السبت، 10 مارس 2012

الساعات الأخيرة في مجمع السلمانية (5)


الحلقة الرابعة


يوم الاثنين 14 مارس

هذا يوم جديد، أشرقت شمسه على ذكريات أمس المريرة، وهدوء حذر، ومستقبل مجهول لا ندري كيف سيكون، وقد امتزجت لدينا ـ نحن العالقين بالسلمانية ـ مشاعر غريبة، مشاعر من لا ناقة له ولا جمل في أتون حرب إعلامية، توشك أن تصير حقيقة، ولولا شجاعة مبعثها الخوف على أسرتي، يفجرها بين جوانحي أمل استقبال مولود جديد، لولا ذلك لكان بيننا وبين السلمانية طول البحرين وعرضها، والحمد لله على كل حال.
منذ البارحة ورأسي لم يهدأ من التفكير ! والحصيلة التي انتهيت إليها من مراقبة ما يجري في السلمانية وما يقال عنه في الشارع وفي وسائل الإعلام المختلفة الخارجية منها والمحلية أن المسألة مجرد سوء تفاهم وسوء ظن نتيجة الإشاعات التي طفحت على وسائل الإعلام، هكذا كنت أتصور إلى هذا اليوم ـ بسذاجة ـ أن المسألة مجرد سوء فهم لواقع السلمانية.

ويمكن أن نقسم الإشاعات إلى قسمين:

الأول منهما ما يتسرب من أفراد في المعارضة إلى القنوات الخارجية .. تصور السلمانية بمبالغة وكأن استقبال القتلى والجرحى فيها لا يتوقف وأن أنهار الدم تسيل فيها بغزارة، وهذه التصريحات تصب في صالح المعارضة وتشوه الحكومة ـ المستثارة بهذا الصنيع ـ وتشكل ضغطا عليها، وللقارئ أن يلاحظ ما ورد على لسان مقدم برنامج الراصد هنا في الدقيقة (48.30) وهو يلوم مسؤولي السلمانية قائلا:

((عفوا عفوا دكتور، يعني الأزمة، يعني ما كنتو أنتو تشوفون شقاعد يصير من أزمة بشكل أكبر؟ يعني الناس الي أهاليهم موجودين داخل المستشفى وتسمع من خلال بعض الأطباء من داخل مستشفى السلمانية يطلعون على قنوات أخرى خارجية أنه يقولون : مجزرة، وإطلاق نار، وسكرو الكهربا، وإلى آخره كل هالأمور هاذي كلها ومجازر قاعدة تحصل في داخل مستشفى السلمانية، والأهالي مب قادرة أن اهي توصل تشوف أهاليهم وتطمن على أهاليهم، كنا نحتاج أحد يكذب هذا الموضوع ويفند هذا الموضوع من قبل الأطباء الشرفاء الموجودين داخل المستشفى ..)) اهـ.



الثاني منهما ما يتسرب من أفراد في الموالاة إلى وسائل الإعلام المحلية والخارجية .. تصور السلمانية محتلة من قبل كتائب مسلحة وأن أهل السنة لا يمكنهم الاقتراب من السلمانية .. وأن من فيها عبارة عن رهائن !! كما قال ذلك أحد النواب في الإعلام المحلي، وهذه التصريحات تصب في صالح الحكومة وتشوه المعارضة وتشكل ضغطا عليها.

ومن ذلك قول أحد الصحفيين :
((ما حصل في السلمانية أخطر بكثير مما حصل في موقع ''الدوار''. إن كان موقع''الدوار'' تحول إلى مركز لتوجيه الأوامر وتحديد التحركات، فإن مستشفى السلمانية تحول إلى ''موقع محتل'' مورست فيه ممارسات يندى لها الجبين، لم يسبق أن سمعنا بأنها حصلت في أي دولة أخرى، حتى في حالات الحرب)) اهـ.
ويقول : ((تحويل السلمانية لبقعة إرهابية بدرجة مهولة)) اهـ.

إن تصعيد الأمر إلى هذه الدرجة المهولة هو المشكلة في المسألة كلها من الجانبين، وقد نفى وزير الصحة الإشاعات من القسمين، وتلاه تصريح النائب الكوهجي لينفي الإشاعات من الجانبين، ويبدو أن ثم تصريحات أخرى من مجمع السلمانية حاولت نفي الإشاعات كذلك، وللقارئ أن يلاحظ ما ورد على لسان مقدم برنامج الراصد في التسجيل الآنف في الدقيقة (55.50) ففيه أن مسؤول الأزمات والكوارث اتصل بهم لينفي ما يشاع من مبالغات :



قناة البحرين بلا صوت في السلمانية :

مما لا يعلمه كثيرون أن القناة المحلية كانت مقطوعة الصوت في مجمع السلمانية، وقد تأكد لي أن الصوت منقطع من خلال تفحص أكثر من جهاز، مما يدل على أن الأمر مقصود، وأنا شخصيا أحمد الله تعالى على ذلك، فالقنوات المتوفرة ذات الصوت لا تشكل خطرا، لأنها لا تتناول أحداث البحرين أصلا، أو تتناولها بشكل عام دون التركيز على السلمانية، ولكن القناة المحلية بدأت تتكلم عن السلمانية بكلام يتصاعد شيئا فشيئا، بحيث لو كان المرضى يسمعون ما قيل وما سيقال لربما مات بعضهم من الخوف أو تضاعف مرضه من الهلع، فلهذا أعتبر قطع الصوت من الحكمة، وأن من اتخذ هذا القرار قد أصاب.

البيان المشترك لإعادة السلم :

في صباح هذا اليوم نشرت الصحف بيانا مشتركا بين تجمع الوحدة الوطنية والجمعيات السبع، في محاولة لتدارك الأمور قبل انفلاتها تماما، دعت فيه هذه القوى إلى إعادة السلم الأهلي ودعت رجال الأمن إلى الحفاظ على الأمن في جميع مناطق البحرين وأن يمنعوا الصدام بين الأطراف، مشددين على حرمة الدماء والأرواح والأعراض والأموال، كما دعوا إلى إنهاء جميع مظاهر التمييز الطائفي في الخدمات وعدم منع الغير من أداء أعماله ..


كان لهذا البيان وقع حسن في نفسي، وكنت أتمنى لو وزعت هذا البيان في مجمع السلمانية كله.

من العمل إلى السلمانية :

بالأمس ألغيت عمليتنا كما ذكرنا بسبب الظروف واليوم هو البديل، وقد وردني اتصال من السلمانية فهمت منه أن ثم تضاربا بين موعدنا ومواعيد أخرى جديدة !! لن أسمح بذلك هذه المرة، فانطلقت من فوري إلى السلمانية، وبحمد الله أنهينا هذه المشكلة بسرعة، وكانت الطبيبات متعاونات تماما ومتفهمات، وحصلت على وعد بأني أسمع البشارة ظهرا كحد أقصى إن شاء الله تعالى، كان الزمن كأنه يسيل من ثقوب غربال، والأحداث تسرع الخطى، ولا نعلم ما يختبئ في الغيب.

مجمع السلمانية كان في غاية الهدوء هذا الصباح، والبوابة كالعادة، والمدخل خال، والمواقف متاحة، ولكن الحارس الذي ينظم خروج ودخول السيارات في الموقف غير موجود، والسارية مرفوعة، ومن دخل وقف حيث شاء.

في مواقف السيارات مع رئيس لجنة التنظيم :

أمامي وقت كاف لأحضر بعض الحاجات من خارج السلمانية، فخرجت إلى المواقف، وهناك فوجئت بصف من السيارات يقف في وسط المواقف ويسد الطريق على من يريد الخروج، فشرعت ألتفت يمينا وشمالا وأدور حول السيارة التي تعترضني لعل صاحبها يكون قريبا، ومضت دقائق قليلة وأنا أتحرك في الموقف بتذمر، وهكذا بدأت ألفت الأنظار من بعيد، فإذا بشاب من المنظمين ـ يتقلد بطاقة كان يجلس بعيدا ـ لاحظني ثم جاءني وسألني إن كنت أحتاج مساعدة ـ ويبدو أن حركتي كانت مريبة لهم ـ فذكرت له أنني غير قادر على الخروج بسبب اعتراض هذه السيارة، فقال لي: ربما يكون صاحب السيارة موجودا هناك في التجمع عند بوابة الطوارئ سوف أتأكد وأرجع إليك.
فذهب ولكنه غاب لدقائق، ففضلت الاتصال بالمرور وإعطائهم رقم السيارة المعترضة، وبعد بضع دقائق عاد ومعه شاب آخر أكبر سنا منه، كان هذا الشاب الآخر مهذبا للغاية ودمث الأخلاق، وقف أمامي كأنه تلميذ نجيب، واعتذر بلطف عن هذا التعطيل، ودار كلامه على نفي أي علاقة للمنظمين بصاحب هذه السيارة المعترضة، كان مهتما للغاية بنفي أي صلة لهم بصاحب السيارة ! وقد بدا عليه بوضوح حرصه على تحسين صورتهم ونفي ما يقال عنهم ! عرفني بنفسه ولكنني لم أنتبه لما قاله سوى أن اسمه (علي)، وبعد شهور وبمتابعة ما كان يبث من الأفلام عن السلمانية عرفت أن اسمه الكامل (علي حسن الصددي) أحد المحكوم عليهم في قضية الأطباء، وأنه كان يقدم نفسه على أنه (رئيس لجنة التنظيم بالمجمع) :

(اضغط لتكبير الصورة)


وبعيدا عن الاختلافات الفكرية والسياسية بيني وبين الصددي فإنني لا أخفي إعجابي بطريقة تعامله وبأدبه، وكنت أقول في نفسي : هذا لا يبدو عليه الشر والعنف، ولا أكاد أصدق أن يكون ضمن عصابة تميز بين الناس طائفيا أو تأسر أو تأخذ رهائن .. هذا الظاهر والله أعلم بالسرائر ..

أذكر هنا أن الصددي عرض علي خيارين:
الأول أن يقوم أحدهم بتوصيلي في حال كنت مضطرا لهذا.
الثاني أن يرسلوا أحدهم إلى داخل المستشفى للبحث عن صاحب السيارة، وإذا أذنوا له باستعمال الإذاعة الداخلية فقد تنحل المشكلة سريعا.

فضلت الخيار الثاني، وعندها عرض علي الصددي أن أنتظر في ظل إحدى الخيام مؤكدا على أنه لا توجد أي نشاطات جارية هناك الآن.

رؤية الخيام لأول مرة :

وافق هذا العرض منه رغبة لدي في إلقاء نظرة قريبة ـ ولأول مرة ـ على ساحة مدخل الطوارئ الرئيسية، لأرى ما يحدث هناك عن قرب شديد.




كان الوضع قريبا مما ترى في الصورة، والعدد الكلي ليس بكثير، دخلت إلى إحدى هذه الخيام، وكانت مفتوحة الجوانب، ضعيفة الصنع، لها صرير مزعج من تلاعب الرياح بها، وقد اصطف نحو عشرة كراسي بلاستيكية فيها على شكل حدوة حصان، وفي الصدر تلفاز كبير، وعدد الجالسين فيها نحو أربعة، فلما جلست صاروا نحو سبعة، وجلس إلى جواري شيخ معتم، أظن اسمه السيد صالح الموسوي، وكان متواضعا بشوشا، فأخذت أصغي إلى حديثهم وأجيل النظر فيما يحيط بي، وكان جل حديثهم شبه الاعتذار عما يقال عنهم وتأكيدا على أنهم برءاء مما ينسب إليهم من قصد إيذاء الناس ونحو هذا ـ وأنا أصغي لا أتكلم ـ وفي ساحة المواقف توزع عدد قليل من الناس من النساء والرجال، والشباب والكهول والشيوخ، وهم أشكال وألوان، فمن النساء من تلبس العباءة ومنهن المبنطلة حاسرة الرأس، وفيهم مهندمون، ويبدو على جملة منهم أنهم أصحاب شهادات عليا، وبعض أفراد الكادر الطبي الذين يحاكمون اليوم قد رأيتهم هناك ذلك الوقت، وكانوا أوزاعا متفرقين، كل اثنين أو ثلاثة يتجاذبون أطراف الحديث في ناحية، وقد شدني ولفت نظري بعض الرجال الذين يحملون آلات تصوير ضخمة مما يدل على أنهم يتبعون قنوات تلفزيونية، وبعضهم يحملون المتوسط منها، وعندما رأيت هؤلاء سألت المعمم بجواري من هؤلاء؟
فأجاب بأنهم إعلاميون تابعون لقنوات وصحف ..

فرصة قد لا تتكرر :

عندها خطرت لي فكرة التحدث إلى هذه الوسائل الإعلامية، فقد يساعد ذلك في انتشار تأكيد كلام الوزير والنائب، خصوصا أن الوضع لا يحتمل التأخير، والإشاعات تزداد حدتها بتقدم الوقت، وقد جاء نبأ جديد بأن قوات درع الجزيرة ستدخل البحرين أو قد دخلت ! ولا يجوز أن ننتظر حتى تداهمنا هذه القوات في مجمع السلمانية بسبب هذه الإشاعات، أو لأسباب تافهة لا تقتضي ذلك، فقد بات الأمر خطرا وينذر بعواقب وخيمة، فلا بد لي من دور تقتضيه الضرورة الملحة، فوجود أسرتي الآن في المجمع جعله مكانا بالغ الأهمية بالنسبة لي، والمحافظة عليه هادئا أقل ما أقدمه لأسرتي، وقد وزنت الفكرة في ذهني سريعا مستعرضا محاسنها ومساوئها، فطغت محاسنها على مساوئها.

ـ فأول محاسنها بيان الحق والواقع وهو من الواجبات الشرعية وهو من باب شهادة الصدق التي لا يجوز كتمانها.
ـ وثانيها الحفاظ على مجمع السلمانية ـ حيث أسرتي الآن ـ هادئا وآمنا، وهذا أقل ما أقدمه لأسرتي.
ـ تفويت الفرصة على من يريدون تأزيم الوضع وتفاقم الأمور من أي طرف كانوا.
ـ تصديق شهادة الوزير البحارنة والنائب الكوهجي وغيرهما.
ـ تطمين الناس الخائفين من السلمانية حتى لا يحرم المضطر نفسه من العلاج، وهذا أقل ما أقدمه لخدمة المجتمع.
ـ بث الهدوء والطمأنينة بين الموجودين في السلمانية خصوصا إن كان بينهم سنة.
ـ التمكن من القيام بأي دور لاحقا في التهدئة والإصلاح ونزع فتيل التوتر عن طريق نيل ثقة الناس والمعارضة في السلمانية.
ـ الاقتراح بهدوء وروية على المعارضة بإخلاء السلمانية .. إلخ.

وأما المساوئ فمحصورة في ردود أفعال المعارضة أو الموالاة نتيجة سوء فهم موقفنا.

ومع الضرورة التي اقتضاها الظرف ذلك الوقت ومع أن المحاسن في تقديري كانت أكثر، مع ذلك كله فإني تعودت منذ زمن أن أزن الأمور بميزان الشرع ثم لا أبالي بعد بالنتائج، ولهذا ترجح لدي أن أتحدث الآن أمام المتاح من وسائل الإعلام، وأما تلفزيون البحرين فإذا انفتح الخط معي تحدثت إليهم أيضا.

موقف طريف قبل إلقاء الكلمة :

وذلك عندما اتصلت بجناح الولادة وأنا جالس في الخيمة، وسألتهم بصوت مسموع : (هل بدأت العملية؟ .. أخبروني أولا بأول) !!
رفعت رأسي لأرى القوم قد فزعوا، وتغيرت وجوههم! وقال لي الشيخ المعمم : هل هجموا على الدوار؟
فقلت له: لا علم لي بما يحدث في الدوار. هل هاجموه؟
فقال : فعن أي عملية تتحدثون في اتصالكم؟
أدركت هنا اللبس الذي أخافهم فقلت له : أنا كنت أتحدث عن عملية جراحية وليست عملية حربية !! فسري عن القوم وتبسموا وانشرحت صدورهم.

كيف جرى الخطاب والحوار؟ :

حينما عزمت على التحدث رتبت في ذهني جعل محور كلامي وصف مجمع السلمانية وأنه هادئ مستقر، وتبليغ رسالة التجمع والجمعيات السبع في المحافظة على السلم الأهلي، ولم أرتب أي شيء آخر، فتوكلت على الله تعالى وسألت الشيخ المعمم عما إذا كان بإمكاني التحدث إلى هؤلاء الإعلاميين؟
علاه تعجب واستغراب، وقال بالتأكيد ولكن في أي شيء تتكلمون؟ فوضحت له وجهة نظري، وبينت له أنني لن أنتظر ـ وأسرتي في السلمانية ـ إلى أن تتحول السلمانية إلى ساحة حرب.
رحب بالفكرة ودعوا الإعلاميين، فلما جاؤوا تبعهم الواقفون وتجمعوا حول المنصة، ولم يكن مقصودي إلا الإعلاميين لكن بما أن الناس تجمعت فتوقعت أن يكون هناك اعتراض منهم.

اتفقت مع الشيخ المعمم ألا يكون هناك هتافات ضد النظام، فكلامي ليس في هذا الاتجاه، وأن تتسع الصدور لوجهات النظر المختلفة، فضمن الرجل ذلك ووفى به مشكورا، وقد كان هناك شعار سياسي يتدلي أسفل المنصة من جهة الناس لم أره أصلا، لأن دخولي للخيام كان من اتجاه آخر، ووجود الشعارات لا ينبغي أن يمنعني من قول الحق بلا شك. ولقد كانت الأسئلة المرتجلة والإجابات المرتجلة تشكل تحديا بالنسبة لي.

فشرعت في التحدث لدقائق ثم قاطعني بعضهم معترضا ـ كما توقعت ـ أو متسائلا عن بعض كلامي، لأنني كنت أقول ما أره حقا من الناحية الشرعية، وأعلم أن بعض كلامي لن يروق للحاضرين، وامتد الحوار أخذا وردا حتى انقضى من الوقت ما لعله أكثر من (48) دقيقة !!

أهم محاور الكلمة والحوار :

لا يمكنني هنا تذكر كل شيء قلته بعد مضي سنة، ولأنني ارتجلت الفكرة والكلمة ولم يكن ذلك مخططا سلفا لم أقم بتسجيل الكلمة معولا على أنها ستوثق إعلاميا، ولكنني لا أزال أذكر بعض أركان الكلمة :

الركن الأول : التذكير بالأخوة التاريخية والتحذير من الفتنة والتأكيد على هدوء مجمع السلمانية الطبي.

الركن الثاني : التذكير ببيان السلم الأهلي الصادر عن التجمع والجمعيات السياسية.

الركن الثالث : المطالبة بالتعقل وترك المطالب غير المشروعة التي لا تلقى قبولا شعبيا.
قلت هذا ردا على سؤال ما إذا كان من حق المعارضة المطالبة بإسقاط النظام.

الركن الرابع : بيان حرمة المسلم على المسلم وأن المتظاهر الملتزم معصوم الدم، والشرطي موظف مأمور بالدفع لا بالقتل وأنه كذلك معصوم الدم لا يحل الاعتداء عليه، وكل له حده.
قلت هذا ردا على دعوى بعضهم أن الحكومة تأمر الشرطة بقتل الشباب.

الركن الخامس : أن مجمع السلمانية الطبي ليس مكانا للتجمهر وأن هذا التجمهر يخيف الناس خصوصا أهل السنة ويحرمهم من الحضور ويساهم في إذكاء الإشاعات.
قلت هذا رد على سؤال : لماذا لا يأتي السنة إلى السلمانية للتأكد بأنفسهم من كذب الإشاعات؟

هذا ما أذكره الآن من أركان الحوار الذي امتد إلى ما يقرب من 48 دقيقة، وقد حاول أحد الأطباء أن يعرج على موضوع أحداث الجامعة ولكنني اعتذرت بعدم علمي بأحداث الجامعة وأن كلامي منصب على السلمانية فقط.
كما حاول أحد الحضور الهتاف بسقوط الحكومة فأشرت بإسكاته وساعدني الشيخ المعمم فسكت ولم يتكرر بعد هتاف كهذا.

وانتهت الكلمة والحوار مع أذان الظهر فيما أذكر الآن، ونهضت لأمضي فصاحت امرأة أظنها من طبيبات السلمانية وأظنها ضمن الكادر الطبي الذي يحاكم الآن، فصاحت بي فالتفت إليها فقالت :

ـ يا شيخ لماذا لا تقولون هذا الكلام في تلفزيون البحرين؟ .. لماذا لا تبينون في التلفزيون أننا نقوم بواجبنا ولا نميز ولا ولا .. إلخ

ـ فقلت لها : لقد حاولت على مدى اليومين الماضيين أن أتواصل مع تلفزيون البحرين ولكن لم أتمكن من الخط، وأنا أعدكم بتكرار المحاولة، ولكن ما قلته آنفا في كلامي هو الآن مسجل بين أيديكم، وهو بمثابة شهادة مني، إنها كلمة حق لا ينبغي كتمانها، وأنا أطلب منكم أن تقوموا بنشره من الآن وبسرعة وإيصاله إلى كل البحرين.

بعد هذا أهدوا إلي باقات من الورود باسم كذا وكذا .. لا أذكر الجهات المهدية الآن، وقد أحاطوا بي للسلام والتحية والتعبير عن التقدير والاحترام بالرغم من الاختلاف، وطلبوا مني أن أصلي بهم، ولكنني كنت على عجلة من أمري فاعتذرت ثم مضيت، تبعتني مجموعة منهم فيهم جملة من الأطباء ـ والحق أنهم كانوا مضطربين وخائفين ـ فتحدثت معهم حول ما يشاع عنهم فنفوا بشدة وأكدوا كل التأكيد على أنهم لا يميزون وأنهم يقومون بعملهم على أتم وجه، وأن المجمع لم يتعطل وأن كل شيء يجري حسب ما يجب أن يكون عليه.

وعندما وصلنا إلى السيارة كان لا يزال يتبعني مجموعة منهم: (علي الصددي) معبرين عن احترامهم وتقديرهم، وكانت المفاجأة الظريفة أن سيارة أخرى تعترض سيارتي غير الأولى !!

تعاونت المجموعة في حمل السيارة التي بجواري وزحزحوها حتى أفرجوا مكانا كافيا ثم قام (الصددي) بإخراج سيارتي باحتراف، وخرجت من المجمع بسلام.

خرجت وأنا أشعر بالراحة وانشراح الصدر لأنني نصحت وقلت الحق، ولكنني أيضا كنت مستغربا من تعاملهم معي ! فبعد أن تكلمت إليهم وتحاورت واختلفت معهم واعترض بعضهم وتذمر آخرون لم أكن أتوقع أن يلاقوني بكل هذا الاحترام والتقدير الزائد عن الحد، ولهذا كنت مستغربا هذا الأمر وأبحث له عن جواب، هل ظنوا أني مسؤول رسمي كانوا ينتظرون قدومه؟؟ أم أنهم كانوا خائفين مما شاع عنهم وما تم ترويجه ضدهم فهم كالغريق الذي يتعلق بقشة وكنت أنا تلك القشة ذلك الوقت؟ الله أعلم.



جاءتني البشارة بسلامة الأهل والمولود قبيل الساعة الواحدة ظهرا، وقد أمضينا بقية ذلك اليوم مشغولين منصرفين بالكلية إلى أحوال المولود والشؤون الخاصة، ونسيت كل شيء آخر، ونسيت أيضا أمر الكلمة التي كنت ألقيتها والتي لم يبد لها أي أثر في وسائل الإعلام المختلفة بالرغم من مضي ساعات وحلول الظلام !!

وقبل أن أطوي صفحة هذا اليوم لا بد أن أكمل ما يتعلق بالكلمة التي ألقيتها:

الكلمة تختفي تماما ولا أثر لها :

كنت أتوقع أن تنتشر الكلمة عبر الهواتف أو القنوات أو الشبكة العنكبوتبة أو الصحف .. لا سيما أن المقصود كان أن تنتشر ذلك الوقت بالتحديد لتساهم في التهدئة وإبعاد السلمانية عن الخيارات العسكرية، ولكنها اختفت تماما ! وفي اليوم التالي كذلك لم تظهر الكلمة ! وفي خضم الأحداث وتسارعها لم يكن لدي من الوقت ما يمكنني من السؤال عن الكلمة.
تذكرت أن الجمهور هناك عند الطوارئ قد تلقى تنبيها علنيا بعدم نشر شيء دون مراجعة اللجنة المنظمة !! ولكن لم أكن أتوقع أن هذا التنبيه سيسري على كلمتي كلها !!!

مضى شهر 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و9 و الكلمة مختفية تماما، وفي تاريخ 10/10/ 2011م ظهر جزء صغير جدا مدته 8 دقائق من الكلمة على (يوتيوب) بعنوان (أخ سني يسقط تهم احتلال السلمانية ..) من الواضح أن أفرادا من المعارضة نشروه هكذا بالتزامن مع بدء محاكمة الأطباء !

(اضغط للتكبير)




وفي اليوم التالي 11/10/2011م يظهر نفس الجزء لنفس الدقائق بتصوير أوضح من زاوية أخرى بعنوان (بحريني سني شريف يتحدث في السلمانية ..) وهذا أيضا يظهر أنه منشور بمعرفة بعض أفراد المعارضة، وفي الدقيقة (7.40) منه يحاول أحدهم الهتاف ضد الحكومة فأقوم بإسكاته بمعونة الشيخ المعمم:






وبالرغم من أن هذا الجزء الصغير ليس كل الكلمة، إلا أنه كان يركز على الأخوة والتحذير من الفرقة وهدوء السلمانية، وقد أكثرت فيه من كلمة (بعض) توخيا للحذر، وقد اشتمل هذا الجزء على أشياء أكدها فيما بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق.



وفي هذا التاريخ كذلك 11/10/2011م كتبت مجلة مرآة البحرين هذا الجزء من الكلمة وختمت بقولها: (انتهى هذا الجزء من الكلمة) ثم حذفت ما بين القوسين! مما يدل على علمهم بباقي الأجزاء:

مرآة البحرين المعارضة تنشر المقطع كتابة



لكن هذا الجزء الصغير ـ هكذا مقطوعا عن باقي الحوار ـ أثار حفيظة بعض الناس في وقت كانت البحرين فيه كأنها قد جنت، فشكلوا فريقا متخفيا عبر الهواتف ومن خلال أعضاء منتدى بوابة البحرين ـ الذي ورد اسمه ضمن تقرير لجنة تقصي الحقائق.








وهو مرتبط بشكل ما بجمعية الإصلاح ومروج لبرامجها، كما يظهر من استعراض الأفلام المتعلقة بالمنتدى على (يوتيوب) ـ وقيل منشق عنها ـ والأول أرجح، والله أعلم، ومنقاد لشخوص كان لهم بروز واضح إبان الأحداث، ومن المؤسف جدا أن القائم على هذا المنتدى كان في يوم من الأيام أحد تلاميذنا في المعهد الديني هو وأخواه، والذي حرص على ستر وجهه في أحد التسجيلات مع أنني أقدر على تمييزه كما تميزه أمه وكما يعرفه أبوه، فتحقيقا لرغبات وآمال قديمة مشتركة بين أكثر من طرف اغتنموا هذه الفرصة الذهبية فرفعوا هذا الجزء ـ دون تثبت ـ إلى وزارة التربية والتعليم والتي قامت بالواجب مدفوعة بالأهداف التي نص عليها تقرير تقصي الحقائق حينما تحدث عن أهداف الفصل والتوقيف.


لكن يبقى سؤالان لم أجد لهما جوابا قاطعا إلى الآن :

لماذا لم تنشر المعارضة هذه الكلمة في وقتها؟
ولماذا حذفت 40 دقيقة واقتصرت على 8 دقائق فقط بعد شهور؟

كما قلت ليس لدي إجابة قاطعة، وأما من جهة الظن ـ والله أعلم ـ فقد ترجح لدي أن قيادات في المعارضة لم تر أن نشر هذه الكلمة ذلك الوقت من مصلحتها، لأن المصلحة لديهم في تصوير السلمانية للعالم مضطربا يتلقى القتلى والجرحى ويتعرض للأذى باستمرار ليكون سلاحا إعلاميا قويا في وجه الحكومة، وكلمتي كانت تعكس هدوء السلمانية واستقراره، ولهذا لم يروا في هذه الكلمة ما ينفعهم ذلك الوقت، ولما جاء وقت محاكمة الأطباء أظهروا منها جزءا صغيرا فقط للحاجة، ولكن ما المشكلة في إظهار الكلمة كاملة ؟؟؟؟ لست أدري حتى الآن، وودت لو أن من لديهم التسجيل كاملا من المعارضة نشروه كما هو دون تصرف فيه.  (تابع الحلقة الخامسة)

هناك تعليق واحد:

  1. شكراً لكم ياشيخ .. لقد أنطق الله بكم الحق ..

    نتمنى أن تصل الرسالة لمن يملك التسجيل ليقوم بنشره كاملاً ..

    ردحذف