينكشف لي سره فيما بعد) ..

 
امرأة تتصل بقناة وصال :

علمت بأن امرأة اتصلت بقناة وصال بهذا الشأن، وقالت عن السلمانية وعن قسم الولادة بالذات ما ينبغي أن يقال، فطالعت كلامها من خلال (يوتيوب) في هذا اليوم أيضا، وأحب أن أنقله هنا لاشتماله على أنموذج من تلك الشائعات بغض النظر عن إقحامها بعد هذا كلاما لا داعي له وفيه نظر، ولكن كلامها عن السلمانية لا غبار عليه، لكن في اليوم التالي اتصل متصل للطعن فيها خصوصا !! :


المقلق الآن أن هذه الإشاعات لو فرضناها صحيحة فنحن إذن في ورطة، ولو كانت كاذبة ـ كما يبدو في الظاهر حتى الآن ـ فالورطة قادمة لا محالة، لأن الإشاعات قد تدفع بعض الناس من أفراد المعارضة إلى التهور والخروج عن السلمية ـ لا سيما الشباب ـ فتصبح الإشاعة حقيقة، وعلى أقل تقدير فإن هذه الإشاعات ستكون سببا لنشأة رأي عام يطالب بإنهاء المسألة عسكريا، وهذا من الخطورة بمكان لا يجهل.

الاتصال بتلفزيون البحرين :

في آخر النهار شعرت بأنه قد يكون من المفيد التواصل مع تلفزيون البحرين ـ ولو من غير ظهور على الهواء مبدئيا ـ وذلك لأنقل لهم ما رأيته خلال يوم وليلة، فلعل هذا التواصل معهم يزيد من مصداقية تصريح الوزير وكلام النائب الكوهجي ويقلل من كم الإشاعات، ويزيل الخوف من الناس، لا سيما المضطرين لمراجعة السلمانية، أو لعلي أفهم منهم شيئا معقولا، ولكنني لم أتمكن أبدا من التقاط الخط بالرغم من المحاولات المتكررة.

الزيارة المسائية :

عدت إلى السلمانية كرة في المساء، والوضع كما هو لا جديد فيه، والإشاعات تزداد، وكنت في هذه الليلة بالذات قلقا بعض الشيء وشديد التدقيق في ما أراه، كثير الالتفات والملاحظة لما يجري حولي لعلي أستطيع فهم ما غاب عن الوزير أو النائب، فغدا أنا على موعد ـ بإذن الله ـ مع مولود جديد، ومن حقنا أن ننعم معه بأوقات هادئة مطمئنة، ولكن إرادة الله غالبة ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى.

هناك 3 تعليقات:

  1. والله صدقت يا شيخنا اعلام فاسد هنا وهناك وكل يغني على ليلاه وكل ينظر الى مصلحته من اخلال استغلال الحدث بالصورة التي تناسبه ...

    ردحذف
  2. اعلام الغير خارج الوطن فاسد مومشكلتنا لكن اعلامنا اهني في الديره اهني المشكله ، يكذبون علينا ويتغافلونا والمشكله للحين الناس ماتبي تصدق الصدمه !! الحقيقه المره هي انا اعلامنا كان يفرق ويشق الصف وليس المعارض كما تبين لنا للاسف الجديد

    ردحذف
    الردود
    1. أعتذر عن التأخر في التعليق، وأقول وبالله التوفيق:

      لا شك أن الإعلام عليه مآخذات شرعية بشكل عام، قبل الأحداث وبعد الأحداث، وما نرجوه هو أن ينضبط الإعلام بالأخلاق والمبادئ الإسلامية ..

      أما بخصوص ما ذكرته في هذه الحلقات فلم أكن أقصد من خلاله الطعن في هذا الإعلام أو ذاك، بل كان القصد بيان ما شاهدته في السلمانية فقط، وأما تقييم التصرفات الإعلامية فهذا أحيل الإخوة فيه إلى مقالي (رد السنة والشيعة ..) وأقول هنا على وجه الاختصار:

      إن ما بثه الإعلام المحلي والمضاد في فترة الأزمة يدخل ضمن مبدء (الحرب خدعة) حيث يرى كل طرف أنه على حق وأن خصمه على باطل، ويرى بناء على هذا أن يستعمل (الخدعة) لهزيمة خصمه، وهذا قانون (الحرب خدعة) معروف قبل الإسلام ومعروف في الإسلام وتم استعمال هذا السلاح مرارا في التاريخ الإسلامي، وعلماء الفقه الإسلامي لا يعتبرون هذه الحالة ـ مع بضع حالات أخرى ـ لا يعتبرونها من باب الكذب المذموم، بل إنها كحالة تكون لاحقة بتصور الإنسان أنه مضطر لهزيمة خصمه بكل وسيلة .. ولهذا لم تتم محاسبة أحد عن هذا التصرف في التاريخ الإسلامي الأول، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمل هذا النوع من الخدعة في حروبه وصح عنه أنه قال (الحرب خدعة) كما تم تطبيق هذا في حروب المسلمين فيما بينهم كما روي نحو ذلك في حرب صفين .. ولهذا بوب السنة والشيعة معا لهذه المسألة في كتب الروايات ..

      وبناء على هذا فأنا أعتقد أن هذه الفبركات المتبادلة داخلة في نطاق الخداع الحربي، ولهذا لا ينبغي أن نقف لإلقاء اللوم على هذا أو ذاك، فكل طرف يعتقد أنه على الحق وأن له استعمال هذه الوسيلة للانتصار على خصمه، هذا هو توصيف المسألة عندي، ولهذا فإنني ذكرت في بعض الحلقات أننا كنا نتصور أن المسألة مجرد سوء تفاهم بسذاجة ! ولكن تبين لنا بعد هذا أن القضية لم تكن كذلك، بل كان كل طرف يفهم الآخر جيدا ويعرف حقيقة الوضع ولكنه مضطر إلى الفبركة لهزيمة الآخر، هذه هي الخلاصة، ولذلك لا أسمي هذا النوع من الكذب فسادا لأنه مبرر شرعا إذا كان الفاعل يعتقد أن حربه مشروعة، وهو معذور في تصرفه هذا بناء على رأيه، نعم لا بد أن يكون هناك طرف مخطئ، لكن تحديد الطرف المخطئ هذا قد لا يكون سهلا، فكل طرف عادة يظن أنه على صواب، وإذا حكمنا نحن على طرف بأنه المخطئ فالطرف نفسه لا يسلم ذلك، وبالتالي يكون الإنسان معذورا بالتأويل، وكلما كان تأويله وشبهته قوية كلما كان عذره أكبر بحيث يرتفع عنه الإثم، وأنا هنا لست بصدد تحديد من هو المخطئ، ولكن علينا نحن أن نكون أكثر وعيا في المرحلة القادمة إلى توابع هذا المسلك لأننا لسنا طرفا في هذه الحرب فلا ينبغي أن ننجر وراء كل شيء وأن نصدق كل شيء.

      حذف